الإثنين , ديسمبر 23 2024 | 4:55 م
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : مشروع قانون الجرائم الإلكترونية ورميه في ملعب النواب

رايق المجالي يكتب : مشروع قانون الجرائم الإلكترونية ورميه في ملعب النواب

فيلادلفيا نيوز

حيث سمعت عبر الإعلام المحلي بأن رئيس مجلس النواب الأردني قد وجه أو ناشد اللجنة القانونية -بعد إحالة مشروع قانون الجرائم الإلكترونية اليها – بأن تفتح النقاش على هذا القانون مع جميع المختصين والمعنيين من داخل وخارج البرلمان لإشباعه دراسة وبحثا ثم التصويت عليه ولأنه قانون جدلي وبقوة وبضجة عالية فإنني إجدني ومن وازع وطني ومن قبيل الواجب لزاما علي أن أدلو بدلوي من خلال منبري الوحيد المتاح لي لأوجه بهذا الخصوص رسالة من متخصص ودارس للقانون بحب وعشق وإنكباب دائم على الإستزادة منه وفي ذات الوقت متابع فوق العادي للشأن العام وللأجواء العامة والخاصة وكافة التفاصيل في وطني وكذلك لأنني أرى أن هذا القانون إما أن يكون -إذا مرر كما جاء من الحكومة – مسمارا اخيرا في نعش الثقة النسبية المتبقية بمؤسسة البرلمان بالنسبة للشعب وايضا قد يعني إحراق آخر السفن التي قد تسوقها رياح التغيير إلى بر أردني أكثر ديمقراطية وأقل تسلطا وتقييدا للحريات وإما أن يكون-اذا رد أو صوب المشروع – حبلا جديدا يرميه نواب الشعب ليعلقونه وبعقدة محكمة على اعلى صخرة في اعلى جبال وجباه هذا الوطن وقد ربطوه وعقدوه عزما من طرفهم على خصورهم لتبقى العلاقة بينهم كقمة للتشريع مع قمم هذا الوطن يربطها هذا الحبل فترمى بعد ذلك حبال اخرى ليبدأ بناء الجسر من جديد .

وأنا هنا لن اناقش الموضوع اطلاقا خارج إطار العلم القانوني وأصول التشريع (الجنائي و/أو الجزائي ) في أي مجتمع معاصر وأتمنى أن تتسع كل الصدور وتقرأ بتمعن حيث أقول :

إن دور المشرع لا يقتصر على تجريم أنماط معينة من السلوك إنما يجب عليه فرضا -عينا وكفاية – أن يتناول تقييم كل نمط من انماط السلوك وذلك من خلال الجزاء الذي يقرره لكل نمط او فعل بحيث يتم تحديد مدى استهجان المشرع -الذي يمثل المجتمع -لكل فعل أو واقعة و/أو وقائع حيث يترجم ذلك التقييم ثم التجريم مدى جسامة الفعل او الافعال أو النمط في السلوك المراد مكافحته وذلك من خلال ما يقره المشرع من الجزاء المقرر لكل فعل او نمط .
فتحديد عناصر كل جريمة على حدة يساعد على تمييزها عن غيرها كما يفيد في بيان مدى جسامتها ومدى استهجان المشرع (المجتمع ) لها ويفضي وجوبا إلى فرض العقوبات المتناسبة مع كل فعل مجرم ومبدأ التناسب بين الجرم وما يلحقه من ضرر بالأفراد وبالمجتمع مع العقوبة هو من ركائز تحقيق العدالة في المجتمع وللمجتمع وليس دفاعا عن فعل أو تخفيفا أو إستخفافا بأفعال مشينة فشعار العدالة هو (الميزان ) وجوهرها وطعمها هو التوازن .

وقد جاء ايضا المبدأ الأساس في التشريع الجزائي و/أو الجنائي وهو ما يعرف بمبدأ الشرعية ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ” ليحقق تقسيم الجرائم ويحدد نطاق التجريم بما لا يلتبس على منفذ ومطبق القانون الجزائي وهذا ما يبنى عليه تفريد العقوبات وتمييزها وفقا للتمييز بين الجرائم من حيث جسامتها فالتشريع الجزائي كونه ذلك التشريع الذي يهدف إلى حماية الحقوق الفردية الإساسية للإنسان من الإعتداء عليها من إنسان آخر -فردا أو جماعة -وذلك بفرض عقوبات تنصب على ذات الحقوق للإنسان (الحق في الحياة ,الحق في الحرية ,الكيان المادي ,الكيان المعنوي ) فهو تشريع سمته اولا التخصيص والتحديد لا التعميم والميوعة وثانيا فمقصد التشريع حماية حقوق الإنسان الأساسية بغض النظر عن جهة الإعتداء أو التغول عليها وكذلك بصرف النظر عن طبيعة او موقع هذا الإنسان لذا كان هذا المبدأ أيضا حاميا وواقيا للإنسان بالمطلق من كل معتدي على حقوقه وكذلك من تعسف وتحكم من يطبقون القانون ومن لهم ولاية إنفاذه وهم القضاة فالتشريع الجزائي يجب ان يضبط ايضا انماط السلوك العام ومن يمثلون الحق العام بنفس القدر الذي يهدف الى مكافحة انماط السلوك السلبية و/أو الخطيرة لأن إستقرار المجتمعات يبنى ويرسخ إعتمادا على مدى وجود المعايير المتوازنة والتي تجعل المجتمع متوازنا

