فيلادلفيا نيوز
حكاية : ” بلادي وإن جارت على عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا علي كرام ”
” الكثير من الناس لا يعرف قائل هذا البيت المحرف الذى هو .. بلادي وإن جارت على عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا على كرام وقصته، فأحينا ينسبونه للشاعر أبى فراس الحمداني ومرة لأحد شعراء لبنان وأحيانا ينسبونه لأحمد شوقي ولكن في الحقيقة، قائل البيت الأصلي هو ” الشريف” : قتاده أبوعزيز بن ادريس بن مطاعن بن عبدالكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبدالله أبى الكرم بنموسى الجون بن عبدالله بن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وقد تولى أمارة مكة المكرمة عام 597 هـ وتوفي عام 617 هـ.
ملحوظة : (الشريف) لقب لأحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقال هذه الأبيات في عام 609هـ لأمير ركب الحاج – حسام الدين بن أبي فراس الذى دعاه لزيارة الخليفة في بغداد إلا أن أبوعزيز قال له: أنظر في ذلك ثم تسمع الجواب، وكان أبوعزيز في العام 608 هـ قد أخذ الحاج العراقي وقتل منهم من قتل وذلك بسبب قيام شخص يدعى الحسيني من حجاج العراق بقتل ابن عم الشريف قتاده يسمى هارون وكنيته أبوعزيز وهو يشبه قتاده، فلما سمع قتاده بذلك قال: ما كان المقصود إلا أنا وأقسم أن لا يبقى من الحاج العراقي أحدا، فلذلك عندما طلب منه الخليفة زيارة بغداد توقع أبوعزيز أن ذلك إستدراج له وأن الخليفة سوف يعاقبه على أخذه الحاج في العام السابق، فأجتمع ببنى عمه من الأشراف وقال يا بني الزهراء عزكم إلى أخر الدهر مجاورة هذه البناية والأجتماع في مصالحها وأعتمدوا بعد اليوم أن تعاملوا هؤلاء البشر يوهنوكم من طريق الدنيا والأخرة ولا يرغبوكم بالأموال والعدد وان الله عصمكم وعصم أرضكم بانقطاعها وأنها لا تدرك الا بشق الأنفس ثم غدا أبوعزيز الى أمير الركب وقال له: أسمع الجواب ثم أنشد ما قاله شعرا ً:
بــــلادي وأن هانت علـى عزيزة
ولو أننى أعــــرى بهـــا وأجـوع
ولى كف ضرغام أصول ببطشها
وأشرى بها بين الـورى وأبيـــع
تظل ملوك الأرض تلثــم ظهرهـا
وفـــى بطنها للمجدبين ربيــــــع
أأجعلها تحــت الثرى ثـــم أبتغى
خلاصا لهــا؟ أنـــي اذن لوضيع
وما أنا إلا المسك فــي كل بلدة
أضــــوع وأما عندكم فأضيــع
إلا أن أمير الركب كان من الحكماء حيث قال له: يا شريف أنت ابن بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام والخليفة أبن عمك وأنا مملوك تركى لا أعلم من الأمور التى في الكتب ما علمت ولكنني قد رأيت أن هذا من شر العرب الذين يسكنون البوادي وقطاع الطرق ومخيفى السبيل، وحاشا الله أن أحمل هذه الأبيات عنك الى الديوان فأكون قد أحدثت على ابن بنت نبي الله صلى الله عليه وسلم ما ألعن عليه في الدنيا والأخرة وأحرق بسببه في الأخرة والله لو بلغ هذا إليه لجعل جميع الوجوه إليك حتى يفرغ منك وما لهذا من ضرورة أنه قد خطر لك أنه ماستدرجوك وأنك لا تسير إليهم فقل قولا ًحميدا ًوان كان فعلك ما قد علمت.
فأصغى إليه أبو عزيز قتاده وعلم أنه رجل عاقل ناصح ساع بخير لمرسله وللمسلمين، فقال أبوعزيز: كثر الله في المسلمين مثلك فما الرأي عندك، فقال أمير الركب: ترسل من أولادك من لا تهتم اذا جرى عليه ما تتوقعه ومعاذ الله ان يجرى إلا ما تحبه وترسل معه جماعة ذوى الأنساب والهيئات من الشرف فيدخلون مدينة السلام بأيديهم أكفانهم وسيوفهم مسلولة ويقبلون العتبة ويتوسلون برسول الله عليه الصلاة والسلام وبصفح أمير المؤمنين وسترى ما يكون لك من الخير من أمير المؤمنين ومن الناس، والله لئن لم تفعل هذا لتركبن الأثم العظيم ويكون مالا يخفى عليك، فشكره ووجه صحبته ولده وأشياخ الشرفاء ودخلوا بغداد على تلك الهيئة التى رتبهم فيها وهم يصيحون ويبكون ويتضرعون، والناس يبكون لبكائهم واجتمع الخلق كأنه المحشر ومالوا إلى باب النوبي من أبواب المدينة فقبلوا العتبة وبلغ الخبر الناصر فعفى عنهم وعن من أرسلهم وأنزلهم الديار الواسعة وأكرمهم الكرامة التى ظهرت واشتهرت وعادوا إلى أبى عزيز قتاده بما أحب. وكان بعد ذلك يقول:
” لعن الله أول رأي عند الغضب ولا أعدمنا عاقلا ً ناصحا” .”
