دبي – فيلادلفيا نيوز
تواصلت يوم الأربعاء 28 فبراير 2024 احتفالات مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بتوزيع جوائز الدورة الـ 18 حيث نُظمت محاضرتان لكل من الدكتور عبد الله إبراهيم الفائز بجائزة الدراسات الأدبية والنقد وللقاص أمين صالح الفائز بجائزة القصة والرواية والمسرحية.
فقد قدم الدكتور عبد الله إبراهيم محاضرة بعنوان (السردية العربية) وأدارتها الدكتورة بروين حبيب في قاعة المحاضرات بمبنى المؤسسة والتي تقام بالتعاون مع جامعة الوصل بدبي، وقال فيها:
اقترنت دلالةُ السرد، في اللغة العربيّة، بالنسج، والسبك، والصوغ، والبراعة في إيراد الأخبار، وفي تركيبها، فذلك هو الحقل الدلالي للفعل سرد ومشتقاتهِ في الثقافة العربية. وتردّدت تلك المعاني مجتمعة أو متفرّقة في معاجم اللغة، وفي مصادر الأدب العربيّ.
وأضاف:
لا يراد بالسرد الإتيانُ بالأخبار على أيّ وجهٍ كان، بل إيرادُها بتركيب سليم، بليغ يُفصح عن مقصودها دونما لُبس في المبنى والمعنى. فلا تكون ركيكةً في أسلوبها، ولا مبهمةً في مراميها. ذلك هو، بالإجمال، المفهوم الذي أخذتُ به في تحليلي للسّرديّة العربيّة.
ولم يغبْ عنّي مفهومُ السّرد حسبما أوردته معاجم الأدب، غيرَ أنّني وجدته لا يَفي بمقصودي الّذي ابتغيتُه، فأردفتُه بالدّلالة السّياقيّة الّتي انتهى إليها الإرثُ السّرديُّ العربي الّذي هو مثارُ حفاوتي؛ فالسّياق الثّقافي وسّع من دلالةِ مفهومِ السّرد، حيث أضاف إلى دلالته الذّاتيّة الدّلالةَ الحافّةَ؛ وفيه تمدّد المفهومُ على بساط التّاريخ الثّقافي طويلَ المدى، فصار المقصود به: الإحكامُ في السّبك، والإتقانُ في النّسج؛ فقوام السّرديّة العربيّة مادّةٌ مجازيّةٌ صاغها السّردُ بأشكال وأنواع، وقد ظهرت، أوّلًا، أخبارًا شفويّة متناثرة، ثم أضحت، ثانيًا، مرويّاتٍ محبوكة، واستوت، أخيرًا، أنواعًا لها هويّات في إطار جنس السّرد.
وخلُص إلى:
نظريات النقد صاغت تراثا عظيما من التحليلات، والكشوفات، والفرضيات، والتوصيفات، والنتائج، وهي ثمرة من ثمار الجهد الفكري الذي انتهى إليه نقاد ومفكّرون انخرطوا في صلب العملية النقدية، وأقاموا هذا الصرح الذي يمثل إحدى إنجازات العقل الثقافي في حقل العلوم الانسانية، ولا غنى لقارئ عنه في ربط صلته بالأدب، فبه نجح النقد في تمهيد الدروب للدخول إلى عالم التخيل الأدبي، وهو عالم مواز للعالم المرجعي. غير أنّ اكتشافه تعسّر، وتأخر، فقد مضى الإنسان باكتشاف العالم المرجعي لاعتقاده بأنه أكثر نفعا، فيما ينطوي العالم الافتراضي الذي يبتكره الأدب على فوائد كثيرة غايتها إثراء النفس، والخيال، والمشاعر، والأفكار، وشعور الإنسان بذاته وبهويته، ووسائله لذلك هي الرموز، والعلامات، والمجازات، وتُدرك منافعُها بالتحليل والتأويل، وشعور القارئ بالمتعة، والفائدة.
وقد أثارت المحاضرة الكثير من الأسئلة والنقاشات التي أغنت وزادت من قيمة المحاضرة، ومن ثم قدم الأستاذ إبراهيم الهاشمي درعاً تذكارية للدكتور أحمد منصور من جامعة الوصل وشكره على تعاونهم المثمر.
