الجمعة , مارس 29 2024 | 10:45 ص
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب: (العرف العشائري و العرف الفيسبوكي لا يلتقيان على قاعدة الجهل بكليهما )

رايق المجالي يكتب: (العرف العشائري و العرف الفيسبوكي لا يلتقيان على قاعدة الجهل بكليهما )

فيلادلفيا نيوز

في كل مرة تحصل في الأردن قضية تهز المجتمع الأردني بشكل عام أو تنتشر معلومة عن قضية في المجتمع عن جريمة قتل أو حتى يحصل عند بعض العشاير حادث ينتج عنه وفاة يتم تداول معلومات خاطئة أو منقوصة عن الإجراءات والعرف العشائري وتعودنا أن يتم من عدة جهات أو أطراف مهاجمة العرف العشائري والإجراءات العشائرية وكل ذلك ناجم عن جهل عام ونقص في الثقافة العامة عن هذا النظام العشائري والذي بني عليه المجتمع الأردني .

وللتثقيف بهذا الإتجاه يجب أن نعرف ونشرح بعض الأساسيات ومنها :(مفهوم القضاء العشائري – مفهوم الإجراءات العشائرية ) وهما يشكلان ما يعرف بالعرف العشائري وهو نظام متكامل من حيث وجود إجراءات إبتدائية عند حصول أي حدث أو جريمة وإجراءات وتدابير إحترازية ثم إجراءات فض الخصومات والنزاعات التي تنشأ بين مكوناته العشائرية .

أولا : القضاء العشائري أو القضاة العشائريين : وهم جهة الفصل النهائي (أو التقاضي ) في الخصومات العشائرية التي تنشأ نتيجة أي جريمة أو حدث يدخل في اختصاصات القضاء العشائري وهي متنوعة ومتدرجة فمن حيث النوع هناك قضاة (منقع دم ) ويختصون بقضايا القتل والعرض والجروح والكسور البليغة وتحديد الديات وتقييم الإصابات ,وهناك (أهل الديار) وهم القضاة الذين يفصلون بقضايا الأرض من حدود وبيع وشراء ,وهناك (أهل الرسان ) وهم المختصون بقضايا الخيل وللخيل أهمية بالغة عند العرب وعند البدو ,وكذلك هناك من يسمون (القاضي الضريبي ) وهو القاضي الذي يبت ببعض قضايا التغريم وبعض انواع الخصومات في غير القتل والعرض والجروح والكسور أي الخصومات حول الارض او الخيل او الامور المالية من حيث أحقية الأطراف برفع القضية إ وفرز القضايا ويحيلها لأهل الاختصاص وهو كإختصاص ( إدارة الدعوى ) في النظام القضائي النظامي , وهناك أيضا قضاة ينتخبون حسب معارفهم ببعض الشؤون مثل المزارعة أو التجارة فيتجه اليهم اهل الخصومات في تلك المسائل .

وما مر ذكره هي مثال على تنوع الإختصاصات قد تختلف فيها التسميات فقط من منطقة لأخرى وأيضا لهذه الإختصاصات تدرج كمراحل تقاضي (نظام التقاضي على درجات كالإستئناف والتمييز ) وهو ما يعرف (بعرض الحق على قاضي آخر ) وهذا عندما يصدر حكم من قاضي في خصومة معينة ويعترض عليه طرفي الخصومة أو أحدهما .

ثانيا : الإجراءات العشائرية : وهي الإجراءات التي عند تحديد (الغرماء ) ونوع القضية تتخذ لضمان ضبط الأمور بحيث لا يكون للحدث تداعيات تعرض الجميع للخطر وخصوصا الأبرياء وكذلك لحماية الأنفس والممتلكات وحصر طلب الحقوق وتأديتها بمن تطلب منهم وهم في قضايا القتل والعرض (خمسة ) الفاعل أو الفاعلين كمطلوبين للحق (وخمسة المجني عليه أو عليهم ) كأصحاب الحق ففي الغرم تشترك (خمسة الفاعل ) وفي (الغنم ) اي ما يفرض للمجني عليه من حق ) يشترك (خمسة المجني عليهم ) في استيفاء الحق فكما يوزع الغرم على خمسة الفاعل يوزع الغنم على خمسة المجني عليه وهذا لأن خمسة الشخص كما تضع معه تستوفي معه وفيما بين الحلقة الواحدة شأنهم في التنازل لبعضهم ,مما يعني أن القضاء العشائري في القضايا (منقع الدم ) الإلتزامات ليست شخصية بل هي جماعية والإجراءات العشائرية تبدأ من لحظة وقوع حدث وتسير معه وتسير الخصوم والأطراف وصولا إلى الإجراءات التي تنفذ من خلالها الأحكام التي تفصل بي الأطراف والتي تعرض على (القضاة العشائريين )