ولا بد لنا ان نقول توضيحا وتأكيدا أن أهم نتائج هذا المبدأ تتمثل في ((عدم جواز توقيع جزاء لا ينص عليه القانون )) و((عدم جواز المعاقبة على فعل لا يعد جريمة )) والإنحراف أو عدم الأخذ بهذه الضوابط أو نتائج مبدأ الشرعية مدخله والتفريط به يأتي من خلال نسيان أو تناسي المشرع الجزائي و/أو الجنائي للمبدأ المتفرع والذي يشتق كنتيجة وكضابط أبرز من مبدأ الشرعية وهو ((عدم جواز تطبيق القواعد الجزائية و/أو الجنائية بطريق القياس أو الاجتهاد وخطورة مخالفة هذا المبدأ أو الضابط الأساسي في التجريم أن النتيجة بالضرورة ستأتي عكسية فتنسف مبدأ الشرعية لأن القياس والركون للإجتهاد وعدم تحديد الوقائع والأفعال التي يشملها التجريم دون تمييع أو تعميم مع تحديد الجزاءات المقررة تناسبا سيفضي الى توقيع جزاءات على ما لم ينص عليه القانون وفرض عقوبات على أفعال لا تعد جريمة إلا وفقا لقياس أو إجتهاد شاذ أو ناتج عن انطباعات خاصة .

هذا من حيث دور المشرع الجنائي و/أو الجزائي الهام والحساس (فردا ,أو مجلسا ) والأصول الواجب عليه معرفتها ومراعاتها من تحقيق التوازن والإستقرار في التشريع الجزائي حتى تتحقق الطمأنينة في المجتمع وبالتالي يتنامى الشعور العام بإحترام القانون والإلتزام به لما يتحقق من خلاله من حماية الحقوق الأساسية للإنسان بصفة عامة ومجردة بغض النظر عن موقعه أو دوره في المجتمع .

أما من حيث خطورة التفريط بما بيناه اعلاه سواء جهلا أو تقصدا فلا يخفى على عاقل مهما كانت صفته أو ثقافته أن أول آثار العكسية (للغو أو اللهو أو التفريط وعدم الإلمام من قبل المشرع بأصول التشريع الجنائي أو تجاهله لما يعرفه يقينا عن اصول التشريع ) هو وسم القانون وما يصدر عن هذا المشرع أنه (عوار تشريعي ) ووصفه بأنه إستخدام وتطويع لقوة القانون لجعله مجرد سيف مسلط على رقاب العباد يضعه المشرع في يد السلطة فتكون لا محالة مواجهة بين المجتمع وبين القانون تفضي إلى حالات وظواهر من التمرد والخروج على القانون وفي أهدأ الأحول وأحسنها سيأخذ هذا التمرد أشكالا ناعمة وهي الإلتفاف والتحايل على القانون لأنه أصبح في العقل الجمعي هو سيف السلطة او يدها فقط وليس تشريعا ناظما وحاميا للحقوق العامة والخاصة وهذا يعني بالنتيجة إنعكاس الأهداف من التشريع الجنائي من حفظ الأمن والسلم إلى زعزعتهما وتفريغ فكرة الردع العام والخاص من مضمونها فلا يرتدع من علم ان العقوبات تخضع لمعايير رضا أو غضب السلطة لأن معايير التجريم في الأساس مختلة ومرتبطة بمزاج وبقياس وبإجتهادات .

وإني وتعليقا على بعض ما سمعت من بعض السادة النواب أقول وبكل إستهجان أن بعض المداخلين من اصحاب السعادة قد حادوا أو قد غابت عنهم معلومة تعتبر (بدهية ) في مسألة التشريع وهي التفريق بين الاسباب الموجبة لسن تشريع بالكامل و/أو تعديل تشريع وبين بنود ومواد التشريع عند سنه او تعديله من حيث وجود سبب موجب تفصيلي لكل قاعدة تسن على شكل مادة او بند فالتشريع (القانون ) لا يعد مشروعا ويناقش ويقر (شيلة بيلة ) أو بلغة الديجتاليين (بقج واحد ) في التسبيب او الاسباب الموجبة فقد لاحظت بأن بعض النواب المؤيدين (عمياني ) ودون قراءة المشروع ) سحبوا سببا موجبا لتعديل نص وتغليظ العقوبة فيه على أفعال تعالجها نصوص اخرى ليست في الجسامة بالقدر الذي يستحق تغليظ العقوبة وكأن تلك الأفعال أو الجرائم أشد خطرا من جرائم أمن الدولة ومن زاوية أخرى فقد أقسم آخرون بأن هناك دمار شامل لحق بالمجتمع أسرا وأفرادا أشد مما فعلته حروب اهلية بشعوب في المنطقة العربية فصوروا للمستمع لهم بأن المجتمع الأردني على شفير حرب أهلية بسبب منشورات وادراجات على مواقع التواصل والمصيبة أنهم أقسموا على ذلك في الوقت الذي لا يتطلب الأمر منهم لتصديقهم إلا تقديم إثبات من خلال السجلات الرسمية للأجهزة الأمنية وسجلات المحاكم وهذا قطعا واقع يختلف تماما كما ونوعا مع ما غلظوا الأيمان فيه وعليه .

