فيلادلفيا نيوز
كم أنا سعيد في هذه المساءات الطيبة التي تجمعني لاتحدث فيها عن الشباب ودورهم في صنع القرار والتغيير ، هذه المرحلة الحساسة والهامة من مراحل العمر التي مررت بها وخبرتها من خلال تحملي لمسؤولياتي كأب في المقام الأول ، وكتربوي وكأكاديمي وكمسؤول في سدة رئاسة أكثر من جامعة أردنية ، ما جعلني أكثر التصاقاً بهموم هؤلاء الأبناء والبنات ، وتلمس احتياجاتهم ، ومحاكاة طموحاتهم وآمالهم في الحاضر والمستقبل لهم ولمجتمعهم ولوطنهم. وللأمانة والمسؤولية ، أقول ما عرفت في جُلّهم إلاَ التفاني والمحبة والقدرة على البذل والإستعداد الدائم لبناء الوطن، والإسهام في رفعته وازدهاره اذا أتيحت لهم الفرصة لفعل ذلك .
أوليسوا هم رواد المستقبل وأمله في التقدم والنهضة ، والأقدر على الاستجابة لمتطلبات التطور والحداثة، والقيام بمسؤوليات التغيير والتفاعل مع المستجدات ، بما يمتلكونه من قدرة وعزيمة وإرادة وعلم ومعرفة. فهذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول : ” إنما نصرت بالشباب ”
وفي التنزيل الكريم ” يا أبتِ استأجره ، إن خير من استأجرت القويُّ الأمين ”
وسيدنا عمر يقول في كتاب تعيين أحد ولاته :
” إنْ وجدناك أميناً قوياً زدناكَ في عملك ، ورفعنا لك ذكرى ، وأوطأنا لك عِقبك ”
ولقد أكرمنا الله في الأردن بشريحة واسعة التعداد من هذه الفئة الشابة القوية ، إذ تشير الإحصائيات إلى أن نسبهم لدينا تزيد على الثلث من مجموع السكان ، وأن 63% من سكان المملكة هم من ضمن الفئة العمرية الأقل من 30 عاماً ، بحيث يمكننا القول إن الأردن حماه الله هو دولة شابة وفتية .
ولعل نظره فاحصة لواقع شبابنا في الأردن ، تشير بوضوح إلى بروز مشكلات حقيقية وتحديات يواجهها أبناؤنا وبناتنا اليوم، إذ إن نسبة البطالة بينهم في تزايد مستمرحسب الإحصائيات الرسمية ، تتراوح بين (15%- 18%) وأن (80) ألف خريج تقريبا من طلبة الجامعات سوف يدخلون سنوياً إلى أسواق العمل، لينضموا إلى صف المتعطلين في الأردن ، ويشكلوا بذلك كابوساً يؤرق منام الحكومات الأردنية المتعاقبة .
صحيح أن جزءا من هذه المشكلة تتحملها الجامعات الأردنية؛ لأن الأصل أن تُخرِج طالباً يحمل مشروعاً على ورق وليس طالباً يحمل شهادة من ورق “كرتونة” بحيث يتخرج الطالب لينفذ مشروعه وليس بكونه حامل ورقة أو كرتونة . كما اود أن أشير إلى أن ما نسبته 23% من المتعطلين عن العمل هم من حملة درجة البكالوريس معظمهم في تخصصات العلوم الإنسانية ، أي أن تخصصات هؤلاء الطلبة لا تتواءم مع احتياجات سوق العمل ، إضافة إلى عدم تسلح هؤلاء الخريجين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل.
أما الجانب الأخر؛ فتتحمل جزءا كبيرا منه الحكومات المتعاقبة التي لم تمنح هؤلاء الشباب الفرصة لتفعيل طاقاتهم ، ما ادى إلى النكوص بهم وتولَد حالة من الاحباط الشديد بين صفوفهم وعدم الثقة بالحكومة وبكافة مؤسسات الدولة ، وانتشار آفة المخدرات والجريمة والانتحار وغيرها من السلوكيات غريبة الاطوار عن مجتمعنا الأردني النبيل .
ولم نسع إلى تأطير مفاهيمي لمشاركة هؤلاء الشباب في صنع القرارات بدءاً من المدرسة والجامعة والمجالس المحلية ، وصولاً إلى الأحزاب السياسية التي كان بإمكاننا تفعيل مشاركتهم فيها ، وتعزيزها من خلال إضافة بند في التعديلات الدستورية ” يسمح بإجراء كافة الإنتخابات على أسس حزبية “.
وما زلنا نقرأ في كتاب الأمس، وما زلنا نحمِّل تفكيراً تقليدياً ، نعتقد فيه أن قراراتنا إنما تكمن فقط في التنقيب عن الغاز والبترول على أهميتها للوطن والمواطن ، وتغفل الحكومات ان رأس المال الفكري هو الأساس والمصدر، لأن عوائده الإقتصادية تفوق الإيرادات المتحققة عن الغاز والبترول ، فهناك شركات كبرى مثل : مايكروسوفت وجوجل يزيد رأسمالها عن تريليون دولار لكل واحدة منها، وهي شركات تقنية مصدرها الأساسي ورأسمالها الفعلي العنصر الشبابي المبدع والخلاق ،
دعونا نبتعد عن الأعمال الفردية الإرتجالية غير المخطط لها ، أعمال تفتقر إلى استرتيجية ورؤية واضحة المعالم في تفهم مشكلات الشباب الأساسية، والتصدي لها بروح الوطنية والمسؤولية الجماعية، وإطلاق آفاق الحرية المنضبطة بالقوانين والأعراف، وتعزيز مفهوم الانتماء وتعظيم إنجازات الوطن، ونشر الوعي الوطني لدى هؤلاء الشباب، وبلورة القيم الأصيلة العربية والإسلامية .
وتأتي المبادرات الملكية السامية من لدن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وسمو ولي العهد المعظم ، بمثابة خارطة طريق لتصويب المسار الشبابي . وتفعيل مشاركته على الصعد كافة : الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ، والعمل على تجسيدها: واقعاً ملموساً ، فهي مبادرات تتمثل في جوهرها في دمج الشباب في عملية التنمية ، وتذليل الصعاب التي تواجههم.
في المقابل ، على الحكومة التحرك فوراً ودون إبطاء نحو وضع حلول ناجحة لمشكلاتهم ومعالجة معضلتهم الأساسية المتمثلة في البطالة بين صفوفهم ، وبما يتواءم مع حاجاتهم المستقبلية لبناء أردن الغد القوي المشرق.
أما أبناؤنا الشباب الأعزاء فأقول لهم :
إن الوطن اليوم أحوج ما يكون إلى طاقاتكم وإلى تفاعلكم مع مجتمعكم ، وتعميق نسيجه ووحدته .، وتدعيم مكامن قوته، فكونوا له عوناً وسنداً وعوامل بناء ورفعه، بعيداً عن الإنغلاق والغلو والإنحراف والتطرف ، ولتكن مبادراتكم الشبابية وانخراطكم في برامج تنمية الخدمة العامة والعمل الجماعي والتطوعي ، ومشاركتكم في اللقاءات الحوارية الهادفة، ليكن ذلك كله بوصلتكم ، فأنتم صمام أمان الوطن وقوته وثروته ومعيار رقيه وتطوره . والله ولي التوفيق.