الأحد , يونيو 2 2024 | 5:51 م
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب :يا سادتي أنعي أليكم فصاحتنا وبلاغتنا العربية فقد كفنتهما غزة

رايق المجالي يكتب :يا سادتي أنعي أليكم فصاحتنا وبلاغتنا العربية فقد كفنتهما غزة

فيلادلفيا نيوز

بعد السابع من أكتوبر وأمام المشهد العظيم في ذلك اليوم إكتشفنا أن الفصاحة والبلاغة العربية على مر تاريخ العرب منذ كانت بلاغتهم هي معجزتهم الدنيوية قاصرة عن الوصف وبلوغ معاني البطولة والتعبير عنها بما هو منصف وكافي لندرك عظمة الحدث .

وبعد ذلك اليوم صارت لغتنا وفصاحتنا العربية في كل ساعة بل في كل لحظة تخر عاجزة أمام كل لقطة وصورة أو مشهد لإستشهاد طفل وإحتضانه من أبيه أو أمه والدموع تذرف ليس فيها خوف أو هلع وليس فيها يأس وجزع بل دموع حسرة وشفقة على أمتين (إسلامية وعربية ) وكل حروف لغتنا العربية ومعها كل لغات العالم صارت مجرد (مواء أو عواء ) غير مفهومين أمام مشهد (أم يوسف) وهي تصفه ليبحثوا عنه بين الأطفال الشهداء ( الحلو الأبيض وشعره كيرلي ) فكانت الأم قائد يوجه فريق بحث ليجدوا لها (قلبها ) بين أشلاء الأطفال لتحتضنه للمرة الأخيرة وتقبله ثم تواريه الثرى بيديها .

بعد ذلك اليوم في محيط غزة وعلى أرضها لا أعجاز في اللغة العربية التي ننطقها نحن العرب ولا بلاغة أو فصاحة فكان عجز لغة العرب في ذروة بلاغتهم أمام بلاغة (القرآن ) كلام الله-عز وجل – المنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم – يتكرر أمام (غزة المعركة ) فكان الغزييون (قرآنا عربيا ) يتلى بشرا ويقرأ مشاهدا حية (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) فصارت غزة في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة وكأننا نقلب صفحات (القرآن الكريم ) سورا وآيات وكلمات , فأحياء غزة هي السور والبيوت آيات محكمات والناس كلمات معجزة لم ندرك نحن المسلمون لليوم كل أوجه الإعجاز فيها وفقط نجتهد في الوصول إلى افضل الفهم كلما بقينا نتدارسها .

في غزة ماتت اللغة وماتت الكلمات بل إكتشفنا أن لغتنا وكلماتنا ميتة منذ زمن بعيد وأن كل ما كان لدينا (ظاهرة صوتية ) يطلق عليها (أدب العرب وشعرهم وخطاباتهم وفصاحتهم ) وهو ما كشفت غزة بأنه -بكل ما وصفناه به من جمال-مجرد اصوات تصدر عن أي إحتكاك للأشياء وتلاطمها , (فمواعين المطبخ ) إذا تلاطمت تصدر أصواتا وإحتكاك (الأخشاب ) يصدر اصواتا و الريح في الخواء تصدر اصواتا , وكذلك الطبول والنفخ في المزامير يصدر أصواتا .

في غزة وحدها هناك لغة فصيحة وبليغة من دم ولحم وتسير على أقدام وتحمل بندقية وترفع أنقاض وتقود سيارة إسعاف وتمسك مبضعا وتعالج جرحا وتكفن شهيدا وتمسح على قلوب الأمهات والآباء المكلومين , وهؤولاء وحدهم بملامحهم ودموع الثبات والصبر قصائد وقلائد أبلغ وأفصح لغة وهل هناك أفصح من لغة يفهمها كل إنسان على وجه البسيطة وتقرأها كل البشرية على إختلاف الألسن , فقد رأينا كيف رددت شعوب العالم بلغاتهم المختلفة كلمات ومعاني قرأتها في لقطة واحدة لوجه طفل أو أم أو أب غزي دون أن ينطق أحدهم بحرف ودون أن تلقن تلك الشعوب ما تصدح به في الشوارع .

وفي غزة أيضا ماتت كل انواع اللغات فلغة السياسة أو لغة العسكرية أو لغة الإقتصاد ولغة الطب ومختلف العلوم , كلها قد تجلت حقيقتها بأنها أشباح لأموات خارج غزة .

(غزة ) اليوم وستبقى (كلام الله ) في الأرض والنص الأوحد الذي لم يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من أمامه , وكل النصوص وكل الكلام غيره (هراء إنساني ) آيات شيطانية ووسوسات إبليس يزينها -لعنه الله – للبشر على انها (لغة وكلمات ) فيها بلاغة وفصاحة وجمال .

خارج غزة قد قطعت الألسن قبل أن تقطع الآيادي والأرجل وصنعت (ال ص ه ي و ن ي ه ) من هذه الألسن وجبة مسمومة تقدمها على مائدة العالم وقد دعت على هذه المائدة كل كلاب العالم وقوارضه وحشراته .

نحن العرب والمسلمون اليوم ممن في قلوبهم بعض الإيمان بالله لم نعد نسمع أو نفهم أو ندرك فصاحة وبلاغة لغة إلا (اللغة الغزية الفصحى ) ولتخرس كل الأصوات التي تزعم انها لغة للإنسان وحتى لو لم تخرس فمعروف أن التاريخ لم يكتب يوما (بالمواء والعواء والغناء وقرع الطبول والنفخ في المزامير ) بل (بلغة غزة وأهلها ) والتاريخ ايضا لا تكتبه (الثرثرة ) في مؤتمرات الكلام وفي محافل النيام ولم يسجل التاريخ يوما صوتا أو كلمات (لكبش ) يحتج على ذبح الأغنام .

في غزة فقط (الأرض ببتكلم عربي ) وتحت سمائها فقط يحلو الكلام وتتجلى بلاغته وفصاحته وخارج غزة ((نصف العرب في مواء وعواء والنصف الآخر لا نسمع إلا شخير النيام )) فخارج غزة (مات الكلام ) .

ابو عناد .

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com