الأربعاء , ديسمبر 24 2025 | 2:07 م
الرئيسية / stop / هجرة الأدمغة

هجرة الأدمغة

فيلادلفيا نيوز

بقلم د. سعود ساطي السويهري

 

ميز الله عز وجل الإنسان بالعقل، وجعله أداة التفكير والتصرف، وجعل البشر بعضهم فوق بعض درجات عقلا وفكرا وتمييزا، ودعا إلى استخدام العقل في العديد من الآيات القرآنية بقوله تعالي ” لعلكم تعقلون”. كما دعا إلى تفعيل العقل واستخدامه في التفكير السليم، فقال تعالى: ” أولم يتفكروا”. وقوله تعالى:”لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة”. وفي ذلك دعوة صريحة وجذب انتباه إلى استخدام الأداة التي

ميز الله بها الإنسان عن سائر مخلوقاته.

ويقصد بهجرة الأدمغة ما نراه من انتقال للعلماء ذوي العقول المفكرة من موطنهم الأصلي إلى موطن آخر بحثا وراء دوافع كثيرة سنوردها في السطور التالية، حيث تعاني دولنا العربية والإسلامية هجرة ونزيفا للعقول، واصطيادا لها من قِبل العديد من الدول المتقدمة التي تقدر قيمة العلم والفكر، وتؤمن بأنه لا سبيل للتطور والتقدم إلا بالعلم والعقل، والمواهب في العديد من العلوم كالطب، والهندسة والعلوم، والاقتصاد، والطاقة النووية والصيدلة، والعلوم التكنولوجية وغيرها. وإذا ما تم النظر إلى هذا الأمر بعين فاحصة فإنه لا بد من قراءة العواقب، والتنبه لهذا الأمر الخطير الذي يعد بمثابة خسائر فادحة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، للبلدان- وخصوصا النامية- ولما له من خطورة بالغة على مستقبل الشعوب والتنمية المستدامة في هذه البلدان.

ومن منظور نفسي واجتماعي نتطرق إلى الدوافع التي تبعث على هجرة الأدمغة، ونناقشها من ناحيتين: الناحية الأولى تتمثل في دوافع المهاجرين، والناحية الأخرى تتمثل في دوافع البلدان التي يتم الهجرة إليها، فالنسبة للناحية الأولى فإن دوافع المهاجرين إلى البلدان المستقبلة لهم تترك بالدرجة الأولى في وجود عامل التقدير الذاتي لهؤلاء الأفراد، حيث يجدون من يقدرهم ويحترم عقولهم وقدرهم الشخصي والعلمي، وتقدير الذات من أهم الحاجات النفسية التي تؤدي إلى تحقيق الذات عند “ماسلو” في هرمه المعروف بالحاجات النفسية، فالإنسان بلا شك يهمه أمر التقدير ويجد في ذلك سبيلا إلى إبداء وإعطاء أفضل ما لديه من طاقة علمية في مجاله طالما قد تم له توفير كل مايريد، فيعمل بعقل صافي مجرد من مشاغل الحياة، وتبعاتها وتوفير المعيشة الكريمة والبيئة الخصبة والمحترمة لجميع الإمكانيات المادية والاجتماعية والمعيشية.

أما بالنسبة للناحية الثانية التي تخص دوافع البلدان التي يتم الهجرة إليها فتتمثل في إيمان هذه البلدان بالوعي الزائد بأهمية العقل البشري ودوره في التنمية والابتكارات، وأن استقطاب العقول المفكرة والمبتكرة لا يقدر ثمنها بمال مهما كان الثمن الذي يقدم نظير الفكر المُقَدم فلا مجال للمقارنة بينهما، كما أن الدوافع تكمن في الحفاظ على هذه البلدان في مقدمة الدول واحتكار العقول والكفاءات والعلم، وتوفر الاستقرار والسيادة، أما التبعية فللآخرين.

وأخيرا نشير إلى ضرورة الانتباه إلى هذه القضية الشائكة، فهي تثير قضايا نفسية واقتصادية وسياسية واجتماعية ومجتمعية، فيؤلم كثيرا هجرة العقول المفكرة من علماء يبحثون عن التقدير في شتى مناحي الحياة المهنية والشخصية وغيرها، ويؤلم العالِم نفسه عدم وجود تقدير من بلده الذي نمى وترعرع فيه، ويؤسفه أنه يجد الحضن الدافيء من بلدان تستنزف فكره وإبداعاته واستخدامها في صورة تنعكس على موطنه الأصلي تكبدا وعناءً؛ ولذا ينبغي على الدول النامية وغيرها من الدول العربية والإسلامية إلى الفطنة لهذا الأمر، والتفكر بتفكير الدول المستقطبة لهذه العقول المبتكرة، ومن هنا يجب أن تقوم الدول التي تكون سببا في هجرة أبنائها من ذوي العقول المهاجرة برعايتهم وتوفير سبل العيش الكريمة لهم، وإبعاثهم للدول المتقدمة لزيادة أفكارهم وتنويرها، وتفريغهم للعلم والمعرفة والتجارب، وتوفير إمكانيات وأدوات البحث العلمي، وتهيئتهم نفسيا؛ من أجل تفريغ أذهانهم من أي عقبات قد تواجههم، ومساعدتهم على إعطاء أقصى ما لديهم من طاقات وابتكارات واختراعات تجعل بلدانهم في مصاف الدول.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com