فيلادلفيا نيوز
إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب
” مقدِّمة”
مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
شادية دعيبس من الأردن في زيارتها إلى لندن تكتب لنا من زاويتها “ماذا يحدث غزة”؟
أصداء طوفان الأقصى في بريطانيا
شادية دعيبس
مقدمة
عندما تستيقظ على حلم، سيلاقيك الصباح والزقزقة الجذلى للعصافير ستتذكر الأمر الذي أتيت من أجله إلى هنا- لندن وحالا ستجد نفسك جالساً على أفكار متكسّرة كستها طحالب الموت في غزّة، بجانب بحيرة يُقال عنها من جغرافيا الإنجليز، أتأمل الفضاء، أتسأل كم يعبد عن فضاء غزّة، سألقي صنارتي في المياه الخضراء، وانتظر صابرة، وتفاجأت بخطوات النهار، تلتقط بين الفينة والأخرى سمكة متوحشة لا تعرف معنى للحياة٠
وستخرج من شقوق ذكرى النكبة والمخيم، لا يهم اسمه عين الحلوة، اليرموك، تل الزعتر، الأسماء هنا تغيب في دهاليز لندن، في هذه اللحظة التي أستدير بها لأرحل، سأتوقف وأسأل نفسي ماذا انتظر من أجله؟ اسحب الخيط المعلق بعطفي، كأنه حبل سرّي بشدة، صوته غضّ رخيم٠
لن يعكر شيء ما بعد الظهير، سأرحل مع طائر الفنيق للمشاركة في المظاهرة التي تنطلق من أحد شوارع لندن- ليس مهم هنا ذكر اسم الشوارع، كلّها أصبح لها اسم واحد: فلسطين، وما زال اسمي لاجئة، لا بد من سرد، وسأسرد ما شاهدته، أنا شادية المحفورة في ضوء القمر – فلسطينية وجارة الشمس، وألقي بظلالها القاتمة على محياها، بحر من التعب، ومن الشتات.
1-رحلتي في بريطانيا
في السادس عشر من أكتوبر كنت في رحلتي من الأردن إلى بريطانيا. كانت حرب غزّة مشتعلة حيث أنّ عملية طوفان الأقصى بدأت بتاريخ السابع من أكتوبر…في الواحد والعشرين من أكتوبر بدأت مظاهرات الاحتجاج تعمّ جميع المناطق البريطانية حيث كنت في هذا اليوم بمنطقة ردينج منطقة صناعية وفيها جامعة ردينج المعروفة على مستوى العالم… كنت أنا وابنتي التي تسكن هناك ومعها أولادها في المدارس في طريقنا إلى منطقة المظاهرات والاحتجاجات كان عدد كبير من الناس ولم تسمح لهم الدولة بالخروج خارج نطاق البارك (حدائق ضخمة) للوقف مع أهلنا في غزّة كانت المظاهرة من كلّ الجنسيات العربية والأجنبية وكانت الهتافات ضدّ الحرب على غزّة رغم المطر وبرودة الطقس كان الكلّ يطالب بوقف الحرب على غزّة وتحرير فلسطين بالكامل…
الأسبوع التالي بتاريخ 28 أكتوبر كانت مظاهرة ضخمة دعوا إليها من كلّ المدن البريطانية وكانت بالعاصمة لندن. كانت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافرمان تحاول بكلّ جهد أن تعرقل مسيرة هذا المظاهرات وخاصّة بوسائل النقل سواء كانت قطارات أو مترو حتى يستطيعوا السيطرة على تلك المظاهرات.. كنت أنا ومجموعة كبيرة قد وصلنا إلى محطة لندن بالقطار وكنّا مجموعات من مدن مختلفة ومن كلّ الجنسيات وكلّ الأعمار من الكبير حتىّ الصغير، ثم ركبنا المترو للوصول إلى مكان المظاهرة والكلّ كان يتوشح بالعلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية: عرب وأجانب وخاصّة البريطانيون.. في منتصف الطريق توقف المترو لمدّة عشرين دقيقة وكأنّها ساعات حتّى كدنا نختنق ثم أعادنا إلى حيث ركبنا… كان موضوع تعطيل وسائل النقل خطّة مدروسة من قبل وزيرة الداخلية البريطانية… وعندما نزلنا من المترو كانت امرأة بريطانية تجاوز عمرها ستين سنة ربّما سألت الجمع: هل الجميع إلى المظاهرة؟ والكلّ أجاب: نعم فتحت مظلّتها التي تحمل ألوان العلم الفلسطيني، وكان معها طلابها من كلّ بقاع الأرض، وعندما سألتني قلت نحن معكم وتبعناها مشيا على الأقدام وكانت المسافة بعيدة ولكن كان كل شيء يهون من أجل غزّة وفلسطين وأنا في الطريق أتحدث إليها قالت عندما كنت في عمر الثالثة والعشرين كنت أفكر في موضوع فلسطين وإسرائيل وقرّرت أن أذهب إلى لبنان، كان ذلك في السبعينيات وهناك فهمت الحقيقة وأصبحت أدرس في المخيمات الفلسطينية من قبل المنظمة الفلسطينية وفتح مجانا وذكرتهم بالاسم في مخيم صبرا وشاتيلا وغادرتها عندما غادرت المنظمة بيروت أو قبل لا أذكر. قالت السيدة كلير: اسمي بالعربي يعنى (نور) نادِني باسم (نور) قالت: نحن معكم وإلى جانب فلسطين لا تخافوا لن نترككم حتّى يتغيّر مفهوم القضية وأن فلسطين حرّة عربية من النهر إلى البحر…أسعدني ما قالته تلك السيدة وأسعدني أنّ مفاهيم الشعوب الخاطئة في قضية فلسطين أخذت منحى آخر يخدم القضية الفلسطينية…شكرا كلير(نور).
