فيلادلفيا نيوز
بلال الطوالبة
لم يعتد الأردنيون منذ قيام الدولة الأردنية بنهجها الحديث على التأثير بقرارات الحكومة خاصة المتعلقة بالأمن المجتمعي والتي تمس بشكل خاص قوتهم اليومي ، وفي ظل استقواء الحكومة وتبجحها على المواطن بالإضافة إلى مزاولتها لمهنة اجتثاث كوامن الصبر للمواطن نفسه ،
وبناء على ما تمارسه الحكومة كانت ردة فعل المواطن ووسيلة التعبير عن رفضهم واحتجاجهم تتم ” بالاحتشاد ” في الشارع على الرغم مما كابدته هذه التجمعات من إخماد ، وقد وكان لتواجد القوى الحزبية والنقابية المحرك الأساسي للتجمعات الشعبية.
مر الأردن عبر التاريخ بكثير من الاختبارات الحقيقية التي كادت أن تعصف به ، إلا أن اللحمة بين الشعب والقيادة والحكومة كانت هي الفيصل وهي التي ترجح كفة الخروج من التحديات بسلام ، فتاريخ الشعب الأردني مع القيادة والحكومة تاريخ أبيض لا يشوبه أي شائبة ، بعد أحداث السبعينات والتي شهدت الخروج عن المالوف حيث شاع القتل وكان الاداة المحركة فعاش الأردنيون عقدا مظلما ، ولم يعد الأردني في مأمن على أرضه ونفسه وأهله وماله . أصبحت هنالك حالة من الإنفلات الأمني تسود البلاد ، والتي عززت من قيام الأحكام العرفية وتفعيلها على نطاق عالي ، وبعد أن خمدت النار ، أخذت الأحزاب تعمل على محاولة الخروج من حالة الأحكام العرفية السائدة ، وتعزيز مبدأ الديمقراطية التي طالب بها الكثير من الأردنيين ، وكان الشارع وتوزيع البيانات هي الطريق الأمثل لتحقيق الأهداف المرجوة ، وكان لحركات الأحزاب الأثر الكبير في إنهاء حالة الأحكام العرفية ، والتحول الديمقراطي مع نهاية ثمانينات القرن المنصرم.
بدأت المصالحة الوطنية بمجلس نواب هو الأشهر على الساحة الاردنية ، والذي كان يمثل شريحة كبيرة من الحزبيين الذين أعتقد الأردنيين أنهم سيخلقون حالة من التحول المنشود لتحقيق الرفاه للمواطن الاردني .
سادت ثقافة اللجوء وكان لها تأثير على القرارت على إختلافها ولعل أرتفاع سعر ” الخبز” وما جابهه القرار من حراك شعبي جعل من الحكومة التراجع عن هذا القرار ، سارت عجلة الحياة على الأردن وعلى الشعب الأردني ، وأخذ دور الأحزاب والنقابات يتلاشى فلم يعد القائمين عليها يؤمنون بالمبادئ ولعل دور الحكومة وتدخلاتها في إضعاف الأحزاب جنى ثماره ، فالأحزاب الاردنية والنقابات على اختلافاتها تتصارع وتتناحر لما يهم الخارج الأردني أو لمصالح شخصية ومكاسب ضيقة لا تسمن ولا تغن من جوع , فالولاء المطلق للخارج ، ولعل عدم ثقة الاردنيين بالأحزاب على اختلافها اليسارية واليمينية لأنها لا تمتلك أية برامج تنعكس على الواقع الأردني فقرارتهم وأعمالهم هي من املاءات خارجية ، ولعل شراء الأحزاب من الحكومة عبر أستمالة الرموز والقادة له دور في البعد عنها ، ناهيك عن الدعم المادي الذي تقدمه الحكومة للاحزاب والذي يعد من وجهة نظر الأردنيين شراء لذمم الاحزاب .
