الأحد , نوفمبر 17 2024 | 10:18 ص
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : فكرة مثالية لكنها سهلة التطبيق

رايق المجالي يكتب : فكرة مثالية لكنها سهلة التطبيق

فيلادلفيا نيوز

 

كثيرة هي الأفكار التي صرنا نعتبرها مثالية جدا ولا يمكن أن تكون إلا في خيال من يحلمون بالمدينة الفاضلة مع أن واقع مجتمعنا في الماضي كان يطبقها بشكل طبيعي وسلس وبكل عفوية.

وفكرتي هذه حول موضوع تنافس أبناء المكون الإجتماعي الواحد في تمثيل القبيلة أو العشيرة تحت قبة البرلمان في الإنتخابات البرلمانية آلتي تجري كل أربعة سنوات حسب الدستور والقانون ،فالمكونات الإجتماعية من القبائل والعشائر تمتد على ساحة الوطن وطبيعي أن لكل عشيرة امتدادها في منطقة أو بقعة وهذه المنطقة تشكل أحد تقسيمات الوطن الإدارية التي تحتاج لكافة الخدمات وتحتاج للتطوير الدائم من أجل رفع مستوى معيشة من يسكنون تلك المناطق.

وكما نعرف أن تقسيم البلاد لدوائر انتخابية منفصلة تضم مناطق محددة يخصص لها عدد من المقاعد لغايات إعطاء الفرصة لأبناء كل دائرة ليكونوا هم من يتولون مهام تمثيل أهلهم ومنطقتهم لأنهم الأقدر على معرفة احتياجاتها وإحتياجات من يعيشون فيها.

وعملية الإنتخاب تعني إختيار الأنسب لهذه المهمة والأنسب لا تعني الارفع نسبا أو الأكثر مالا بل هو من تتحقق فيهم حسب وجهة نظر الناخبين الكفاية الإدارية أي المؤهلين من جوانب عديدة لتمثيل المنطقة افضل تمثيل وأول تلك الجوانب هي رغبة الشخص المتقدم في تقديم الخدمات لمنطقته وإستعداده لبذل الجهد وتخصيص الوقت الكافي للسعي نحو الأفضل للمنطقة ولسكانها ، وهذا هو الأصل في كل ديمقراطيات العالم وهذه هي الصورة البسيطة والتي بدأت بها كل المجتمعات في العالم بممارسة الديمقراطية ،فلم توجد هذه العملية الإنتخابية لمجرد إيجاد حلبة ليتكاسر فيها الناس فيفوز البعض ويخسر البعض الآخر فالانتخابات ليست حلبة مصارعة أو مكاسرة وليست حربا ينتصر فيها فريق على الآخر وليست غاية الشعوب بل هي وسيلتها لتحسين ظروفها وتطوير أنفسها.

تلك الفكرة البسيطة عن إنتخاب من يعملون من أجل أهلهم وشعبهم كانت مطبقة بعفوية عند آبائنا وأجدادنا فكان هناك إنتخاب طبيعي في كل مجتمعاتنا الصغيرة في الأردن وهو إتفاق الناس على أشخاص بشكل طبيعي على أنهم يمثلون الجماعة وهم الأشخاص الذين برزت لديهم خصال حمل هموم غيرهم وحب مساعدة الآخرين حتى لو بذلوا من وقتهم ومن أموالهم في سبيل معونة ومساعدة أكبر عدد من الناس وهؤلاء من كانوا يسمون الوجهاء أو الشيوخ وهم (خدام ربعهم أو أهلهم) ، ولي في مجتمع بلدتي القصر في الكرك والتي كانت قرية انصع الأمثلة على تطبيق فكرة التمثيل الحقيقي والانتخاب الطبيعي اللذان افرزا حالة من الديمقراطية المنتجة أولا تآلفا بين أفراد المجتمع الواحد وثانيا تطورا حقيقيا للمجتمع الصغير فالقرية هذه في خمسينيات القرن الماضي لم يكن فيها أي من الخدمات من مدارس وبلديات وحكم محلي إداري ( قضاء ،لواء ،محافظة) لكن بعض أفراد من كبار العشيرة ممن سكنتهم هموم وأمور أهلهم ومجتمعهم -وانا وغيري نحفظ أسمائهم وصورهم للآن – فكروا وتداولوا في تعاليلهم ما يحتاجه الناس في القرية ولم يترددوا في تنفيذ ما وجدوه خدمات عامة فبادروا أولا بالتبرع من عقاراتهم ما يتم البناء فيه (مدرسة ، بلدية,مقر حكم اداري مديرية قضاء) ثم اتفقوا على الإنتقال إلى العاصمة حيث إدارة الدولة الناشئة وبداياتها ومؤسساتها التي ارتكزت على أبناء الوطن من كل المكونات العشائرية وكان الوطن كأنه عشيرة واحدة ينبري من فروعها الأبناء الذين يتصدون لكل مهمة وأمر عظيم ، ورغم صعوبة وندرة وسائل التنقل والاتصال رتبوا المواعيد وجهزوا ركابهم وتركوا شؤونهم الخاصة وتوافدوا على رئاسة الوزراء والوزارات وطرحوا الأفكار وقدموا الطلبات معها ما تبرعوا به من أراضي ومن أموال لإنشاء البلديات والمدارس وأيضا مقرات الحكم الإداري وبالرغم من أن التنفيذ لم يكن سهلا ويتم بين ليلة وضحاها إلا أنهم بالمثابرة حققوا كل ما طلبوه بإسم المجتمع فأوجدوا مدارس لأبنائهم وأحفادههم قائمة ومستمرة لليوم وغدا وأنشأوا البلدية وجلبوا الحكم الإداري فخلقوا مؤسسات المجتمع الرسمية آلتي صنعت المجتمع القائم اليوم بكل تفاصيله الحضارية.

