السبت , نوفمبر 8 2025 | 11:24 م
الرئيسية / stop / ناظم ابو حجلة يكتب : الترهل الإداري والبيروقراطية الإلكترونية في المحاكم… عبء على العدالة وسير القضايا

ناظم ابو حجلة يكتب : الترهل الإداري والبيروقراطية الإلكترونية في المحاكم… عبء على العدالة وسير القضايا

فيلادلفيا نيوز

 

رغم التطور الذي شهده قطاع العدالة في السنوات الأخيرة من حيث استخدام الوسائل الإلكترونية وتنظيم العمل القضائي، ما زالت المحاكم تعاني من مظاهر الترهل الإداري والبيروقراطية في الإجراءات القلمية والإدارية، وهو ما يشكّل عبئاً حقيقياً على المتقاضين والمحامين والموظفين في آن واحد، فبدلاً من أن تساهم الأنظمة الحديثة في تسريع الإجراءات وتحسين جودة الخدمة القضائية، أصبحت في بعض الأحيان سبباً إضافياً للتأخير والتعقيد.

إن المتتبع لسير المعاملات في بعض المحاكم يلاحظ أن الأنظمة الإلكترونية وُضعت دون تطوير حقيقي في آلية العمل الإداري، إذ ما زال المواطن والمحامي وحتى القاضي والموظف يواجهون سلسلة طويلة من الخطوات الشكلية التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة فبعض الإجراءات القلمية التي يمكن إنجازها بضغط زر واحد تحتاج إلى مرور عبر أكثر من مكتب وتوقيع إلكتروني متسلسل، وكأن التكنولوجيا جاءت لتكرّس التعقيد بدلاً من أن تلغيه بل إن كثيراً من الدوائر والأقلام والأجهزة والإدارية ما زالت تطلب حضور الأطراف شخصياً أو إحضار نسخ ورقية من مستندات سبق تحميلها إلكترونياً، ما يدل على ضعف الثقة بالنظام الإلكتروني وغياب التنسيق المؤسسي الفعّال.

ولعل أكثر ما يثير القلق هو استمرار البطء في عمليات تسجيل الدعاوى، وتبليغ الأطراف، وطباعة القرارات والأحكام، حيث تتحول المعاملات البسيطة إلى إجراءات مرهقة تمتد لأيام أو أسابيع والسبب لا يعود إلى نقص الكفاءات أو ضعف البنية التحتية فقط، بل إلى ذهنية إدارية تقليدية لم تواكب التحول الرقمي ولم تدرك بعد أن العدالة لا يمكن أن تنتظر فالموظف الذي يعلّق المعاملة “حتى يعود رئيس القلم” أو “حتى يتم اعتماد الطلب على النظام” ما زال يتعامل بعقلية الورق والملف المتراكمة على مكتبه أو في المستودع، حتى وإن جلس أمام شاشة حديثة.

هذه الممارسات تعكس أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة تقنية، إذ لا يمكن تحقيق عدالة ناجزة بوجود ترهل إداري يُبطئ الحركة داخل أروقة المحاكم فالقضاء في جوهره يعتمد على السرعة في الإنجاز والدقة في الأداء، وأي عائق إداري في هذا المسار يعني إطالة أمد التقاضي وتراكم القضايا وتعطيل مصالح الناس. ومن المؤسف أن بعض المحاكم باتت تعيش ازدواجية مؤلمة بين النظام الورقي والنظام الإلكتروني، فلا هي ألغت الأول بالكامل ولا أتقنت الثاني كما يجب، مما خلق حالة من الفوضى الإجرائية والتضارب في العمل.

الحل لا يكمن في تطوير البرامج فقط، بل في إعادة هندسة الإجراءات الإدارية من الأساس لتتناسب مع متطلبات العدالة الحديثة مما يعني أنه لا بد من مراجعة كل خطوة في مسار الدعوى، من لحظة تقديمها وحتى صدور الحكم، وتبسيطها بما يضمن سرعة الأداء دون المساس بحقوق الأطراف كما يجب تدريب الموظفين على ثقافة الخدمة العامة، وتفعيل الرقابة الإدارية لقياس كفاءة الأنظمة الإلكترونية في تسريع العمل القضائي لا في تعقيده فالأجهزة والدوائر الإدارية هي العمود الفقري للمحكمة، وأي خلل فيها ينعكس مباشرة على أداء القضاة وعلى ثقة المتقاضين بالمؤسسة القضائية.

إن العدالة ليست نصوصاً وأحكاماً فحسب، بل منظومة إدارية متكاملة يجب أن تعمل بانسجام وسلاسة لخدمة المتقاضي وما لم يتم إصلاح الترهل الإداري في المحاكم، سيبقى أي تطور تقني أو تشريعي ناقص الأثر فالتحول الإلكتروني في القضاء لا قيمة له ما لم ترافقه إدارة مؤهلة، ومنظومة إدارية ذكية، ورقابة حقيقية تضمن أن تكون التقنية أداة لتحقيق العدالة لا عقبة أمامها.

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com