شهد الأردن موجة حراك شعبي ، ليست مقننة ولا مؤدلجة لأي حزب أو نقابة ، بل هو حراك خرج من رحم المعاناة المعيشية التي وُضع بها الشعب الأردني من قبل حكوماته ، فهو حراك شعبوي بأمتياز ، كان أداة فاعلة وضاغطة على الحكومة ، وقد هز عرش الفساد في الأردن ولعل من أفضل نتائجه ، أرتفاع سقف الحريات ، وبات للأردني الحق في مقاضات أي فاسد ، وقد ساهم الحراك بأقالة حكومات ، وتقديم ” هوامير ” إلى المحاكمة ” فالكردي وشاهين والذهبي ” أسماء لم يكن يسمح للأردني بذكرها ، الا أن الحركة فقدت سطوتها وبريقها ويعزى السبب في ذلك ركوب الاحزاب موجة الحراك .
فأقصي من الشارع الحراكيين الفاعلين وأصبحت الأحزاب هي من تقود العملية الحراكية ، ويعتقد الأردنيين أن الحكومة من خلال الأحزاب التي أستطاعت أن تفتت الحراك وتكسب جولة جديدة ، بل وعرت الاحزاب أمام الشارع الاردني .
اليوم يلجأ الشارع الأردني لمجابهة ” تنكيل ” حكومته به لكن بطريقة حضارية لن تكلف جهدا ولا حاجة الى صدام أمني مع الدرك أو رجال الأمن ، وهي فكرة قديمة التطبيق في الخارج حديثة على مجتمعنا قام بها شبان خرجو من رحم المعانة وضيق العيش الذي فرضته سياسات حكومتهم عليهم ، ومصادقة مجلس النواب الساقط شعبويا ، فبعد توجه الحكومة إلى صندوق النقد الدولي وأصبحت املائات الصندوق تمس أبسط أحتياجات المواطن الأساسية ، فالضرائب المتزايدة التي لم تجد الحكومة نفسها لها مسميات لترويجها على الشعب ، وارتفاع الأسعار ، والوصول الى أرقام فلكية لم يجد الاردنينون أية فائدة ترجع عليهم من خلال تطبيقها ، بالإضافة الى التصرفات الاستفزازية التي تقوم بها الحكومة من خلال طاقمها أدى إلى إيجاد بيئة خصبة لدى المواطن لتقبل أي فكرة يدافع بها عن حقة ، لذلك عمد الأردنينون إلى مقاطعة السلع التي حصل عليها نتيجة لارتفاع الأسعار غير المبرر ، بدءا بحملة المقاطعة الناجحة على سلعة البيض والبطاطا التي وصل سعرها إلى حد غير مقبول ، ونجح الشعب في تنزيل سعرها إلى النصف ، فقوبلت الحملة بتصرفات اعتباطية من الطاقم الحكومي ، ففرضت الضرائب على سلع وتم رفع سلع أخرى ولعل من أهمها أرتفاع اسعار المحروقات رغم تدني أسعاره عالميا ، هنا تحرك الشارع لمقاطعة المحروقات والتي لاقت رواجا كبير ونجاحا باهرا ، فنقيب المحروقات بتصريح سريع لخص معنى المقاطة وما سينجم عنها ، اليوم تبقى هذه الحركة الشعبية تلاقي رواجا على مستوى الشارع ، ولعل سبب نجاحها هو وعي الشارع الأردني وتغيير المعتقدات والأفكار، فالحكومات وجدت لخدمة المواطن وتحقيق الرفاهية له ، ناهيك عن غياب الأحزاب والنقابات حتى لا تؤطر الحركة وتصبح تتبع إلى حزب أو نقابة ، ولعل هذا الدور لو وجد له أحزابا وطنية تهتم لمصلحة الوطن والمواطن لقامت به منذ عقود .
اليوم يحصد الأردنيين بركات حركتهم السلمية والتي لن تستطيع الحكومة السيطرة عليها أو انهائها لعدم وجود إطار يمكن التأثير عليه أو شرائة ، بل هي حركة شعبوية بأمتياز غير مناطة بشخص أو حزب أو جماعة تنتهي بأنتهائها.