فيلادلفيا نيوز
أوصى مثقفون وفنانون ومفكرون واساتذة جامعات بتشكيل مجلس أعلى للثقافة والفنون، يجمع كل الهيئات القائمة المعنية بالهم الثقافي، وياخذ على عاتقه دفع الفعل الثقافي والاصلاحي والتنويري للامام، وبناء حاضنة ثقافية جامعة تؤسس لرؤية جمعية تساهم في نقل الحالة الثقافية الحالية من مرحلة السكون الذي تعيشه حاليا الى مرحلة الفعل المؤثر.
وشخصوا حالة الخطاب الثقافي المتردي الحالي، منوهين الى تشوهات كثيرة منها بروز فكر اقصائي وتكفيري وعنصري، وان ذلك يتوجب نهضة مجتمعية ورسمية من خلال تعزيز المفهوم الاصلاحي للمجتمع وترسيخ افكار التسامح وتقبل الاخر، ومعالجة كل مظاهر التحريض بشكل حقيقي دون مواربة.
وقدموا في ورشة عمل نظمها مركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية امس بالتعاون مع مؤسسة كونراد ايدناور الالمانية حول الخطاب الثقافي في الاردن- مراجعة وتحليل، بمشاركة مثقفين وساسة ونشطاء مجتمعيين رؤيتهم التي تطالب بتشكييل مجلس اعلى للثقافة والفنون منوهين في توصياتهم الختامية التي تلاها الاديب جمال ناجي ان الاحتياجات الثقافية المجتمعية ازدادت وتقدمت الحقائق الثقافية الى ما بعد الافكار النمطية التي لا بد من احالتها الى التقاعد والسماح للافكار الجديدة بان تاخذ مكانها، ولا بد من اجراء تحليل معمق لمفرادات الخطاب الثقافي في الاردن من حيث التوجهات والمرجعيات واللغة المستخدمة والتوافق الداخلي والاهتمامات والمستويات والقدرة على الانتشار والانسجام مع الاهداف الوطنية المعاصرة والمواكبة والشمول.
وقالوا ان اي تحليل للخطاب الثقافي في جوانبه السياسية والاجتماعية والدينية والمدنية سيكشف حقائق قد تثير جملة من الاسئلة حول مدى انسجام هذا الخطاب مع الاهداف الوطنية والتنموية والاصلاحية وحقائق صادمة او مروعة تستلزم اعادة نظر جذرية وبنائية وتاهيلية تمنحه سمة الجدارة وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون استحداث هيكليات تقافية جديدة.
وخلصوا الى ان تشكيل هيئة عليا للثقافة والفنون يضع على عاتقها مهمة التطوير والتنوير بات ضرورة ملحة وواجبة، مؤكين على اهمية الاسراع في هذا التشكيل، وان تاخذ الدولة مسؤولياتها في هذا الموضوع الهام لما له من تطور ايجابي في ظل الظروف الميحطة بنا والتي تتطلب التاسيس لخطاب تقافي يقف في وجه الفكر الاقصائي والتكفيري والديني والعنصري والجهوي والطائفي الذي ظهر عربيا ومحليا خلال الفترة الماضية.
وبدات الورشة بكلمة لرئيس مركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية الوزير السابق بسام حدادين اشار فيها ان فتح ملف الثقافة في الاردن بات ضرورة هامة، وبات من الواجب ان يحمل المثقفين الرسالة وخوض معركة التنوير التي تاخرت كثيرا.
وقال ان من يعمل في هذا الملف عددهم محدود، والاحزاب لا تتطرق بشكل واسع للشان الثقافي الامر الذي ركن الملف لمدة طويلة تحت الطاولة، مستدركا بالقول بانه آن الاوان لتقديم هذا الموضوع الكبير للامام.
واعتبر اننا تأخرنا في فتح ملفات الثقافة وخوض معركة التنوير، وان من يراقب مصر ولبنان والمغرب وتونس يجد ان هناك مثقفين كثر اخذوا على عاتقهم فتح هذا الملف وبعضهم سجن من اجل هذه المهمة منوها ان هذه الروشة تأتي في سياق تسليط الضوء على هذا الهدف والمهمة.
وقالت ممثلة مركز كونراد ايدنوار في الاردن انيته رانكو ان موضوع الورشة مهم جدا، وعنوانه في غاية الاهمية وهو يطرق باب غاية في الاهمية، منوهة الى الدور التنويري الذي يضطلع به مركز نيسان.