كما نظمت المؤسسة بالتعاون مع النادي الثقافي العربي بالشارقة محاضرة للقاص أمين صالح أدارها الناقد إسلام لأبو شكير، حضرها جمهور نوعي من المهتمين والمثقفين والشخصيات الفكرية العربية جاء فيها:
“بدأ ولعي بقراءة القصص والروايات وأنا في المرحلة الثانوية. هذه القراءة النهمة حرّضتني، في أواخر الستينيات، على أن أجرّبَ كتابةَ القصة.. لكن بسذاجة المبتدئ. ليس فقط هذا الولع من وجّهني إلى كتابة القصة القصيرة، هناك أيضاً تأثري العميق بالحكايات التي كانت جدتي ترويها لنا ونحن صغار. كانت تسرد الحكايةَ بطريقةٍ فيها الكثير من التشويق والدراما. كانت مذهلة في السرد. من خلالها أحببت السرد. لكن المفارقةَ أنني، في كتابة القصة، بعد البدايات البائسة، لم أكترث كثيراً بالسرد التقليدي. ربما لأني، على نحو غير واعٍ، شعرت بأنني لا أستطيع أن أضاهي الجدّةَ في السرد. أو ربما لأني شعرت بالإشباع والامتلاء في السنوات التي أمضيتها وأنا أصغي إلى سردها. أحببت الشعرَ كثيراً. أكثر من القصة والرواية. لكنني لم أجرب كتابة القصيدة. لم أشعر بأني قادر أو مؤهل لفعل ذلك. أردت أن أكون شاعراً في مجالي الخاص.
ويتابع “إنك تبدأ الكتابةَ بغايات معينة، كأن ترغب في التعبير عما يوجد بداخلك.. أفكارك وعواطفك ومشاعرك وهواجسك. ثم تضع لنفسك هدفاً سامياً، فيه الكثير من الادعاء: أن تغيّر واقعَك، حالماً بعالمٍ أفضل، بغدٍ أفضل. كان ذلك ضرباً من البراءة والسذاجة اللتين ترافقان البدايات عادة، ويفرضهما مناخ سياسي واجتماعي معين. كنا جميعاً، آنذاك، نظن أن الكتابةَ قادرةٌ في لمحةٍ على اجتراح المعجزة المرتقبة. كنا في الحقيقة نحلم، وكان حلماً جميلاً ونبيلاً وطفولياً. لكننا خذلنا هذا الحلم، أو اتضح أنه محض وهم. يود المرء أن يعطي لنفسه، ولما يفعله، شيئاً من الأهمية، من القيمة، من الامتياز. أن يعتبر نفسه خارقاً وذا حضورٍ طاغٍ. لكن هذا يعدُ خداعاً للنفس قبل أن يكون تضليلاً للآخرين. يجب أن نقبل بدورنا المتواضع، الضئيل، وبوجودنا الهش، في هذا العالم، ولا نعطي أنفسنا حجماً زائفاً. الزعم بأن الكتابةَ قادرةٌ على اجتراح تغيير ما، حتى لو كان بسيطاً، هو محض وهْم.
وأكد صالح أن الكتابة، وكل الأشكال الفنية، لا تقدر أن تغيّر الواقع. قد تقول للإنسان شيئاً عن واقعه، عن معنى ذاته ووجوده، أن تعمّق وعيَه، وأن تصقل حسّه الجمالي. وإذا استطعت أن تحقق بالكتابة بعضاً من هذا، تكون قد أنجزت شيئاً له قيمة وأهمية. إن ما تكتبه يتصل بهذا الواقع، جذوره ممتدة فيه، إلا أنه يتخطى هذا الواقع ليطرح رؤيةً أشمل تتصل بأسئلة أزلية. في نصوصي لم أحاول أن أطرح الواقع في حرفيته، في قضاياه اليومية المباشرة. كنت معنياً أكثر بعوالم الحلم والمخيلة، والتي فيها أمتلك حريةً أكبر في تناول قضايا أكثر جوهريةً أو أكثر اتساعاً.. من وجهة نظري. عالم الحلم أو المخيلة هو امتداد طبيعي لعالم الواقع، وليس منفصلاً أو مستقلاً عنه.
وأيضاً كانت المحاضرة دافعاً لطرح الأسئلة عن ماهية الكتابة وجدواها وطرق انتشارها، وفي ختام الجلسة قدم الأستاذ إبراهيم الهاشمي درع العويس التذكارية للدكتور عمر عبد العزيز رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي العربي، كما تلقى القاص أمين صالح شهادة تقدير من إدارة النادي وشهادة مماثلة للناقد إسلام أبوشكير.