فيلادلفيا نيوز
أصبحت ظاهرة الابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر القضايا التي تهدد الأفراد والمجتمعات في السنوات الأخيرة، بعدما تحولت من ممارسات فردية محدودة إلى ظاهرة واسعة تمسّ الجميع دون استثناء، سواء على الصعيد المالي أو الاجتماعي أو حتى الجنسي.
الابتزاز المالي بات وسيلة يستخدمها البعض لتحقيق مكاسب غير مشروعة، من خلال تهديد الضحايا بنشر صور أو محادثات أو معلومات خاصة مقابل مبالغ مالية. وغالباً ما تبدأ القصة بثقة أو تواصل بسيط، لتتحول لاحقاً إلى حلقة من التهديدات المتكررة التي تستنزف الضحية نفسياً ومادياً.
أما الابتزاز الاجتماعي، فيتجسد في استخدام الأسرار أو التفاصيل الشخصية للإضرار بسمعة الأشخاص أو إحراجهم أمام أسرهم أو بيئتهم المهنية. هذا النوع من الابتزاز يضرب في عمق النسيج الاجتماعي، ويهدم الثقة بين الناس، خصوصاً في مجتمع يقوم على السمعة والقيم العائلية.
لكن الأخطر يبقى الابتزاز الجنسي، الذي شهد انتشاراً مقلقاً في ظل سهولة تداول الصور والفيديوهات الخاصة. كثير من الضحايا وجدوا أنفسهم محاصرين بخوف وقلق نتيجة تهديدات صريحة ومهينة، تصل أحياناً إلى حدّ الانهيار النفسي أو التفكير بالانتحار.
إن خطورة هذه الظاهرة تكمن في سهولة ارتكابها وصعوبة ضبطها، إذ يمكن للمبتز أن يخفي هويته خلف شاشة أو حساب مزيف، وأحياناً من خارج البلاد، مما يجعل الملاحقة أكثر تعقيداً. ومع ذلك، فقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة جهوداً واضحة من الجهات الأمنية والقضائية في الأردن لمكافحة هذا النوع من الجرائم، من خلال تشديد العقوبات وتفعيل دور وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية.
ومن المهم التأكيد على أن اللجوء للجهات المختصة هو الخطوة الأولى والأكثر أماناً لأي شخص يتعرض لابتزاز، أياً كان نوعه. فهناك وحدات متخصصة مثل وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية وإدارة حماية الأسرة، تتعامل مع هذه القضايا بمهنية عالية وسرّية تامة، وتحافظ على خصوصية المشتكين وتتابع ملفاتهم بحزم واحترافية حتى النهاية. اللجوء لهذه الجهات ليس ضعفاً، بل حماية للحق وصون للكرامة.
وفي المقابل، تبقى التوعية المجتمعية والوعي الرقمي خط الدفاع الأول. من الضروري أن يدرك كل فرد أن أي صورة أو معلومة تُنشر أو تُرسل عبر الإنترنت قد تُستخدم يوماً ما ضده، إن لم يكن حذراً. لذلك، فإن بناء ثقافة رقمية مسؤولة، واحترام الخصوصية، وعدم الثقة المطلقة بالغرباء، هي خطوات أساسية للحدّ من هذه الظاهرة.
في النهاية، وسائل التواصل الاجتماعي خُلقت لتقريب الناس لا لابتزازهم، وللتعبير لا للإضرار. والحدّ من هذه الظاهرة يبدأ من كل واحد فينا، عندما نختار أن نكون أكثر وعياً، وأقل اندفاعاً، وأكثر حرصاً على أنفسنا وعلى من نحب.
 
					
									 فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ
فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ
				 
 
       
       