ومن الإجراءات العشائرية -على سبيل المثال لا الحصر – والتي تتخذ صفة أو وشكل (التدبيرات الإحترازية ) في القضايا أو الحوادث الكبرى (في الدم وفي العرض ) هناك ما يعرف (بالعطوة ) وقبل ذلك (الجلوة ) و(العد ) والجلوة الفورية أي ترحيل (خمسة الجاني ) وإبعادهم عن (خمسة المجني عليه ) تأتي لكف الأطراف عن بعضهم والحيلولة دون حصول أي أفعال انتقامية وردود أفعال أثناء ما يعرف (بفورة الدم ) وذلك تدبير إحترازي كما قلنا حتى لا تتفاقم المشكلة وتتشعب وربما يحصل خلط أو وإشتباك بين أطراف ليس لها علاقة بالجاني أو قد يتعرض أبرياء لأعمال إنتقامية بسبب الخطأ في توجيه الأتهام لغير (الجناة الحقيقين ) لذلك هناك أنواع للعطوة هي :
1- عطوة إعتراف : وتعني إقرار خمسة الجاني او الفاعل بقيامه بالفعل وإستعدادهم لتحمل المسؤولية العشائرية عن فعل الجاني بشرط تأمينهم من أي إعتداء حتى يقول القضاء العشائري كلمته الفصل بما يترتب على المعترفين من التزامات يجب تأديتها لخمسة المجني عليهم وطبعا هذه العطوة عند إعطائها من قبل أهل المجني عليهم للطرف الذي يكلف بطلبها (وهم طرف من عشيرة ثالثة أو عدة عشائر ) عن (خمسة الجاني ) لا تشمل (الفاعل أو الجاني ) مهما كانت الحالة التي هو عليها كأن يموت لأي سبب أو يقبض عليه أو يهرب ويختفي عن الأنظار , بمعنى أن خمسة الجاني اذا أعطوا عطوة وكان الجاني قد هرب وأختفى عن الأنظار ثم ظهر أثناء مدة العطوة فقتله أحد أفراد (خمسة المجني عليه ) فلا يحق لخمسة الجاني المقتول المطالبة بحقوقهم العشائرية عن قتله وهذا يعني ان العطوة متعلقة بمن لم يشتركوا أو يحرضوا أو يساهموا بأي شكل من خمسة الجاني بالفعل الذي إرتكبه وهي فقط لحماية الأبرياء من أفعال اقاربهم وحصر مسؤولية العشيرة للجد الخامس فقط بدفع الإلتزامات التي تترتب بحكم القضاء والعرف العشائري نتيجة (الفعل ) .
2- عطوة التفتيش (قص وخص ) وهي التي تعطى لإجراء عملية تحديد الجناة الفعليين وتحديد الأفعال حتى يتم تحديد أطراف النزاع أو الخصومة الفعليين أو الحقيقين ليصار بعد ذلك أخذ عطوة إعتراف والسير في الإجراءات العشائرية المتعارف عليها .
3- عطوة اقبال :وهي التي تعطى من خمسة المجني عليهم لأهل الجاني و للطرف الساعي في إنهاء النزاع وتعني استعداد الطرف الأول للسير في إجراءات الصلح وإستقبال (الجاهة ) المرسلة للتفاوض معها على إجراءات فض النزاع وإجراءات اتمام الصلح العشائري .

وكما ذكرت فهناك إجراء يسمى (العد ) وهذا يتم بعد (إجلاء خمسة الفاعل وإبعادهم حماية لهم ) فيتم حصر من يشتركون مع الفاعل بالجد لأول والثاني والثالث حتى الخامس ليتم حصر المطالبة بالحق وتضييق دائرة إبعاد (أهل الجاني أو الفاعل ) عن ديارهم ودائرة الأقرب للفاعل فيعود مثلا من يشتركون فقط في الجد من الثالث الى الخامس إلى الديار مؤمنين على أرواحهم وتنحصر الجلوة كتدبير احترازي بالجد الأول والثاني وهناك تفاصيل في هذا الموضوع كإجراءات للعودة يعلمها من يعرفون بها كمختصين .

