فيلادلفيا نيوز
أنا واحد من الناس في هذا الوطن أتابع واتفاعل مع كل ما نشاهده في نشرات الأخبار وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ، فلست من الذين يتصلون بأي شكل بمصادر المعلومات وليست لدي أي صلة من قريب أو بعيد بمن هو قريب من أي مطبخ سياسي كبر أم صغر وأعتقد جازما أننا جميعنا كذلك في هذا البلد حتى الصف الأول من السياسيين والرسمين ومعهم كل النخب الأردنية.
ولكنني ربما اكون من أكثر المتابعين للتفاصيل اليومية للأوضاع بعد سقوط نظام الأسد وأتابع كل الوسائل المتاحة عبر الفضاء الإعلامي ومعه وسائل التواصل الاجتماعي واجري مسوحات يومية لكل ما يكتب في الشأن السوري حاليا وأحاول أيضا كغيري أن أكون أفكاري ورأيي عما جرى ويجري في هذا البلد العربي الكبير والمهم والمركزي في منطقتنا وطبعا لدي مشاعري الخاصة ومبادئي ومعلوماتي وثقافتي عن السياق التاريخي لهذا البلد العربي متصلا بالسياق التاريخي العام لمنطقتنا العربية ولقضاياها وعلى رأسها القضية الأولى والمركزية “فلسطين” والصراع العربي (الإسرائيلي ال ص ه ي و ن ي) ، ولكني لا أسعى لتكوين موقف أو رأي حاسم لأن هذه نوع من إطلاق الأحكام وفي السياسة والاجتماع والإقتصاد من الجهل والغباء إطلاق الأحكام على ما هو متحرك ومتغير ومتشعب وعلى ما طبيعته معرفة جزئيات وغياب جزئيات أخرى وأكثر وفي هذه الشؤون لا يمتلك الإنسان فردا أو مجموعة مؤسسية علمية إلا أن يحاولوا بذل الجهود في جمع معلومات دقيقة بأكبر قدر عن معطيات الواقع واستنادا لفهم شامل لسياق الشأن أو الأمر ثم تتم عملية التركيب وليس التحليل حتى تظهر صورة أو مشهد فيستطيع من قام بالجهد الذي ذكرت أن يصف هذه الصورة وهذا المشهد بما هو عليه في لحظة الوصف ، وهذا يعني أن ما يسمى (التحليل السياسي) هو قراءة الواقع وتركيب الصورة مما وجد فعلا وتم ربطه ونسجه من معطيات ومعلومات ،فالتحليل لا ينسحب إلى المستقبل وأي تطرق لليوم التالي للحظة التحليل هو (توقع) فقط.
(والتوقع) قطعا يختلف عن (التمني) وما يريده الإنسان وما يسعى لتحقيقه فكل لحظة لم يعشها الإنسان هي لحظة قابلة لكل شيء فقد تثبت فيها اشياء من لحظة مضت وقد تتغير جزئيا أو كليا لأن كل شيء متحرك ومتغير والثابت الوحيد هو (الله عز وجل) .
نحن العرب وبتركيبتنا العقلية والنفسية تختلط لدينا القدرات الذهنية وترتبط الحياة حولنا بدواخلنا في تفاعلات غريبة ، فيختلط التوقع بالتمني وتختلط الأفكار المجردة بالمشاعر الشخصية ويختلط المقدس بالغير مقدس والمقبول بالمنبوذ والبعيد بالقريب والعام بالخاص من المصالح وما يصبو إليه الإنسان ، وقليل بل نادر جدا أن يكون بيننا من ترتبت لديهم القدرات والأشياء وانسجمت وتناغمت وهؤولاء فقط هم من يجود بهم التاريخ في عصور متقاربة أو متباعدة فيتميزون ويكونون إستثناء على القاعدة وهم (فلتات) الزمان وقد يكونون قادة أو علماء أو مفكرين ، وقلما أيضا نشعر بوجودهم وهم على قيد الحياة ونقدرهم ولكننا نكتشفهم غالبا بعد زمن من رحيلهم عن دنيانا وربما هذا الزمن في اقصره يكون (عدة عقود) أو ( قرون).
أعلم أنني (شطحت) في وصف وتحليل الذهنية العربية ولكن هذا ضروري للوصول إلى جوهر الفكرة من عنوان المقال ، فهذا العنوان قد شكل انطباعي الشخصي بل قناعتي بما أتابعه من تحليلات وقراءات للمشهد العربي بعد سقوط نظام الأسد ،وطبعا أقول المشهد الذي تكون وليس الذي سيكون لأن كل شيء وكل التفاصيل ـكما قلت سابقا – متحركة وقابلة للتغيير فأنا لا أتحدث إلا عن مشهد بتفاصيله حتى لحظة كتابة هذا المقال ، وهذا المشهد قد قرأت فيه أن الجميع خصوصا في وطني الأردن (يحللون) وكأنهم (يقرأون في فنجان) فلم أستمع أو اقرأ إلا ما يرسم الغد وبعد الغد ويركب صورة (متفائلة أو متشائمة) فيما يتعلق بمستقبل سوريا والشعب السوري ودولته.