الجلسة الاولى قدم فيها كل من الدكتورة ناديا سعد الدين، والدكتور سمير قطامي؛ حيث تحدثا حول الموضوع من جانبين مختلفين، فالقت سعد الدين الضوء حول الجانب السياسي في الخطاب الثقافي في الاردن، مستعرضة ما مر به الوطن العربي منذ عام 2011 من ازمات بنيوية وخطابات اقليمية وجهوية وعنصرية ودينية أثرت بمجملها على الخطاب الثقافي سياسيا وحضاريا.
وقالت ان تغيرات المنطقة أحدثت جدلا واسعا حول أولوية الحراك الاصلاحي المنشود بين الموضوع السياسي والموروث الثقافي، وهو ما نتج عنه خلط واضح، مشيرة الى الضبابية في التعامل مع احداث كثيرة كانت سيدة الموقف، متطرقة الى الجوانب التي اثرت على الاردن والتي كانت سببا في التاثير على الخطاب الثقافي والسياسي، وان الفترة ما بعد عام 2011 ادت لرفع منسوب الخطابات الاقصائية والاقليمية والجهوية والعنصرية والمتطرفة.
وتحدث الدكتور سمير قطامي عن الجانب الاجتماعي في الخطاب الثقافي، متسائلا هل يوجد خطاب اجتماعي عندنا؟، ومنوها الى ان الاردن لم يشهد خطاب اجتماعي تنويري، ولهذا لم نشهد قفزات اجتماعية فارقة بقدر ما كنا نشهد تحركات على استحياء ودون مفاعيل حقيقية على ارض الوقع، وايد سعد اليدن فيما ذهبت اليه بان الفترة ما بعد عام 2011 شهدت ارتفاع وتيرة الخطاب الديني والاقصائي، وشهدت صمت حكومي على اشكال مختلفة من تلك الخطابات، منوها ان معالجة الحكومة لبعض مظاهر التطرف التي ظهرت بين فينة واخرى كانت على استحياء.
الجلسة الثانية من ورشة العمل تحدث فيها الدكتور نارت قاخون حول الجانب الديني في الخطاب الثقافي والدكتور زهير توفيق حول الجانب المدني في الخطاب الثقافي، فاشار قاخون الى ان هنام معضلات بنوية تواجه الذهاب الى خطاب ديني عميق بعيدا عما يعرف بخطاب البترودولار الديني منوها ان هشاشة المجتمع اوجدت ارضية للاستقطاب، وان ثقافة البترودولار اثرت ثقافيا وحضاريا وادت للتراجع للخلف،.
ونوه ان المجتمع قبل الثميانيات كان اكثر تطورا من المجتمع في عصر البترودولار في الثمانينات، واواخر السبيعنيات، حيث ان معجم المواطن الاردني تغير وتعرض لتحول في كثير من مفاصله سواء في مفاصل التحية اليومية والمخاطبات واللباس، فبات المجتمع اكثر تماهيا مع خطابات تميل للتشدد.
بدوره القى الدكتور توفيق الضوء على العوائق امام الخطاب المدني مشيرا الى ان هذا الخطاب حتى يكون منتجا بحاجة لروافع اجتماعية وثقافية، والامر بحاجة لارادة سياسية حتى يتحول الخطاب المدني لاجراء فعلي على ارض الواقع، ونوه الى ضعف حصيلة الخطاب المدني المعرفي، وانه لا يوجد حصيلة معرفية لتناول ما تم انجازه على صعيد مدني في الاردن.
وقال انه لمس عودة مقصودة او عفوية لترسيخ قيم البداوة، معتبرا ان ذاك مجافي للتطور، اذ ان البداوة في سياق تاريخي معين انتهت، وان المجتمع المدني حالة متطورة عن البداوة، والمجتمع الاردني لم يدخل الحداثة، وبالتالي فاننا ما زلنا نعاني من عقلية الارتداد عن التطور.
وفي ختام كل جلسة دار نقاش موسع حول المواضيع المطروحة، فيما ظهر اجماع على ضرورة تبنى اعلان المطالبة بمجلس اعلى للثقافة والفنون يحمل على عاتقة التطور والحداثة، فيما اشار متداخلين الى ضورة توفر ارادجة سياسية للدحول في الحداثة والخروج من المراوحة التي ما زلنا نعيشها حتى اليوم.