كانت المظاهرة مليونية. طوفان الأقصى والحرب على غزّة غير مفهوم العالم بأسره وأنّ فلسطين للفلسطينيين وأن الإسرائيلي هو محتل غاصب ومتوحش…
في الرابع من نوفمبر مظاهرة في لندن… هذه المرة قررنا أن نسجل في الباصات لإحدى المؤسسات التي تقيل المتظاهرين لان كان هناك عرقلة في الوصول إلى لندن للتظاهر أن كان بالقطارات أو المترو… كان الجميع ينتظرون في المؤسسة حضر الباص الأول وركب البعض والبعض كان ينتظر الباص الثاني والثالث وللأسف لم يحضروا لأنّهم منعوهم من الوصول إلى هذه المؤسسة لنقل باقي المتظاهرين… كان يوما صعبا، المهم استطعنا بعد جهد كبير من الوصول إلى الهايد بارك وكأنّه يوم الحشر من العالم والناس… كان كل يهتف بلغته من الإنجليزية إلى العربية إلى الإسبانية لغات عديدة والكلّ ينادى يوقف الهجوم البربري على غزّة وأنّ فلسطين للفلسطينيين وأنّ إسرائيل محتل ويجب أن يخرج من فلسطين…
استوقفني رجل بعمر السبعين سنة وهو يجر تابوتا على دراجة وكان يقرع جرسا يحمله بيده إذا نظرت إلى التابوت تجده مغطى بعلم فلسطين وعليه صور الأطفال الذين استشهدوا في طوفان الأقصى وأنّ الإسرائيلي قتلهم كما فعلت النازية بهم.. كنت أظنه بريطانيا ودار حديث بينه وبين إعلاميين؛ كان الرجل يهودي ضد الصهاينة وأعمالهم الوحشية ضدّ الأطفال…
في الحادي عشر من نوفمبر مظاهرة في لندن مليونية كانت سويلا برافرمان نشرت مقالات انتقدت فيها ما وصفته “بتساهل الشرطة البريطانية مع المتظاهرين المؤيِّدين للفلسطينيين مقابل التشدّد مع المظاهرات اليمينية”.
كانت مظاهرة ضخمة، مليون ومئتا شخص تقريبا كانوا يرفعون يافطات عليها صور سويلا ورئيس وزراء بريطانيا ريشه سوناك كانوا يثبتون النعال فوقها ويتّهمونهم بالانحياز لإسرائيل..
في تلك المظاهرة خرجت مجموعة من الشرطة مظاهرة تأييدا لوقف الحرب على غزة.. وفى اليوم التالي أقيلت وزيرة الداخلية من منصبها…
توالت المظاهرات حتّى يومنا هذا…
2-مقتطفات…
نساء مع أطفالهن الرضّع دخلوا احتجاجا عل شركة تمول السلاح لإسرائيل لوقف إرسال السلاح لإسرائيل لقتل الأطفال في غزّة…
كثير من الشباب والشابات من كلّ الجنسيات كانوا يتجوّلون بوضع العلم الفلسطيني على دراجتهم احتجاجا على الحرب في غزّة.
رفع الأعلام الفلسطينية في عدّة مدن بريطانية على المنازل رغم منع الدولة لهذه الظاهرة..
كثير من طلاب وطالبات الجامعات البريطانية كانوا يحتجّون على الدولة البريطانية من كلّ الجنسيات للانحياز لإسرائيل. ومنهم من فصل من الجامعات.
قامت بعض طالبات المدارس_ لا تتجاوز اعمارهن ١٤ و١٥ _ بإعداد المأكولات في منازلهم ليبيعوها للطلبة والريع لغزة..
كان الطلاب من جميع الجاليات العربية…
إحدى الطالبات العربيات من الشقيقة مصر في إحدى المدارس قامت بعمل مشروع بسيط بحيث صنعت كلّ طالبة تعمل طبق من الحلو لبيعه في المدرسة الطالبة قامت بعمل كبكيك ووضعت فوقه كريما علم فلسطين وكانت بعض المدارس تسمح للطلاب بهذه الأعمال من ناحية إنسانية.. وعندما عرضته للبيع إحدى الطالبات اليهوديات احتجت على العلم فطلبت مديرة المدرسة بخربشة العلم لتتمكن الطالبة من البيع… وعندما عادت إلى البيت كانت تبكي وتحدِّث والديها بما حدث، وكان والدها طبيبا في أحد المستشفيات البريطانية لم يسكت عن الموضوع ورفع دعوة قانونية على المدرسة…
طوفان الأقصى: الحرب على غزّة غيّرت ما لم تستطع دول كثيرة تغييره خلال 75 سنة وهو الرأي العام، شيء مهم والأهم أن يبقى هذا الرأي يضغط على الحكومات حتّى تستجيب…!!
ما شاهدته في بريطانيا لم أشهد مثله في أي دولة عربية للأسف.. الوقوف والزّخم البشرى لتأييد ووقف الحرب على غزة والمطالبة بإعادة الحق لأصحابه الفلسطينيين، وإسرائيل ماهي إلا دولة همجية متوحِّشة يجب أن تخرج من فلسطين…