نعم نردد جميعنا البيت الذي أوردته في مبتدأ الكلام ولا نحفظ غيره ولا نطبقه إلا تكلفا وتزلفا ولكن الأبيات الأصلية وقصتها أبلغ قولا وفعلا وتشرح كيف ولماذا نصبر على جور بلادنا والجور هنا منسوب للبلاد بمطلق المفردة والمعنى وليس لفئة أو سبب معين والمعنى ينسحب على تداخل الأسباب وتردي الأوضاع كحالة عامة حتى لا يصبح ضياع الحقوق أو الظلم أمرا شائعا , ولكن هذه الأبيات لا تعني كما شرحتها وفسرتها المناسبة بأن المرء خانع ذليل لسلطة أو فرد أو فئة بدلالة عجز البيت الذي قال” وأهلي إن ضنوا ” والضن أو الضنى هو الإشتداد والزيادة ومضاعفة ما يعاني المرء من مرض أو بلاء فالقصد ” وأهلي وإن زادوا علي العناء يبقون كراما ” فقد فرق بين البلاد والأهل فالأهل جزء من البلاد .
وأجمل المعاني في أبيات قائلها “الشريف” حين قال “تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها ..وفي بطنها للمجدبين ربيع …أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغي ..خلاصا لها ؟ إني إذا لوضيع ” وهنا أيضا يتحدث الشاعر عن البلاد بمطلق المفردة والمعنى ولو شرح الأبيات تلميذ في الإعدادية نجيب لعرف أن القصد بأن لا نأخذ بلاد بأكملها بجريرة أفعال شخص أو فئة وقد قيل في العامية المحكية ” الصالح بروح في عروى الطالح ” ولو أسقطنا هذه المعاني على الواقع لتبين لنا أننا إن غضب أحدنا أو جمع منا لظلم لحق به أو بهم ولم يثنهم صبر أو عقل أو حكمة فشملوا كل من خرج عن صفهم بغضبهم فبالنتيجة هم يظلمون أبرياء في هذا الحنق وفي هذا اللظى بجريرة شخص أو فئة .
وخلاصة المعنى : أن الأشخاص يتغيرون ويفنوون والفئات كذلك لكن البلاد لا تفنى والبلاد هي الشعب ومكوناته والأرض ومن عاشوا ويعيشون عليها وكل أثر للإنسان على هذه الأرض , فلا يبرر الشعور بالغضب -وما يتعرض له البعض أو الأكثرية من ظلم في مكان وزمان – لأي كان أن يتحول لألد أعداء البلاد وأن يصبح معولا لحفر قبرها ومواراتها الثرى , ولنا في نبي البشرية سيدنا محمد _ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم – إسوة قبل كل هذا فهو – عليه السلام – من خيره رب العزة على لسان جبريل -عليه السلام – بأن ” إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين ” حين تعرض
-عليه الصلاة والسلام- لأشد الأذى من أهل الطائف , فأختار الرحمة كوقال في معرض دعائه لمن آذوه ” لعل الله يخرج من أصلابهم من ينصرون الله ورسوله ” وهذا ما كان .
وإني والله لأقول ما قاله ذلك الشريف الشاعر وأردده اليوم وأعيشه وبرغم كل شيء وكل معاناة :
بـــلادي وأن هانت علـي عزيزة
ولو أننى أعــــرى بهـــا وأجـوع
ولى كف ضرغام أصول ببطشها
وأشري بها بين الـورى وأبيـــع
تظل ملوك الأرض تلثــم ظهرهـا
وفـــى بطنها للمجدبين ربيــــــع
أأجعلها تحــت الثرى ثـــم أبتغى
خلاصا لهــا؟ أنـــي اذن لوضيع
وما أنا إلا المسك فــي كل بلدة
أضــــوع وأما عندكم فأضيــع
ولنحفظها جميعنا ولنعمل بها وما العمل بها خنوع بل وعي لحال البلاد وصبر مع مثابرة على التغيير للأحسن ولكن ليس بردود الأفعال والآراء عند الغضب .
رايق عياد المجالي /ابو عناد .