فيلادلفيا نيوز
في مثل هذا اليوم قضى حبيب الزيودي إلى حياة جديدة إسمها الأخرة ، ذهب للقاء الله بخيره، بشره ، كان حبيب مواظبا عنيفا على حب الأردن، متشنجا فوق أوراقه البيضاء يبكي ويبتسم بالقلم، فتجري الدموع بخطوط الحروف فوق الورق ، يكتب ترتيلات الوطن ، يكتب في السياسية في الحب وفي الأمل.
حبيب كأسمه حبيب أحب المرأة والأرض بشدة.
لم ألتقي حبيب يوما لكنه بقي حاضرا في الذهن كناهض، وجريس، وعبدالسلام المجالي، ووصفي، وحابس، والملك حسين تركونا وما تركونا ، تظن أنهم أحياء كلما أشتد عليك الحزن وأنت مغمور بأسى الغربة في الوطن نفسه حينا، أو حينما ترتفع حرارة جسدك كلما أرتفع سعر أولوية ما بحياة قصيرة فانية تجري بدون أن تعيرك أي اهتمام فإما أن تلاحقها أو تبقى مكانك ساكنا تنتظر الأخرة.
تنحب على مصير جيبك المثقوب، على ضمير ما لاذ بالفرار، على صراعنا المستميت للنجاح، على خيبات الأمل كلما تشبثنا بالفرج.
على قدرتنا الفائقة أن نقف ونتحدى كل شيء، على حجم الصمت فينا، وكمية الإنفجار إذا غضبنا!!
حبيب يغرغر عيوني كأسلافه، كلما كنت وحدي أتحدث مع وحدي، أذكره وأذكر بعض الحاضرين اليوم، الذي أطوقهم بمتابعتي ، أبحث عن الإصلاح في نبراتهم، عن حقوق زهيدة ليس لأنني راهبة بل لأنني لا أحب حجم التفاصيل الكبيرة، بل أحب التفاصيل الصغيرة فوقع آنسها في القلب أشد جمالا من تلك الكبيرة.
لا تهمني ايدلوجياتهم، ولا تلك النصائح السياسية عن أي موكب فكري يجب أن التحق به، كل ما يهمني أنني أحب هؤلاء بقدر حبي للوطن فما يجمعني بهم هو الوطن، أحب إستقلالي ارفف عاليا.
حبيب هوية وطنية راسخة كصوت جريس في يسعد صباحك، وكرقع خطوات عبدالسلام في ممرات الرئاسة، ومثل حابس لا أتخيل انني أستطيع التنفس في حضرته فهو يلتهم أوكسجين الحديث كله…… كجسارة الحسين في أضيق مراحل الأردن السياسية كان هصورا .
الهوية الوطنية تلك التي يخشى عليها أبناء جلدتي، ويصك أبي على أسنانه كلما قلت له الجامعة ستحمي المستقبل، فيقول الصغيرة التي ربيتها كبرت فجأة وتهتم بالسياسة لها رأي كبير في الهوية الراسخة، فارد عليه أنها راسخة ليوم الدين وإصلاحية حتى أخر نفس، وكل رصيد ما يسمحون وربما ما لا يسمحون ربما، فالوطن مثلث أحمر( هو، هو، هو) لكنني منطقية في الجمع والطرح والقسمة ولا أعرف العاطفة في ما يجب ان يكون متطلبا لمواجهة الحقيقية، سأترك العاطفة للهفة التي ضاعت في زحام الكذب، لا أريد البحث عنها أكثر فانا منشغلة بكمية الأفكار التي اريدها أن تولد كقصائد حبيب حين ولدت ثورته على الورق.
ذهب حبيب ولحقه الكثيرون وبقينا نحن اللاحقون نلاحق الحياة القصيرة .
اترككم مع اخر القصائد التي كتبها حبيب يصارع الأمر والنهي، والقلب والعقل، أمام وهج الوطن لم يستطع إلا إن يحبه ويكتب كل صفات معاناته ويخلد كل تفاصيله.
وداعا حبيب قد نلتقي بالأخرة مع كل من يثني عليهم قلبي الصغير ، نتحدث عن الوطن أن سمحتم لي، ففي قلبي وجع، وأسى ، وألف شكوى ومطلب واحد ( ليحيا الوطن ) .
أدناه قصيدة جاري لحبيب الزيودي
يحدّثني بزهوٍ حين نجلسُ في فناء البيتِ عن سور الرخام
… يلوحُ في بالي على وجعٍ
سياجُ الدار لما كان جدي يربط الفرسَ المشاكس
آه .. يا جار الرضا
كان السياجُ أحنّ
لما كان من حطب الجبالْ
وليس من ايطاليا
هو مثل سوركَ يا أبا محمود قبل الاحتلالْ
ووراء هذا السور كانت جدتي في الصبح مع كنّاتها يخبزن، مع شمس الضحى، الخبزَ الحلالْ
وعلى ممر الورد…
كانت خمسُ تيناتٍ يقفن كأمهاتٍ خلف منزلنا
حنوناتٍ على صوت الدجاج
وكنّ أجمل من ممرّ الورد هذا
آه يا جار الرضا
صرنا يتامى الأم لما ماتت التينات
يا ابن أبي تعال
لعلنا نبكي معا
كلٌ لصاحبه ـ
على مهلٍ ـ جحيمَ الاحتلالْ
جاري … يغضب كلما ذكر المنابتَ والأصول
ووحدها سندات تسجيل الأراضي في خزانته تبرّد قلبه
فاقول دعك من المنابت تلك مسالةٌ تقررها البنوك
… ودائما عنب الخليل
يقول لي ويقول لكْ
في الأرض دمعٌ ليس يفهم سرّه لا مَن أطاع ومَن عصا
او مَن مَلَكْ
لكنه كالبرق يومض في جوانح مَن أحبّ ومن أحبّ ومن أحبّ ..
ومَن هَلَكْ
يا رب بيّن لي الحرامَ من الحلالْ
القرميد في روسيا يذكّر بالثلوج وبالرعاة على الجبالْ
القرميد في اسبانيا رمز البنفسج في السلال
لكن للقرميد في بلد الهنود الحمر معنى واحدا:
السهم في جرح الغزالْ
السلامُ على وطنٍ
نحن نكتبه في السطور
ونشطبه في الصدورْ
السلام على وطن
لن يظل لأحفادنا فيه إلا القبور !
…
من حقّ حزنك أيها الهندي أن تبكي سدومَ وأن تمرّ على خرائبها وأن تبكي على الطلل الأخير
من حقّ حزنك أن تطالب هذه الدنيا بتقرير المصير
#نور_الدويري #حبيب_الزيودي #الاردن #الله_الوطن_الملك #تلاميذ_الظروف