فيلادلفيا نيوز
دان العالم أمس، قانون الاحتلال الإسرائيلي الذي أقره الكنيست الليلة قبل الماضية، ويقضي بمصادرة الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة باثر تراجعي، لتثبيت عشرات البؤر الاستيطانية، وقرر الاتحاد الأوروبي الغاء جلسة مشتركة لتطوير التعاون مع إسرائيل. أما الإدارة الأميركية، فقد قالت مصادرها، إنها تفضل اصدار موقف بعد بت المحكمة الإسرائيلية العليا بالالتماسات التي قدمت ضد القانون. وحسب توقعات إسرائيلية، فإن المحكمة ستقضي في نهاية المطاف بالغاء القانون أو بأجزاء منه.
وكان الكنيست قد أقر قبيل منتصف الليلة قبل الماضية، ما يسميه الاحتلال “قانون التسويات”، والهدف منه تثبيت قرابة 40 بؤرة استيطانية، أقيمت بغالبيتها الساحقة على أراض فلسطينية بملكية خاصة منذ سنوات، استولت عليها عصابات المستوطنين واقامت عليها البؤر بدعم جميع حكومات الاحتلال السابقة والحالية. ويفرض القانون سلسلة من الأنظمة الاستبدادية، التي تفرض على مالكي الأراضي المصادرة والتعويض المالي أو الأرض البديلة من الأراضي الفلسطينية المصادرة. وفي المقابل تنقل حكومات الاحتلال “ملكية” الأراضي لعصابات المستوطنين.
وحصل القانون على دعم 60 نائبا من جميع الكتل البرلمانية التي تشكل الائتلاف الحاكم، وعارض القانون 52 نائبا من جميع كتل المعارضة، وبينهم النائب البارز في حزب الليكود بنيامين بيغين، نجل رئيس الوزراء الأسبق، الذي على الرغم من تشدده السياسي ورفضه قيام الدولة الفلسطينية، إلا أنه رأى في هذا القانون، “قانون نهب”، كما صرّح بذلك سابقا. ولم يشارك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بالتصويت، الذي تم خلال عودته من زيارة قصيرة إلى بريطانيا، حيث التقى هناك رئيسة الوزراء تيريزا مي.
الجدل الإسرائيلي والمحكمة العليا
وأثار القانون جدلا إسرائيليا على مدى أشهر طويلة، بما في ذلك داخل الائتلاف الحاكم، الذي عاد وتلاحم حول هذا القانون الإرهابي. ورفضت حكومة الاحتلال توصية المستشار القضائي للحكومة بصفته المدعي العام الأعلى، والمستشار القضائي للكنيست، حيث حذرا من خطورة القانون، كونه يتناقض مع القوانين الدولية، وأيضا مع عدد من القوانين الإسرائيلية، وطلبا عدم اقراره، وكونه سيقود إسرائيل الى محكمة الجنايات الدولية. وأعلن المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت، رفضه تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا لدى بحث الالتماسات لالغائه.
وقالت كتلة “القائمة المشتركة” الوحدوية التي تمثل فلسطينيي 48 في الكنيست، إن القانون “رسالة واضحة للعالم أجمع أن إسرائيل ماضية في سياسة الاحتلال والاستيطان والحرب، ويشرعن جرائم الاحتلال وينهب الأراضي الفلسطينية، أعدم الخيار السلمي وسد الأفق أمام امكانية استقلال الشعب الفلسطيني، حيث استغلت حكومة اليمين هيمنتها لتبييض وضم المستوطنات وشرعنة النهب والسلب”.
وأضافت “المشتركة” أنه “رغم أن القانون يتناقض والقانون الدولي إلا أن حكومة اليمين أصرت على تطبيق خطة الاستيطان الزاحف، الذي سيجر المنطقة بأسرها لشفير الهاوية ولسفك الدماء. وذلك بالإضافة إلى تصعيد التحريض والعداء والكراهية ضد المواطنين العرب الفلسطينيين، وسحق كل هامش ديمقراطي للعيش الكريم”.
وحسب ما نشر أمس، فإن عدة منظمات حقوقية قدمت التماسات إلى المحكمة العليا الإسرائيلية طالبة شطب القانون، ومنها مركز “عدالة” الحقوقي الفلسطيني ومركزه في حيفا، سوية مع جمعية “حقوق المواطن” الإسرائيلية، كما قدمت منظمة “يش دين” (يوجد قانون) الإسرائيلية، التماسا هي الأخرى، إذ رفعت هذا المنظمة سلسلة من التماسات فلسطينيين طالبين اخلاء عصابات المستوطنين من أراضيهم.