وأكرر أن ما تم ذكره سابقا هو إضاءة على النظام العشائري المتجذر لدينا وقد تختلف بعض التفاصيل من حيث التسمية أو الترتيب من منطقة لأخرى وحسب مقتضى الحال ولكنني ذكرتها للتعريف بأساسيات النظام العشائري والذي بني عليه المجتمع الأردني وترسخ فيه هذه الأعراف وهي ما يتماشى مع خصوصيات المجتمع الأردني وطبيعة المكونات الإجتماعية والتي لا تستغني عن هذا النظام بالتوازي مع الأنظمة القضائية المدنية وإجراءاتها .

ولأقول أيضا أن هذا النظام فوق انه متجذر في المجتمع فهو الذي ساهم ويساهم في تماسكه ويخفف إلى أبعد الحدود تفاقم المشاكل بين مكونات المجتمع ودرء مفاسد كبيرة قد تؤدي إلى ما يشبه حروبا أهلية لأسباب إجتماعية وهذا النظام وتجذره في مجتمعنا ليس حالة فريدة أو غريبة بين المجتمعات في العالم القريب والبعيد بل إننا لو بحثنا لدى مجتمعات غربية أو أروبية أو لاتينية أو إفريقية لوجدنا أن كل المجتمعات لديها من الأعراف والعادات المتجذرة التي يسير عليها الناس وأحيانا تبنى عليها الأنظمة الحديثة لديهم وإذا أيضا رجعنا لعقيدتنا الإسلامية وشرعنا الإسلامي لوجدنا أن العرف والعادة في المجتمع مأخوذ بها ” العادة محكمة ” عندما لا يتناقضان العرف أو العادة مع أحكام الشريعة وأصول العقيدة فهي -ما دامت – تصب أيضا في (مقاصد الشريعة الإسلامية ) فهي محكمة وهي محمودة لما تساهم فيه من حماية الإنسان وحماية أمواله وحقوقه وحماية المجتمع ككل من مفاسد وآفات وظواهر .

ويجب الإشارة هنا إلى أن هناك تقنين أو تضييق أو الغاء قد جدت على بعض الجوانب في تفاصيل النظام العشائري بسبب المتغيرات التي طرأت على المجتمع وعلى الدولة الأردنية وبسبب إستحالة التطبيق و/أو صعوبة وكلفة التطبيق مما يحمل الأفراد والجماعات والدولة أعباء وتكاليفا لا داعي لها أو بسبب حلول أنظمة أو أوضاع جديدة في المجتمع لا يستقيم معها تطبيق بعض الإجراءات العشائرية أو بعض الأحكام ومثال ذلك (إجراء الجلوة ) كما كان في السابق أو حكم (قطع اليد أو اللسان ) أو (الدفع بالإبل والأنعام التي كانت هي المال سابقا ) فتم إستبدال بعض أوجه وإجراءات النظام العشائري وأحكامه بما يتفق مع المتغيرات العصرية في المجتمع والدولة ) لكن المفاهيم والأساسيات وأهداف ومساهمات هذا النظام بالنتيجة لا تغيير عليها .

وقد وددت أيضا أن أرد هنا على من يثيرون بين الحين والآخر هجمات عفوية أحيانا وممنهجة أحيانا أخرى تشن على العرف العشائري وعلى العادات الأردنية الأصيلة من زاوية إتهامها بالتخلف ومناقضة الحضارة ووجه المقارنة يكون دائما مع مجتمع دولة كالولايات المتحدة الأمريكية تلك الدولة التي بدأت كتجمعات بشرية لمستعمرات بريطانية كانت منفى لكل المجرمين والخارجين على القانون تحت حكم الإمبراطورية البريطانية العظمى التي كانت (لا تغيب عنها الشمس ) أي أن هذه الدولة تاريخيا كانت (مصرف ) الشعوب والحضارات التي حكمتها بريطانيا وهذا المجتمع قد وجد أجدادنا للدرجة الثالثة أو الرابعة قبل وجوده في إطار مجتمع دولة لذلك فالمقارنة لا تجوز لأن المجتمع الأمريكي بني على قيم وأسس مادية هي الرابط بين جميع مكوناته وهي ضمانة استقراره وإستمراره مع الإشارة إلى أن واقع الحال يثبت وللآن وجود صراعات بين الثقافات التي التقت على تلك الأراضي بسبب التناقض في دوائر ومجتمعات داخل المجتمع الأكبر والأوسع وذلك لإختلاف عادات وأعراف انتقلت مع اصحابها ممن هاجروا أو هجروا إلى تلك البلاد والأهم في هذا المثال أن حتى اختلاف الأنظمة القانونية بين الولايات الأمريكية داخل الدولة الفيدرالية قد جاء مبنيا على خصوصية كل ولاية وما يسود فيها من ثقافة لشعب كل ولاية .

