فيلادلفيا نيوز
هي المرأة الصالحة وهو الحادي والعشرين من آذار .. هي الأم الحنون وهو يوم التكريم والوفاء .. هي الأم والأخت والزوجة والسيدة والصابرة وهو الحادي والعشرين من آذار .. وفيه نقرأ معا كل الحكايات التي ” تفردت” بها الأم دون غيرها ونقلب كل الأوراق والذكريات والعناوين لننحاز جميعا إلى ” أم ” ونهديها أجمل الكلمات والدعوات ونردد معا أهديك ما أهديك … أهديك في عيدك الغالي لا شئ يرضيك.
وفي ذروة جمال آذار وزهوره الفواحة التي تنبتها الأرض الطيبة التي تتزامن مع هذا اليوم العظيم للأم الصالحه لا بد لنا أن ننحاز ونؤشر على القصص والنجاحات التي تحققت للمرأة الأردنية في كافة المجالات ذلك أن هذا اليوم أصبح يحمل معاني الأمومة والبذل والعطاء تماما كما يحمل جمال الأرض وزهورها ودحنونها على امتداد الأفق ، فيجسد التضحيات والعطاء للمراة بشقيه الإيجابي والسلبي .
في أذار وجمال حضوره نحتفي في المرأة تكريما وتقديرا ومحبة لأنها وأذار صنوان للجمال والعطاء وهنا تبرز صورة ” أم أردنية ” صارت رمزًا للإرادة والتحدي والعطاء الموصول.. صورة سيدة وهبت حياتها لأمومتها ، وحملت رسالة امتدت لعشرين عامًا عنوانها الصبر والإصرار والأمل …. وتفاصيلها ،، وسيعلَمُ التوحُّد أن صبري يفوق الصبر ” حفرتها بالعلم والإرادة على صدر ابنها لتكون شاهدة على مسيرة استثنائية من العطاء والبذل والتضحية لأم قهرت الظروف وفازت بالأجر والمعروف .
مؤكدة بذلك صحة المقولة .. أن الأم التي تهز السرير بيمناها قادرة على أن تهز العالم بيسراها ، فكيف إذا كانت هذه الأم هي بطلة قصتنا اليوم التي هزت جبروت التوحد وقهرت سطوته وعناده .. وسجلت في تاريخ التعليم والتربية والنجاح سابقة من خلال عقلها وقلبها ورفيق دموعها.
بداية التحدي
في عام 2005، استقبلت هذه الأم طفلها الثالث، لكنه احتاج إلى رعاية الخداج، وهنا بدأت رحلتها مع التحديات. لجأت لطلب المساعدة، فكان للمرحوم عقل بلتاجي دورٌ حاسم في دعمه، ليُسجل هذا العرفان في قلبها، وتُسمي طفلها باسمه تكريمًا لروحه الوطنية.
لكن تلك اللحظات لم تكن سوى البداية. بحلول عام 2007، أدركت الأم أن التواصل مع ابنها لن يكون سهلاً، فانطلقت في رحلة بحث واستشارات طبية، لتكتشف أن التوحد ليس عقبة، بل مسار يحتاج إلى صبر وعمل دؤوب. لم تستسلم، بل قررت مواجهة التحدي بنفسها.
رحلة العلم والإرادة
في عام 2009، التحقت بالجامعة الأردنية، وخضعت لتدريب مكثف بلغ 280 ساعة لفهم كيفية التعامل مع حالة ابنها، وبدأت بتطبيق ما تعلمته عمليًا. لم تكتفِ بذلك، بل حصلت على دبلوم معهد السلام المهنية بامتياز، محققة أعلى علامة في تاريخ المعهد، حيث تم تكريمها من عدة جهات آنذاك. كما حصلت على دبلوم في الصيدلة وبكالوريوس في هندسة البيئة والصحة والسلامة من جامعة الحسين بن طلال، مؤمنة بأن العلم هو سلاحها الأقوى والوحيد. هذا ما لفت انتباهي وأراه إلهامًا لأي أم تواجه أي عقبة كانت!
قرار صعب: بين الشمال والجنوب
في عام 2009، اتخذت واحدًا من أصعب قرارات حياتها؛ تركت وظيفتها، رغم حاجتها لها، وكرست وقتها لرعاية ابنها. لم يكن الأمر سهلاً، فقد انقسمت العائلة بين أقصى شمال المملكة الأردنية وأقصى جنوبها، بين العقبة وإربد! انتقلت مع ابنها إلى إربد، ليصبح نموذجًا للدراسة في جامعة العلوم والتكنولوجيا، كحالة يمكن تطويرها ضمن أبحاث التوحد لطلاب الجامعة آنذاك.
لحظة نور
عام 2011 كان نقطة تحول. نطق ابنها أولى كلماته، لحظة أضاءت سنوات من الصبر والتعب، لتوثقها الأم بكل تفاصيلها في صور ومقاطع فيديو، حيث كانت تنشرها لتتأكد بأن العالم حولها يرى ما تراه ويسمع ويفهم صوته كما تسمعه هي. كان هذا، بعد توفيق الله، دليلًا على أن الإيمان بالنجاح يصنع المعجزات.
بصمة في المجتمع
بين عامي 2011 و2019، لم تحتفظ الأم بتجربتها في مواجهة التوحد لنفسها، بل أسست مع زوجها مركزًا خاصًا في العقبة لدمج أطفال التوحد في المجتمع. لم يكن مشروعًا تجاريًا، بل مبادرة تطوعية استمرت لسنوات، حتى أُغلق عام 2019، لكنه ترك أثرًا إيجابيًا في حياة العديد من الأسر في العقبة، لا سيما أنها كانت تتواصل وتشارك تجربتها لأبعد من مدى المحافظة، ناشرةً الوعي والدعم لكل من يواجه تحديات مماثلة.
التحصيل العلمي لا يتوقف
في عام 2022، وبينما كانت تتابع رحلة ابنها الجامعية، اكتشفت أن لديه قدرات استثنائية في الحفظ والكمبيوتر، فقررت ألا تتركه يواجه التحديات وحده. التحقت بدبلوم تربوي في جامعة الحسين في معان، ثم تابعت دراسة ماجستير في هندسة الصحة والسلامة البيئية، لتكون “الأم الظل” التي ترافقه في مسيرته الأكاديمية.
إنجاز لا يُنسى
في فبراير 2025، تخرجت بدرجة الماجستير، لتضيف إنجازًا جديدًا لمسيرتها، وتؤكد أن العطاء لا يعرف الحدود. اليوم، يقترن اسمها بقصة نجاح غير مسبوقة، فهي والدة أول طفل توحد في الأردن ،يُفتح له أول ورقة في ملف وزارة التربية و التعليم ،يحصل على شهادة الثانوية العامة، الطالب عقل عمر الصمادي.
أيقونة أمومية و اسم في حاضر و مستقبل العقبة
هذه ليست مجرد قصة أم، بل ملحمة من التحديات و الصمود تُلهم كل أم. إنها مرام بركات، نموذجٌ للأمومة التي تُعيد تعريف التضحية، وتجسد قوة الإرادة التي تصنع المستحيل. في يوم الأم، وكل يوم، يليق بها التكريم، لأن ما قدمته لا يُقاس بالكلمات، بل يُخلّد في الذاكرة والقلوب.