ولو راجع أي شخص يقرأ هنا ذاكرته القريبة وأعاد الاستماع أو قراءة كل الأحاديث والتحليلات سيجد أن الجميع يبدأون بتصفح معطيات وعرض معلومات يزعمون دقتها في زمن قصير نسبة إلى زمن حديثهم بالمجمل ثم يقفزون في بقية هذا الزمن وهو الأطول لرسم مستقبل سوريا والمشهد في المستقبل بين (متفائلين أو متشائمين) وهم أيضا ـمن يحللون ـ بين من يغلب التمنيات على التوقعات ومن يخلطون التوقعات بهواجس ومخاوف لديهم من تجارب سابقة في ذات السياق ولكن في زمان وجغرافيا وظروف تاريخية مختلفة.
ولا أنسى أن أنبه إلى حقيقة أن العقل العربي متاح ومفتوح على مصراعيه وعلى كل مستويات وأنواع ثقافات (العربان) لكل المؤثرات التي كانت وما زالت تتحكم بكل العقول وبكل الطرق (ثقافية ،اعلامية ، أكاديمية, فكرية, وسياسية) وفي كل ما يشكل عقول البشر وهذا التأثير قطعا ممنهج ومقصود ممن أمتلكوا أدوات التأثير حصرا.
وحتى أختم فكرتي ورسالتي للأردنيين خصوصا من هم مثلي من عوام السياسية فإنني أنصح ـ ولا أفرض وصاية على عقل أو تفكير غيري ـ بأن ننظر للتغيير في سوريا من منظور المصلحة الأردنية وما قد يستفيد منه هذا الوطن أو يتضرر منه ، وأن نقرأ المشهد السوري متصلا بالسياق التاريخي لوجود نظام الأسد في الحكم لمدة (٦٠ عاما) وكيف كان وجود هذا النظام بما كان عليه في الحقيقة ، وهل كانت سياسته تلتقي مع مصالح الأردن الوطنية والقومية أم لا وأن نعود إلى الوقائع التاريخية ونحاكمها لأنها انتهت واكتملت فنفتش عن النافع وعن المضر ونضع كل جانب في ميزاننا الوطني.
وأنا شخصيا وحتى لحظة كتابة هذا المقال اقرأ في المعطيات وما جرى على أرض الواقع أن هذا الوطن الأردني قد تخلص بسقوط نظام أسرة الأسد من عدو أشر بثياب الشقيق والصديق وسقطت مع هذا النظام مؤامرات قديمة وجديدة تستهدف الأردن بقيادته وشعبه ومواقفه ، وأرى أن الثورة السورية بنتيجتها قد قدمت خدمات جليلة لنا ـ وهي تقصد ذاتها ودولتها ـ وأجد أن القادمين لحكم سوريا إن لم تتوافق أهدافهم ورؤاهم لمستقبل سوريا مع مصالح الوطن الأردني فهم على أقل تقدير لن يكونوا اسوأ وأخطر من النظام البائد ولن يقتربوا حتى من درجة الخطورة والسوء اللذان كان عليهما نظام هذه الأسرة التي ترأست عصابات تحت تسميات سياسية فقط.
وأختم بأن هذا توقع مني بناء على سياق تاريخي ومعلومات ثبتت ولا أنكر أنه فوق هذا التوقع هناك أمنيات مبنية على عقيدة إسلامية (بأن يكون الإسلام الذي سيحكم سوريا هو الإسلام في جوهره الصحيح المعتدل والوسطي) ومبنية أيضا على مباديء لدي ( بأن تكون العروبة في فكر الحكام الجدد حقيقية موحدة لأطياف المجتمع وللشعب السوري مع شعوب الأمة العربية لا مفرقة بخلاف ما كانت لدى النظام البائد) ومبنية هذه الأمنيات (على قناعتي بأن ما يصدر عن الحكم الجديد في هذه المرحلة يؤشر إلى وجود وعي حقيقي وفكر جديد في أسلمة الحكم وإدارة شعب عربي ومسلم متنوع الأعراق والمذاهب والطوائف) ، ولا أخفي أيضا خشيتي الشديدة على ما بدأ في سوريا مما يحاك قطعا خلف الأبواب وتحت الطاولة من مؤامرات جديدة على هذا الشعب السوري لأن كل ما نتمناه عربيا وإسلاميا له وكل ما ظهر من خطاب القيادة الجديدة بالضرورة (يرعب) الآخر الذي هو عدو بوجهين (العدو المبين) و( العدو بثوب الشقيق والصديق) وهذان عدوان لا يريدان لأي شعب عربي أن يكون حرا بالفعل وأن يرفع رأسه إلى ما فوق الحزام ال ص ه ي و ن ي ليرى وجه عدوه الحقيقي.
سوريا ليست فنجان والسياسة ليست تبصيرا وتنجيما.
حمى الله الأردن
حمى الله ثورة الشعب السوري وحريته وفرحته.
أبو عناد