فيلادلفيا نيوز
أتذكر شخصيا معلومة اكيدة عن نهج التوزير والتعيين في المجلس الاستشاري إبان عدم وجود البرلمان بسبب إستمرار الأحكام العرفية في الأردن حتى ١٩٨٩ فقد كان يصرف مبلغ اعتقد انه (٣٥) ألف دينار أردني لمن يعين وزيرا لأول مرة أو عضوا في المجلس الاستشاري الذي كان بديلا للبرلمان وتحت بند أو عنوان (تحسين أوضاع) وهذا لأن الوزراء واعضاء المجلس الاستشاري هم دائما من أبناء الأردن من الطبقة الوسطى -ايام ما كانت موجودة – أو الطبقة الفقيرة والذي يرشحهم لتولي المواقع فقط كفائتهم بعد انتمائهم لهذا الوطن ،فلم يكن المسؤول والوزير وممثل الشعب هو الشخص المليء والملاك وصاحب الملايين والأعمال الخاصة بل هو الشخص الذي أثبت كفائته في عمله وحسنت سمعته وخلص ادائه لوجه الله والوطن وحبا وولاء للقيادة ،فقد كان هؤولاء يأتون للمواقع من بين الناس وأحولهم كأحوال الناس فهم يمشون في الشوارع ويستخدمون السرفيس ويستدينون من الدكاكين في احيائهم وترهقهم التزامات الحياة لكنهم مجتهدون جادون مثابرون في أعمالهم ووظائفهم وحتى من يعينوا أعضاء في المجلس الاستشاري هم من هذه الطبقات لكنهم من المشهود لهم بالخبرة بالحياة من وجهاء وشيوخ وهم حقا وفعلا (خدام ربعهم) رغم فقرهم أحيانا وأيضا هناك من فئات المجتمع الأخرى من برزوا في كافة المجالات لكنهم اجمعين إما من الطبقة الوسطى أو الفقيرة.
والسبب الموجب لهذه الصرف -ليس مكرمة أو عطية أو جائزة – أن الوزير أو العضو ممثلا للشعب يجب أن لا تؤثر أوضاعه الخاصة أو أوضاع أسرته على عمله وأن لا يكون عرضة لمطالبة أحد له بدين وتسديد التزامات فيجب أن يكون مرتاحا ذهنيا ونفسيا وكذلك ماديا ليعطي في عمله ويخلص ولا يقع تحت تأثير المصالح سواء له أو لغيره وحتى أيضآ لا يغريه أو يوسوس له الشيطان أن يتكسب من وظيفته أو عمله.
هذا كان بالأمس في حقبة حرث البلاد من قبل عجولها ونتيجة تلك الحقبة ونوع الرجالات ازهرت مجالات وتغيرت أحوال أناس ثم مر الزمن ومرت على البلاد عوادي فانسحقت الطبقة الوسطى وبقيت هناك طبقتان هما الأثرياء جدا وهم طبقة محدودة الحجم وطبقة الفقراء المسحوقين العريضة (الأغلبية الساحقة) فصارت المواقع الأولى والوزارات والمجالس البرلمانية لا يدخلها إلا أفراد من الطبقة الثرية من رجال الاعمال والتجار وأصحاب الأملاك وتوالت الوزارات والدورات البرلمانية وتعودنا أن لا يدخل الساحة الا أهل (البزنس) والأعمال والصناعات وأصحاب رؤوس الأموال فصارت طبقة الأثرياء تتداول الوزارة والنيابة والعينية ولا يأتي إلى تلك المواقع من الطبقات الأخرى إلا نسبة ضئيلة لكن كل من يدخل النادي قادما من الطبقة العريضة الفقيرة أو أعلى مربوط الفقيرة سرعان ما يندمج مع الوسط الجديد فيصبح جزء من هذه الطبقة ويبدو أنه ينصح إن جاء متحمسا للعمل بأن يركز على نفسه ومصالحه حتى يستمر في هذه الطبقة ويبقى ضمنها في تداول المواقع.
هذا واقع نعيشه وليس الأمر تحليل أو تنظير وشهدنا امثلة كثيرة على المشهد الموصوف أعلاه وقصة الذين يدخلون الطبقة اي محدثي المسؤولية والنعمة فمن استطعم منهم الثراء تحول جزء من طبقة الثراء ومن بقي متحمسا وسيطرت عليه رومنسية الوطنية سرعان ما خرج إما بأن تلفظه الطبقة بسيناريو معين وإما بانتهاء مدة توزيره او نيابته أو عينيته وهذا الخروج الذي لا رجعة منه.
طبعا معروف أن من يدخل هذه الطبقة لو لشهر أو اسبوع اذا ما ترك الموقع لأي سبب فلا يضيع عليه أن يدخل في عضوية مجلس إدارة لشركة مقابل راتب خيالي ليتسلى في خلق استثماراته الخاصة إلى أن يعود للترشح لموقع جديد مرة أخرى وهكذا دواليك.
لا اريد أن اظلم هذه الطبقة التي تتداول السلطات والمواقع ولا أقول إنها ليس منها وفيها كفاءات أو مخلصين في العمل ولكني اقترح عليهم وعلى الدولة أو عقل السلطة أن يقلب النهج القديم عند التوزير أو تمثيل الشعب أو دخول مجلس الأعيان بدل أن كان يدفع أو يصرف لمن يصبح وزيرا أو عضوا في مجلس تمثيلي مبلغا يجب الآن أن يتم الدفع من قبل طالب الوزارة أو العضوية فالوزير الذي يكلف ليدفع مبلغا كبيرا لنقل (١٠٠ الف) وعضو البرلمان (٥٠ الف) على سبيل المثال ،حيث نعلم أن النيابة لم يعد يتحصل عليها إلا من يجلس على خزائن مال خاصة وكذلك الوزارة لا يدخلها إلا من هم من أصحاب الاطيان ورؤوس الأموال ونعرف أن البعض للفوز بمقعد في البرلمان يدفع او يصرف بالملايين مما يعني أن هذا الدفع وللخزينة العامة أولا لن يهز المراكز المالية لهم وأيضا يحقق الفائدة للخزينة وربما أيضا يصبح دافعا لهم للمزيد من الإخلاص وتوخي الحفاظ على المال العام لإحساسهم بأنهم مساهمون بما دفعوه من أموال.
والله والوطن من وراء القصد…ولا نحلم حتى برئيس قسم من طفرنا لكننا أغنياء بحب الوطن.
أبو عناد.