فيلادلفيا نيوز
المحامي معن عبد اللطيف العواملة
وُلد عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي في حلب عام 1855، في كنف أسرة عريقة من المثقفين و العلماء. و تلقى علومه الاولى في المدرسة الكواكبية التي كان يديرها والده، حيث درس العلوم الشرعية، واللغة العربية، وأتقن التركية والفارسية. و عمل في عدة وظائف حكومية عثمانية مما سمح له بالاحتكاك المباشر بالولاة و السلطة و المجتمع ككل.
أسس جريدتي “الشهباء” و “الاعتدال” ، و وثق خلالهما تجاوزات الإدارة العثمانية و الفساد المستشري في البلاد. فاغلقت صحفه و تم سجنه عدة مرات. فاستشعر الخطر و قرر الهجرة إلى القاهرة عام 1899، والتي كانت في ذلك الوقت مركزاً حيوياً للصحافة والفكر، وتتمتع بحرية نسبية تحت الاحتلال البريطاني مقارنة بالرقابة العثمانية.
في القاهرة قام الكواكبي بنشر مقالات كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” في جريدة “المؤيد” المصرية باسم مستعار هو “السيد الفراتي”. و توفي الكواكبي مبكرا في القاهرة في عام 1902 في ظروف مريبة رجحت موته بالسم رحمه الله.
استهل الكواكبي كتابه الفريد بتعريف الاستبداد بانه صفة كل من “يتصرف في شؤون غيره وكأنه المالك والمطاع المطلق”، و حدد انواعه بالسياسي و الديني و الاجتماعي. و اسهب في شرح اثاره على المجتمع حيث قال انه يقتل النخوة والشجاعة ببث الخوف في نفوس الرعية، و يؤدي الى تفشي النفاق والرياء، و الى التعلق باوهام الخلاص.
و كان الكواكبي يرى ان بين الاستبداد والعلم حرباً دائمة، لأن العلم نور يكشف عيوب الاستبداد. و كذلك فان الاستبداد يستخدم الدين لتحقيق غاياته. اما الاقتصاد و المال فانهما وسيلة الظلم لتقوية ذاته، و تصبح الرعية لا تفكر لا في لقمة العيش.
كان تفكير الكواكبي منصبا على كيفية احداث التغيير في المجتمعات العربية، و هنا اقتنع بأن التغيير لا بد ان يبدأ من الوعي و ان اي عمل سياسي فاعل يجب ان يسبقه التثقيف و تحرير العقول. و دعى الى “التدرج واللين” بدلاً من الشدة، وذلك لأن الثورات العفوية التي لا تستند إلى وعي عام غالباً ما تستبدل “مستبداً بآخر”. و ان الدواء الحقيقي هو الحكم الدستوري المقيد بالشورى، حيث تكون الأمة هي مصدر السلطات والرقابة. وقد أشار بوضوح إلى أن الهدف هو “تحقيق الشورية الدستورية”.
تعد افكار الكواكبي مؤسِّسة للنهضة العربية الحديثة والفكر القومي العربي، و اثرت في المسيرة السياسية العربية و على رأسها الثورة العربية الكبرى. فقد الهمت افكاره أجيال من الإصلاحيين والمفكرين في الحجاز و بلاد الشام ومصر والعراق، وساهم في تشكيل الوعي السياسي الذي سبق الحركات الدستورية والقومية في أوائل القرن العشرين.
العبقرية في فكر الكواكبي تكمن في أن الاطر التي اسسها لا تزال حاضرة في اجزاء واسعة من العالم العربي بعد أكثر من قرن على وفاته. حوّل الكواكبي معاناته ومواجهاته المتكررة مع الظلم إلى نظرية فكرية متكاملة لتحرير العقول و تنمية المجتمعات، و لا تزال المسيرة قائمة.
فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