فيلادلفيا نيوز
بدأ نحو ألفي مقاتل ومدني الأحد بالخروج من جنوب الغوطة الشرقية لليوم الثاني على التوالي في طريقهم الى شمال غرب سورية، بموجب اتفاق اجلاء مع روسيا، ما من شأنه أن يحكم سيطرة قوات النظام على آخر معقل للفصائل المعارضة قرب دمشق.
وبعد حصار محكم فرضته منذ العام 2013 وحملة عسكرية عنيفة بدأتها في 18 شباط/فبراير، باتت قوات النظام تسيطر على أكثر من تسعين في المئة من مساحة الغوطة الشرقية، التي تعد خسارتها ضربة موجعة للفصائل المعارضة.
وتوصلت روسيا تباعاً مع فصيلي حركة أحرار الشام في مدينة حرستا وفيلق الرحمن في جنوب الغوطة الشرقية، الى اتفاقي اجلاء للمقاتلين والمدنيين الى منطقة ادلب (شمال غرب)، تم تنفيذ الأول ويستكمل تنفيذ الثاني الأحد، فيما لا تزال المفاوضات مستمرة بشأن مدينة دوما، معقل جيش الاسلام.
وبعد انتظار لساعات في نقطة التجمع في حرستا التي تشكل الوجهة الأولى للخارجين من مدينة عربين، بدأت الحافلات بالمغادرة تباعاً في طريقها الى محافظة ادلب، وفق ما أفاد مراسل وكالة فرانس برس.
وأوردت وكالة الانباء السورية الرسمية “سانا” قبل ذلك أن “26 حافلة على متنها 1807 من المسلحين وعائلاتهم” كانت تستعد للخروج نن الغوطة الشرقية.
وقال المقاتل أبو محمد (27 سنة) أثناء انتظاره في حرستا لفرانس برس “خرجت من تحت القصف. قررت المغادرة لأحافظ على حياة زوجتي وأطفالي”.
وقال أبو يزن، شاب في العشرينات “أنا مدني ولم أحمل السلاح، تهجّرت من منطقتي بعد قصف عنيف جداً.
وتتعرض الغوطة الشرقية منذ 18 شباط/فبراير لحملة عسكرية عنيفة، تمكنت خلالها قوات النظام من تضييق الخناق وبشكل تدريجي على الفصائل وتقسيم مناطق سيطرتها إلى ثلاثة جيوب منفصلة، ما دفع بمقاتلي المعارضة الى القبول بالتفاوض.
وخلال شهر من العمليات العسكرية، قتل خلال أكثر من شهر من الهجوم أكثر من 1630 مدنياً بينهم نحو 330 طفلاً على الاقل.
وتخضع الحافلات قبل انطلاقها من حرستا لعملية تفتيش قبل أن يستقل جندي روسي كل حافلة لمرافقتها حتى بلوغ وجهتها.
وشاهد مراسل فرانس برس العديد من مقاتلي الفصائل وهم يؤدون الصلاة أثناء انتظارهم وأسلحتهم الخفيفة معلقة على اكتافهم فيما عمل جنود روس على منع الصحافيين من الاقتراب من مكان التوقف.
وينص الاتفاق الذي تم توصل اليه فيلق الرحمن اثر مفاوضات مع روسيا، على اجلاء نحو سبعة الاف شخص من زملكا وعربين وعين ترما وحي جوبر الدمشقي، في عملية قد تتواصل خلال اليومين المقبلين.
وتعد هذه القافلة الثانية التي تخرج من جنوب الغوطة الشرقية غداة قافلة أولى نقلت السبت نحو الف مقاتل ومدني من المنطقة وبلغت صباح الأحد قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي، قبل توجهها الى ادلب، وفق ما أفاد مراسل فرانس برس في المنطقة.
ومنذ ساعات الصباح، تجمع عشرات المقاتلين والمدنيين في عربين وسط حالة من الحزن، بعدما وضبوا ما أمكنهم من حاجياتهم في الحقائب وأكياس من القماش، قبل أن يستقلوا أولى الحافلات الى حرستا.
ولم يتمكن الأهالي من حبس دموعهم وهم يهمون بالصعود الى الحافلات التي وصلت صباحاً وتوقفت في شوارع مملوءة بالركام وعلى جانبيها أبنية مهدمة وأخرى تصدعت واجهاتها او طوابقها العلوية جراء كثافة القصف، وفق ما افاد مراسل فرانس برس في المدينة.
وقال أحد السكان حمزة عباس لفرانس برس “يخرج الناس الى بلاد غير بلادهم. لم يعد لديهم مال أو منازل أو حتى ملابس ليأخذوها نتيجة القصف”.
وأضاف بتأثر “قررت مغادرة الغوطة، كيف بامكاني أن أعيش مع شخص قتل أهلي وأصدقائي؟ مع من دمرني ودمر مستقبلي؟”.
ويأتي اخلاء جنوب الغوطة الشرقية حيث لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) تواجد محدود بعد اجلاء اكثر من 4500 شخص بينهم 1400 مقاتل من حركة احرار الشام يومي الخميس والجمعة.
وقبل التوصل الى اتفاقات الاجلاء، تدفق عشرات الآلاف من المدنيين الى مناطق سيطرة قوات النظام مع تقدمها ميدانياً داخل مناطق سيطرة الفصائل.
وقدرت دمشق عدد الذين غادروا من بلدات ومدن الغوطة الشرقية منذ نحو أسبوعين بأكثر من 107 آلاف مدني عبر “الممرات الآمنة” التي حددتها الحكومة السورية. وغالباً ما يتم نقلهم الى مراكز ايواء حكومية في ريف دمشق، تكتظ بالمدنيين.
في غضون ذلك، ما زال مصير مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية مجهولاً مع انتظار نتائج مفاوضات تجرى مع مسؤولين روس.
ويرجح المرصد السوري لحقوق الانسان أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق يقضي بتحويلها الى منطقة “مصالحة” على أن تعود اليها مؤسسات الدولة مع بقاء مقاتلي “جيش الإسلام” من دون دخول قوات النظام.
وتتواصل منذ أيام عدة حركة النزوح من دوما عبر معبر الوافدين شمالاً، وأفادت وكالة سانا بخروج 1092 مدنيا الاحد.
ووضع النظام السوري، مطلع هذا العام، الاولوية لاستعادة السيطرة على الغوطة الشرقية، التي تحظى برمزية كبيرة لقربها من العاصمة وتعد من أولى المناطق التي شهدت تظاهرات احتجاج مناهضة للنظام في عام 2011.
طوال فترة سيطرتها على المنطقة، احتفظت الفصائل بقدرتها على تهديد أمن دمشق من خلال اطلاق القذائف التي تسببت السبت بمقتل طفل لاعب كرة قدم من فئة الأشبال واصابة سبعة اخرين من رفاقه بجروح، وفق ما أوردت وكالة سانا.
وخلال سنوات النزاع، شهدت مناطق سورية عدة بينها مدن وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية إثر حصار وهجوم عنيف، أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب نهاية العام 2016.(أ ف ب)