لا أحتاج للقول أن هذا تاريخ مشرف ثابت لا شك فيه أنه حصل بالفعل في كل المجتمعات الأردنية الصغيرة في تلك الفترات من عمر الدولة وقد حصل دون أن يكون هناك عملية انتخابية ودون أن تكون هناك معارك طاحنة بين الأهل والعشيرة الواحدة وبين العشائر المتجاورة في السكن بل حصل وساهم في زيادة لحمة العشيرة وكذلك اللحمة بين كل مكونات المجتمع الصغير من عشائر تشابكت وترابطت في الدم والنسب فكان الأردن الذي سقطت أمام صلابة مجتمعاته وترابطها كل مؤامرات تدمير أو تقزيم هذا الوطن.

وتطبيق ذات الفكرة على بساطتها اليوم في ظل التطور الذي تم وفي ظل التشريعات والقوانين والعمليات الحديثة ومنها الانتخابات البرلمانية سهل أيضا ،فما دام أن كل من يترشح من عشيرة معينة في منطقة معينة يكون من الأشخاص الذين يهتمون بالشأن العام في منطقته ويكون أيضا ممن عقدوا العزم على تخصيص الوقت وبذل الجهد لمساعدة الأهل وتقديم أقصى الجهود لجلب الخدمات وتطوير القائم في المنطقة ويكون ممن يقسمون اغلظ الإيمان على أن المنطلق والغاية والهدف كل ذلك خالص لوجه الله والوطن فإذا لا ينبغي أن تنشأ معارك طاحنة وحربا ضروس بين أبناء العمومة وكل ما هنالك فليطرح الشخص نفسه على أهله كراغب بخدمتهم دون أن يتصارع مع منافسين من أبناء العمومة وليترك أمر الإختيار للمصوتين بلا بغضاء وكراهية وعندما يأتي الفرز ويحصل أحد المرشحين بعملية الإقتراع على الأصوات آلتي تؤهله لتمثيل الجميع -من صوت له ومن لم يصوت – فليبارك له جميع من نافسوه وليترجموا المباركة بالافعال بأن يترجموا كل ما قالوه وطرحوه في دعايات ترشحهم وكل وعودهم وأيمانهم بأن يكونوا خلف الفائز كنائب (هيئة أو مجلس) منهم ( كل من ترشح عن العشيرة) ليكونوا عونا لمن حاز صفة التمثيل فيصبح ذلك النائب (مؤسسة) وليس مجرد فرد ، وهذه المؤسسة المؤلفة من المجموعة تلك هي ما يبقي الإتصال والتواصل مع القاعدة على أعلى مستوي والأهم هي ما يمد النائب بالافكار ويمده أيضا بوسائل تتفيذ ما يطمح إليه الجميع والأهم سيتحقق الزخم الكافي لهذا النائب الذي يقوي أدائه تحت القبة والذي سيخدم بالضرورة العشيرة والمجتمع الصغير وبالنتيجة الوطن دون تحيز وتمييز.

اوليس كل مرشح قدم نفسه على أنه نذر نفسه للخدمة العامة وأنه لا منطلق أو هدف له إلا بذل الغالي والنفيس من أجل الجماعة…؟؟؟؟

ولا أذيع سرا هنا أن الديمقراطيات الغربية وتلك المجتمعات عمليا وفعليا فالنائب والممثل للمجتمع يجب أن يكون مؤسسة وليس مجرد فرد يمارس مزاجه الخاص ويفكر وحده وينطق وحده ويعمل وحده.

أما أن يترشح الشخص في إطار قاعدة انتخابية وضمن عشيرة واحدة ويطلق الوعود ويقسم اغلظ الإيمان أنه المتطوع للخدمة العامة ولا مأرب آخر ثم إذا لم يحالفه الفوز ينقلب على كل شيء صدر منه وينقلب على المنافسين ويبغضهم وينقلب على عشيرته ومجتمعه الصغير فيعتزله على أقل تقدير أو يبدأ بمناكفة الفائز فهذا إذا ليس ديمقراطية وليس حبا بالوطن والناس والمجتمع بل إنه بالسلوك اللاحق لإعلان نتائج الاقتراع إنما يقدم الدليل على أن خسارته الانتخابات كان الخير من الله لهذه المنطقة وهذه العشيرة لأن الدوافع الشخصية البحتة تظهر ويثبت مع ظهورها أن ذلك المرشح الخاسر في الانتخابات ما هو إلا شخص كاذب.

نعم تبدو الفكرة مثالية جدا لكنها كما قلت وكما هو ثابت في تاريخ الوطن وكل مناطقه قد طبقت وأيضا يمكن أن تطبق إذا وجد الوعي العام الكافي وإذا وجد الصدق فقط.

أبو عناد.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com