فيا أيها السادة النواب المحترمون لا أذيع سرا ولا آتي بفتح علمي أو فكري إذا ما ذكرتكم بأن التدخل بخصوصيات الأشخاص والنيل من الأعراض نعم فعل شنيع ويستوجب عقوبات مشددة ولكن الأشخاص هنا لا تشمل الأشخاص المعنويين أو الإعتباريين كشركات أو مؤسسات رسمية وهيئات مستقلة فليس للمؤسسات والشركات خصوصيات كالإنسان ولا تجرح أعراض مجالس ادارتها ولا يحصل طلاق بين دائرة وأخرى كما اذكركم بأنه للإبتزاز معنى مخصص ووصف و للذم وصف ومعنى مخصص وللتحقير كذلك ولكل جرم يرد تجريمه وصف ومعنى مخصص ولكل جرم جسامته التي تستدعي عقوبة مناسبة تحقق الردع الكافي فلا تجوز المساواة بين جميع الجرائم في العقوبات والحجة لديكم قول مأثور ” من امن العقاب أساء الأدب ” فلو صح ان تحول الأقوال والأمثال إلى قواعد قانونية تحكم المجتمع لما إحتجنا لمشرع ولمجلس تشريع من جهة ومن جهة اخرى لجاز لأي مشرع أن يحول المقولة الشهيرة ” لو كان الفقر رجلا لقتلته ” إلى قاعدة قانونية ولصرنا نبيح في المجتمع قتل كل ما يرمز أو يمثل الفقر والفقر يتمثل بالفقير …فلا يصح ابدا إسقاط الأمثال والحكم والأقوال على التشريع الوضعي وهو ما وضعه الإنسان في عالمنا الإسلامي ولم يحول من خلاله آيات القرآن الكريم إلى قواعد ونصوص وضعية تطبق على المجتمع وأكتفى واضع التشريع بها كمصدر تستوحى منه القواعد فقط في السياق الذي يحتاج المجتمع فيه للرجوع للتشريع السماوي في مجتمع اسلامي وبما يتناسب مع طبيعة الدولة والمجتمع في زمن التشريع ففي الشرع الحنيف -مثلا- حرم الزنا وعوقب مرتكبوه بالرجم للمحصن وبالجلد لغير المحصن لكنه في قواعد الوضعي عوقب عليه بتقييد الحرية لزمن (الحبس ) وهل يا سادتي تطبيق الأمثال والأقوال المأثورة أولى من تطبيق ما جاء في محكم التنزيل ..؟؟؟!!! .

هذا رأي فني قانوني وهو حصيلة تعلم في تخصص القانون من جهة ومن جهة هو حصيلة خبرة ليست بالقليلة تراكمت على أرضية حبي وعشقي لهذا العلم والتخصص ,وأتمنى من السادة النواب وأولهم اللجنة القانونية الموقرة في مجلس النواب الموقر أن يعتبروه (نقطة نظام ) في موضوع هو كالبحر اللجي أشير من خلالها وأرجوهم أن يستدعوا معارفهم وعلمهم – التي لا ازاود عليهم بها – حتى يؤدون أماناتهم امام الله والوطن والتاريخ وحتى لا يأتي إقرار قانون الجرائم الإلكترونية على قاعدة (الإملاء على مجلس النواب و/أو التمرير ) ووفقا لما جاء في المشروع -سيء الصيت والنية – المرسل للبرلمان الأردني (مجلس الأمة والشعب ) وصاحب الولاية في التشريع لوطن ومجتمع ودولة وليس صاحب راية التسريع والترويع والذود عن قلاع وحصون ونفوذ ونافذين وليس البرلمان طبعا وقطعا مهمته نثر التشريعات ورودا على رؤوس المسؤولين فولايته في الأصل هي الرقابة بالتشريع وليس الرقابة والتشريع كمجرد جملة معطوفة كلمة فيها على ما قبلها !!!

اللهم هل بلغت ..اللهم فأشهد .

المستشار القانوني : رايق عياد المجالي /ابو عناد .

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com