ومن المفترض أن تنضم إلى الالتماسات منظمات أخرى، وحزب “ميرتس” اليساري الصهيوني. فيما علمت “الغد” من مصادر في كتلة “القائمة المشتركة” التي تمثل فلسطينيي 48، أنها تفضل البقاء في مسار الكفاح السياسي، دون التوجه إلى المحكمة العليا. وحسب توقعات حقوقيين، فإن المحكمة ستصدر أمرا احترازيا قريبا يمنع دخول القانون إلى حيز التنفيذ، إلى حين البت به، وهو أمر قد يمتد لأشهر طويلة، حسب التجربة.
وفي سياق المنظمات الحقوقية، فقد قالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في منظمة “هيومان رايتس ووتش”، سارة ليا ويتسن، إن القانون “يرسّخ الاحتلال المتواصل بحكم الأمر الواقع للضفة الغربية، حيث يخضع المستوطنون الإسرائيليون والفلسطينيون الذين يعيشون في نفس المنطقة لأنظمة قانونية وقواعد وخدمات “منفصلة وغير متساوية”.
إدانات عالمية
وقد دانت عدة جهات وشخصيات فلسطينية قانون الاحتلال، وطالب الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة المجتمع الدولي، بتحمل مسؤولياته قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها. وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية، إن قانون الاحتلال يشكل “الاختبار الحاسم لجدية المجتمع الدولي في تطبيق القانون الدولي على الحالة في فلسطين، وفي حماية حل الدولتين وتحقيق السلام العادل”.
وطالبت الوزارة في بيانها مجلس الأمن الدولي بالدفاع عن مصداقية قراراته الخاصة بالاستيطان وفي مقدمتها قرار 2334، كما دعت الإدارة الأميركية إلى سرعة توضيح وتفسير موقفها إزاء هذا التصعيد الإسرائيلي الخطير، الذي ينسف الجهود الدولية الرامية لإحياء عملية السلام، ويدمر أية فرصة للتوصل إلى حل سياسي تفاوضي للصراع، ويفتح الباب على مصراعيه أمام اتساع دائرة التطرف العنيف في المنطقة”.
وفي المقابل، قرر وزراء الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم أمس الأول الاثنين، الغاء الاجتماع المشترك، لتطوير العلاقات مع إسرائيل، الذي كان من المفترض أن يعقد في نهاية الشهر الحالي، ويشارك فيه وفد وزاري من حكومة الاحتلال. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي قراره، أيضا على خلفية سلسلة من قرارات الاحتلال في الأسبوعين الماضيين، لبناء 6300 بيت استيطاني في الضفة والقدس المحتلة.
كما تلقت حكومة الاحتلال صفعة من الدول الأوروبية الابرز، فقد زار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بريطانيا أول من أمس، معلنا أنه يسعى لتشكيل تحالف يضم بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا، ليساند المواقف الإسرائيلية في الشأن الفلسطيني وايضا تجاه إيران. فجاء أمس الرد البريطاني الذي يدين قانون الاحتلال، إذ دان وزير الشرق الأوسط البريطاني توباياس إلوود، القانون وقال في بيان صحفي، “من المقلق جدا أن هذا القانون يمهد السبيل لتوسع كبير بالمستوطنات في عمق أراضي الضفة الغربية، الأمر الذي يهدد إمكانية التوصل لحل الدولتين، وكصديق قديم لإسرائيل، أدين إقرار الكنيست لقانون تنظيم الأراضي، وهو قرار يضر بموقف إسرائيل أمام شركائها الدوليين”.
وكانت فرنسا من أبرز الدول التي دعمت الغاء الاجتماع المشترك مع إسرائيل الى أجل فير مسمى، وفق ما قالته صحيفة “هآرتس” على موقعها الالكتروني، واستنكر وزير الخارجية جان مارك آرو قانون الاحتلال وقال، إنه “يكرّس الاحتلال ويثبت عشرات المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
أما الإدارة الأميركية، فقد رفضت التعقيب المباشر على القانون ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عمن أسمته “مصدرا مسؤولا في الإدارة الأميركية قوله، “إنه لأول مرّة منذ العام 1967 يتم تمرير قانون مدني مباشر على الضفة العربية. إن المستشار القضائي للحكومة في إسرائيل، قال علنا إنه لن يدافع عن القانون أمام المحكمة”. وأضاف المسؤول، إن الإدارة الأميركية سترد بعد قرار المحكمة الإسرائيلية.
وصدر طوال يوم أمس، سلسلة من بيانات التنديد من دول العالم، من بينها تركيا والجامعة العربية وغيرها.الغد