فيلادلفيا نيوز
7-447 الاحد 26 نيسان 2020
فذكر إن نفعت الذكرى … تباعدوا وتقاربوا ولا تعابطوا
تباعدوا وتقاربوا… قول ليس بالهذيان من هول فيروس اوهان ، فللضرورة أحكامها… كورونا تفرض علينا ورغما عن انوفنا تباعدا جسديا … التباعد لمن يريد النجاة والفرار من قبضتها … والعاقل من يدرك ان الامر وباء وبلاء وليس هزل وهراء … فلا لقاح ولا علاج … فالتباعد الجسدي هو السلاح الوحيد الذي يمكن ان يقضي على كورونا وينهي حجزنا وحجرنا ويخرجنا من جحورنا … أما وقد بدأت الحكومة بالانسحاب التكتيكي التدريجي من الهجوم الذي شنته على كورونا ، فان حاجتنا الى التباعد الجسدي أصبحت امر لا خلاف فيه ولا اختلاف عليه … فالوقت مبكر جدا للتراخي … لنتذكر انه يوما ما ” جنت على نفسها براقش “.
قد تكون الحالة الاقتصادية الصعبة والحاجة الى توفير لقمة العيش وقسوة الحجر القصري فرضت على الدولة البحث عن حالة من التوازن النسبي بين السياسة والصحة والاقتصاد، فكورونا أنهت المسالة الجدلية والمعقدة حول من يقود من، هل السياسة تقود الاقتصاد؟ أم الاقتصاد يقود السياسة؟ من العربة ومن الحصان؟ لتكشف لنا كورونا أن الحصان وعربته تقودهما وتحملهما الصحة، لا بل قادتهم حيث ارادت…
إن حالنا اليوم كحال من طلب منه أن يحمل بطيختين في يد واحده ” بطيخة الصحة وبطيخة الاقتصاد ” مع أن الامر مستحيل، لكن يمكن احتضان البطيختين …فالانسحاب التكتيكي والتدرج بفك الاغلاقات ورفع الحظر والحجر ليس لغايات التهافت على الأسواق ورص الصفوف في الطوابير وتبني نهج أعمى شعاره كل ممنوع مرغوب … إن هي الا فسحة ننظر من خلالها الى مصدر قوتنا وعملنا وصحتنا واقتصادنا المنهك.
تباعدوا ولا تعابطوا، ففي التباعد حياة وفي التعابط -لا قدر الله -هلاك …. الازدحام والتعابط ليس الا عباطه وجهل والقاء للنفس بالتهلكة …. فاحذروا التعابط والازدحام يوم لا ينفع الندم …
لا أحد يعرف متى ستغادرنا كورونا … لعلها تلملم اشيائها واشلائها … لكنها لم ترفع الراية البيضاء، وقد تهادنا وتقيم معنا صيفا وشتاء … ان مواجهة كورونا اشبه بسباق الماراثون وليس سباق 100 متر، فسباق الماراثون يحتاج الى سياسة النفس الطويل وكذلك كورونا، لأن المواجهة قد تطول وسيكون فيها كر وفر.
الحرب يكسبها اصحاب النَفَس الطويل في المواجهةُ الطويلة والمفتوحة مع كورونا، التي اكتسحت العالم وركعت دولاً، كبيرة وصغيرة، تساوت في انكشافها أمام فيروسٍ فشلت كل راداراتُ الإنذار المبكّر في التقاطه قبل أن يفْتك بشعوبٍ بعدما انهارتُ أنظمةٌ صحية أمام جموحه.
تباعدوا بأجسادكم وتقاربوا بقلوبكم، وأنتم تعيشون أجواء الشهر الفضيل وهذا الظرف الاستثنائي الذي فرضته كورونا…. فالمسافات لا تلغي المودة والحب بين الآخرين … كورونا الزمتنا وما زالت تلزمنا بالتباعد جسديًا مسافة أمتار عن بعضنا ولكنها قربتنا إلى بعضنا البعض، فكم نحن بحاجة أن نكون معًا… وان نشعر بمن لم يجد قوت يومه وبمن فقد عمله وتعطلت مصلحته واغلق باب رزقه خلال هذه الجائحة … فتباعدوا بالأجساد وتقاربوا بالقلوب … تباعدوا كي تحموا انفسكم من العدوى وتقاربوا بوجدانكم وعواطفكم لتحموا من عصفت به كورونا، فلا تبخلوا بمال أو مساعدة. كم من الرسائل رفضنا تعلمها في الرخاء، فجرعتنا اياها كورونا في الضراء. سياتي يوم وتمضي كورنا لأن مشيئة الله عز وجل ان لكل شيء نهاية وكورونا بإذن الله سوف نجد لها لقاحا وعلاجا ولن يبقى منها إلا الذكريات … فحاول في هذه الأيام المباركة أن يكون لك ذكريات طيبة مع الآخرين ولنتذكر قول حكيم العرب أكثم بن صيفي ” تباعدوا في الديار وتقاربوا في المودة “.
لا يمكن حصر مسؤولية مواجهة كورونا في الجهود التي بذلتها الدولة، وإنما هي مسؤولية تقع على عاتق كل فرد منا، فالمسؤولية الفردية هي التي تشكل المسؤولية المجتمعية، فوجود فئات من المجتمع غير ملتزمة هو ضربٌ لالتزام المجتمع ككل، وبالتالي، بإمكان فئةٍ قليلةٍ التخريب على الأكثرية في مواجهة كورونا.
اليوم تتركز الأنظار وتنعقد المراهنات حول وعي المجتمعات بخطورة هذا الوباء والمشاركة الفعالة في جهود مواجهته بوصفه العامل الأكثر تأثيراً في محاربة هذا الوباء والانتصار عليه، وذلك من خلال الالتزام الصارم بالإجراءات الوقائية، خاصة ما يتعلق منها بتقييد الحركة والعزل الصحي ومنع التجمعات والاختلاط.
يبقى القول، على من نلقي باللوم حين تفشل المواجهة -لا قدر الله؟ إن المسؤولية علينا جميعا كأفراد مجتمع، فمن دون تحمّل الأفراد لمسؤولياتهم، واتباعهم التام لتوجيهات الدولة، فلن ننجح.
لا تستطيع الدول، مهما كانت قويةً وغنيةً، القضاء على كورونا دون تعاون الأفراد الكامل، فالمسؤولية على الجميع.
حمى الله الأردن وحماكم.
# الزم التباعد … الزم التباعد…