فيلادلفيا نيوز
لا يتوقف إيذاء الآخرين على شكل السخرية والعنف والإعتداء اللفظي أو البدني فقط؛ بل هناك ما هو أبعد من ذلك بكثير، حيث قد يمكن حدوث إعتداءات تجاه الأفراد المحيطين، ممن يمتلكون ثروة أو مكانة وظيفية أو علمية أو أي نعمة وهبها الله إياهم، من خلال ما يسمى بالإيذاء الصامت أو الحسد الساكت أو الإيذاء الماقت،
والحقيقة أن هذا الأمر يسبب آثارا نفسية سلبية لدى الأفراد الواقع عليهم هذا النوع من النيات السلبية والحيل الخفية متى ما تم اكتشافها أو التأثر بويلاتها، وكيف لا ؟ فإذا كان الإيذاء المعروف لدى الجميع يخلف وراءه العديد من النتائج غير السارة، فما بالنا إذا كان هذا الإيذاء يتصف بنوع من الإستتار والخفاء، ويتبع أساليب المراقبة والتركيز على الآخرين، مع مكنون مغلول، وإضمار معلول، وخيانة مستترة، وسواد في الصدور، قال تعالى (وما تخفي صدورهم أكبر) ولنا في قصة سيدنا “يوسف” عليه السلام العبرة والعظة، فما كان يخفيه إخوة يوسف من كيد وجفاء تجاه أخيهم خير دليل على ذلك (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين). وما كانت تخفيه إمرأة العزيز تجاه يوسف أيضا من حيل نفسية مردودها ما كانت تُكِنُّه في النفس من دوافع ورغبات خفية.
فمن المعروف في العلوم النفسية والاجتماعية أن الفرد لا يمكن أن يقدم على سلوك معين دون أن يكون وراء هذا السلوك دافع معين، فالدافع هو المحرك للسلوك ويوجهه نحو هدف من الأهداف سواء أكان ذهنيا
أو سلوكيا، فهو لا يخرج كونه قوة محركة للسلوك تجاه أغراض معينة. وقد يمتد هذا النوع من المشاعر السلبية المكنونة إلى تشويه الصورة والسمعة والغيبة والنميمة، ولذا فإن موضوع الدافعية لهذه النيات السلبية يكشف عن الأسباب والبواعث التي تقف وراء الكيفية التي يتصرف من خلالها هؤلاء الأفراد لإشباع دوافعهم المتعددة والمتنوعة.
وبنظرة تخصصية وتحليلية من وِجهة نفسية، فإن هؤلاء الأفراد يسعون للإنتصار للنفس والسعي في أن يشفي هذا المتخفي بنيته الغيظ الذي في صدره على غيره، وقد يكون ذلك لمجرد نقص عنده، وأن أحدهم يحبه الناس ويقدرونه، فيحاول هذا الصامت بحقده أن يزيل هذه النعمة ولو بتمنيها ذاتيا دون تصريح واضح بها.
وإذا كان الإسلام أوجب حسن الخلق مع المسلم ورعاية حرمته، وصيانة عرضه من كل ما يشينه، فإنه وضع آدابا لحماية العلاقات الاجتماعية بما يحفظها من التفرق والتمزق، ومن ذلك الوعيد لمن يقطع خيوطها ويعكر صفوها من خلال النهي عن منكرات اللسان والأخلاق كالغيبة، والنهي عن التباغض والتقاطع والتجسس والغدر والكذب والظلم وفحش القول وبذاءة اللسان وإخفاء النيات.
وينبغي الإشارة إلى أن كل المعاني التي توضح هذه النيات السلبية من كيد وغل وحقد وحسد وإيذاء صامت كلها معاني سلبية تشير إلى المكر والخداع وهو ما يجب على الفرد تجنبه والابتعاد عنه، بحيث لا تنطوي نفسه على خبث، فيصير إنساناً نقياً لا يحمل في قلبه حقدا ولا كرها لأحد، وإذا استطاع الإنسان أن يعيش سليم القلب خالياً من المكائد؛ فإنه يعيش هانيَ البال، لا ينغص حياته شيء من كره الناس أو المكر والكيد لهم، ولابد للإنسان أن يغذي عقله بالأفكار الإيجابية التي تبعث في نفسه الراحة وفي قلبه السكينة والطمانينة، بما يحقق له التخلص من الأفكار السلبية التي قد تنغص عليه حياته وحياة الآخرين، وليعلم هذا الإنسان أنه لن ينجو في الآخرة إلا إذا كانت نيته سليمة، ونفسيته سوية، فلا ينفعه شيء إلا إذا حقق قول الله سبحانه (إلا من أتى الله بقلب سليم)، وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…)، ولعل العبرة مما سبق استيضاح الذات ومراجعة النفس، حتى لو لم يحاسب الإنسان على ما يدور في نفسه، فالحرص كل الحرص عدم التمادي في هذه النيات النفسية السلبية التي قد تقترن لاحقا بعزم وقصد على فعل مقترن بالنية السلبية المسبقة، وعندها تحدث الخيبة والحسرة،،، .
وفي النهاية تمثل القول (أصلح ما بينك وبين الله، يصلح الله لك ما بينك وبين الناس).
سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي