فيلادلفيا نيوز
استيقظت صباحا مفزوعا من حلم كنت فيه مواطنا في المدينة الفاضلة، كنت فيها بكامل الحقوق والامتيازات وملتزما بكافة الواجبات، كنت صادقا أميناً مهتما بخدمة حقيقة واحدة هي أني جزء أو فرد من سكان المدينة التي نعمل جميعا فيها لحياة مثلى، كل منا يشغل موقعه بأعلى درجات المهنية والعطاء، كنا نتواصل بصدق ونعبر بأمانة، وكانت البسمة تملأ وجوه الجميع، وملامح الهدوء والرضا في كل أركان المدينة، وحتى أني رأيت سكان المدينة يحاولون تهدئة الشركات الكبرى المملوكة لجمهورية أفلاطون أو كانت شريكة فيها، أو كانت تملكها وباعتها تتسابق لإنهاء أزمة قرار تعطيل أو توقف المعونات، بالتزامهم بتغطية المبالغ والمنح والمعونات المطلوبة خلال مدة التعطيل، لضمان استدامة موظفي وبرامج التنمية للمدينة الفاضلة بدل توقفها بقرار مجنون، والذي يستوجب عامين على الأقل للشعور بالثقة من جديد فيها أو التعافي إن عادت.
الحمد لله لم تمضِ دقائق من الاستيقاظ من هذا الحلم المفزع حتى أيقنت أنه لا داعي للخوف من خطورة العيش في تلك المدينة وأجواء حلمي، وأني في مدينة الحياة البشرية بين أقراني، وسأكون قادرا على أن أجامل وأتهرب وأتفلسف وأحلل وأهاجم، أو أقبل التجاوز تحقيقا لمصلحتي الخاصة، وأنال كامل حقوقي وحقوق غيري، فبالرغم من كل محاولات السياسيين والمفكرين والمتدينين والإعلاميين وعلماء الذرة وحتى مقدمي برامج الطهي أو همبكات نشطاء التواصل الاجتماعي لن نتمكن من خلق المدينة الفاضلة، فالتربية والعدالة والمساواة أركان جمهورية أفلاطون وليس حياة اليوم الحقيقية كما كان يحلم بها «أفلاطون» ويتمناها كل مواطن من نوع «أوكتان 90» أي المواطن العادي، فقمت عندها مسرعا لألحق بالاتصال مبكرا بمسؤول لم يجب رسالتي واتصالي متابعا لخدمة شخصية كنت قد طلبت منه «واسطة».
أعلم أن حلمي مثالية زائدة وواقع لن يقع، وأعلم خوف الكثيرين من الاستبداد في السلطة المطلقة كما طرحها أفلاطون، ولكن لي الحق بالتفكير بالتقدم لطلب هجرة لجمهورية أفلاطون، فأنا أبحث عن الهروب من الواقع الذي نعيشه في اختيار الأشخاص وإدارة المدينة، نعم أبحث عن الكمال في العدل والمساواة والرخاء، أو أسرّكم أمرا أبحث في كتابة هذا المقال عن توجيه النقد بحرية دون أن يحسب ضدي في مجتمع لا يمتّ لمدينة أفلاطون بشيء، فما أكثر أن تقرأ النقد لمن منع عنك مصلحة خاصة جلبا لمصلحة عامة، وما أكثر الثناء لمن قدم لك خدمات حتى لو كانت جزءا أساسيا من مهمته أصلا، وما أكثر أن ترى مساحات التعزية بميت أو التهنئة بالسلامة من وعكة صحية لا تتجاوز الإصابة بالرشح لشخصية عامة- لك مصلحة عندها- أكثر تفاعلا وتواصلا من التعليق على قرار فيه إحياء أمة، وما أكثر الإشادة الإعلامية لذات العنوان المكرر خمسة عشر عاما لذات حجر الأساس، فجمهورية أفلاطون حلمي وحلمه الذي لن يكون إلا في آخر الزمان حتى وإن كانت انطلاقته منذ آلاف السنين، فنحن «ولاد النهاردة» وما أسرع أن نبدل الأفكار والمبادئ والأعراف حسب اتجاه الريح، فنحن أفضل من فهم قول علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- «إن هبّت رياحُك فاغتنمها» بتحويل الأفكار العادية إلى عظيمة بإضافة شرط لها أن تكون مصلحة فردية فقط، وأما رياح غيرك فلا تتردد في بناء ساتر يمنع مسيرة أشرعتها.
«ما علينا» المهم وأنا أتحدث مع صديق متخصص ليفسر لي حلمي وبعد صمت طويل وتنهيدة غائرة قال لي: ليست المشكلة في تقديم الطلب والإجراءات وإلا لكنت سبقتك، وأصلاً يسعدهم أن تختفي و «يخلصوا منك»، ولكن المشكلة أن تكون ممن يستحق أن يعيش في تلك المدينة الفاضلة وأن يتم القبول لطلبك بموعد الأجل، فلا مدينة فاضلة غير الجنة ولا عدالة إلا في السماء، فقلت صدقت، وعندها سحبت طلبي من سفارة جمهورية أفلاطون لأستمر بالعيش في مدينتي.