أما من يتهمون العرف العشائري بالتخلف أو بالعقم وبعدم جدواه في خلق حالة التماسك أو الإستقرار في المجتمع من زاوية المقارنة بالنظام القضائي العصري للدول العصرية ومنها الأردن ومن يستشهدون بشيء من الإنفلاتات هنا وهناك وببعض الحوادث أو الأحداث فهؤلاء ارد عليهم بأن الجهل العام الذي ساد بالنظام العشائري وغياب المعرفة والثقافة بالحدود الدنيا بهذا النظام ولأجيال أتت مع سوء الفهم والتطبيق أحيانا كثيرة هو ما أحدث تلك الشواهد التي يستشهدون بها , فنص المعلومة أو الجهل -مثلا – بأحدث قانون عصري بالضرورة سيؤدي إلى تطبيق خاطيء وبالتالي إلى نتائج خاطئة .

وفي النهاية أسجل عتبي الشخصي الشديد على أبناء المجتمع الأردني ممن يولدون وينشأون في بيئات (الأسر الممتدة ) وفي ظل ( مجتمع عشائري ) يفترض فيهم وجود الحد الأدنى من المعرفة بهذه الثقافة أو هذا النظام وفي ذات الوقت يهاجمون (النظام الإجتماعي العشائري ) ولجهلهم أيضا به وعدم تحصيلهم أي معرفة بهذا الخصوص مع سهولة تعلمهم وحصولهم على المعلومة من أعمامهم وأخوالهم وجيرانهم من (العارفين ) بما يجعلهم أكثر تثقيفا بهذا النظام الذي لا بد لهم هم أنفسهم من اتباعه عند تعرضهم لأي (مشكلة ) إجتماعية , وللأسف الشديد فبعضهم قد يكون والده أو أخاه الأكبر أو عمه أو خاله من العارفين والساعين في هذا الشأن وهو الذي يفتخر بهم كشيوخ وأصحاب رأي ومكانة عالية في المجتمع .

ومن جهة أخرى فأسجل عتبي على الدولة أيضا لعدم الإهتمام بالتعريف به وتثقيف الأجيال عنه فهذا النظام أيضا لا تستغني الدولة وسلطاتها عنه وعن اللجوء إليه كضرورة لضمان إستقرار المجتمع , فالحري بأجهزة الدولة المعنية بالجوانب الثقافية بالإشتراك مع الأجهزة المعنية بالجوانب الأمنية أن تشترك معا في حملات توعية وتثقيف وتعريف بهذا النظام ولو من باب أنه من الموروث الإنساني للمجتمع الأردني وهو أولى من إعتبار رقصة السامر فقط موروثا إنسانيا أردنيا فهذا النظام وهذا العرف يدخل في صميم تشكيل الهوية الثقافية للأردني .

وأخيرا أرجو من القراء أن يعطوني عطوة (قص وخص ) وأن لا يحكموا على مقالي هذا على أنه شرح تفصيلي وأنه إدراج معلومات وشرح كامل عن هذا النظام والعرف العشائري وأرجو أن يقوموا (بالقص ) والذي يعني التقصي والبحث في العناوين التي وردت أعلاه كمجرد تعريفات بعناوين وأن يخصصوا من وقتهم ما يصرفونه على التعرف على هذا النظام ومقارنته بأنظمة إجتماعية في مجتمعات العالم وذلك قبل أن يبدأوا بمقاضاتي أو (قطع الحق ) والحكم على هذه المقالة من حيث المضمون ومن حيث الهدف منها .

ابو عناد…رايق المجالي

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com