الإثنين , ديسمبر 23 2024 | 9:52 م
الرئيسية / كتاب فيلادلفيا / ممالك الفساد..

ممالك الفساد..

فيلادلفيا نيوز

 

 بلال الطوالبة

لم يستطع أحد من المتتبعين للفساد أن يحصر معناه في مصطلح واحد ، بل يجزم الجميع أن الفساد كلمة لا يمكن تفسيرها بالتحديد بسبب تميزه  بشمولية واسعة  ويمكن تسويغها وتصريفها على عديد من السياقات والمجالات ، ولعل صعوبة حصر معناه ومفهومه جعله مخرجا  للفاسدين الذين عاثوا  فسادا  “شرقا و غربا ”  ولم يكن هنالك أي رادع لثنيهم أو محاسبتهم .
تبنى ممالك الفساد بالعادة نتيجة غياب القانون أو تغيبيه من قبل متنفذين يتخذون من الفساد على كافة أشكاله وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية لهم ، فممالك الفساد وجمهورها تنخر دائما في كيان المجتمع ، حالها حال الخلايا السرطانية التي ما أن تصيب الجسم  حتى تهلكه وتقضي عليه .
إن سبب انتشار هذه الممالك وتوسعها ؛ هو وجود مظلة دستورية تعمل على تسيير أمورها وإزالة جميع العقبات التي من الممكن أن تقابلها ، وعادة ما تكون هذه المظلة من البيت الرئاسي للدولة ، ولعل أخطر هذه المظلات وأقواها  التي تتصل بالعادة بالرؤساء والملوك ، حيث تعتبر هذه الطبقة  “محمية ”  من قبل الدستور ويصعب المساس بها أو مراقبتها ، ويكون حجم الفساد كبير جدا يمتد ويخرج عن  جميع الخطوط الحمراء ويكون انتشاره بشكل سريع بحيث يصعب مجاراته أو التصدي له .
لمملكة الفساد أركان كثيرة ،  تعتمد عليها من أجل الوصول والسيادة ، فالفساد الأخلاقي هو أشدها فتكا ؛ لأنه يلعب في المكون الديموغرافي للسكان ، ثم يأتي الفساد الإداري والذي يتم به اشغال الفاسدين بمواقع صنع القرار ، ثم الفساد المالي والذي هو محصلة  عن الفساد الإداري والأخلاقي ، وتنتشر هنا الرشاوي ومعدومية الأمانة ، فتتحول العلاقات في المجتمع  لتصبح علاقة مادية بحتة .
يتبع أركان ” مملكة الفساد ” العديد من الأساليب لتسهيل مهامهم ، فبعد وصولهم لمواقع صنع القرار تصدر عنهم الكثير من المراسيم التي تعمل وتساهم في خلق حالة من الفوضى وحالة من عدم الاستقرار ، ونتيجة لهذه المراسم نلحظ  تحول كبير في الأنماط المعيشية للمجتمع ، ولعل الأساليب المتبعة والتي تعمد إليها “مملكة الفساد “، هي محاربة الشرفاء في لقمة العيش والتطاول على حقوقهم وسلبها منهم ، وفرض أساليب معيشية جديدة تكون على شكل قوانين يجب الالتزام بها ويتم تجريم كل من يخالفها رغم سوئها وسوء فحواها ، ويعتمد القائمين على شؤون الفاسدين في فرض فسادهم وتفشيه على قوة الشخصية الفاسدة التي تعمل كغطاء لهم .
لم تنجح الكثير من المحاولات للقضاء على الفساد والفاسدين  رغم محاولة تشكيل هيئات ولجان مراقبة تحاول السيطرة وضبط الفاسدين إلا أن جميع المحاولات بائت بالفشل لتأثير الفاسدين على القرارت الصادرة عن هذه الهيئات بل ويصل الأمر في أحيان كثيرة الى تسليم الفاسدين مناصب في هيئات مكافحة الفساد .
عانوا  الأردنين مؤخرا من موجة فساد كبيرة أصبح الكثير يشعر بها ، وساهم بأنتشارها  أرتباط القائمين عليها بمؤسسة الحكم  ولعل “وليد الكردي ” أشهر وأقوى رجالات الفساد بالأردن ، رغم إشارة الملك عبد الله في مقابلات كثيرة عن وجود الفساد بالأردن وحث الجميع على إجتثاثه ، الا أن هناك معوقات ومقومات كثيرة تحول دون ذلك .
بدأ الشارع الأردني بالتحرك ضد موجات الفساد ، وشكلت هذه التحركات حالة ضغط ومصدر أزعاج لمملكة الفاسدين وبدأت تهتز عروشهم على وقع تحرك الشارع العام الأردني الذي بدأ يشعر بخطر الصمت والأنتهاكات والتجاوزات التي يقوم بها الفاسدين ، فتدحرجت رؤوس العديد من الفاسدين أمثال “الذهبي وشاهين والكردي ” وينتظر الأردنيون المزيد من الأسماء التي أصبحت الكثيرمن شبهات الفساد  تدور حولهم .
في مرحلة الصراع القائم بين الفساد والفاسدين والشعب لم يذكر الشعب الأردني حكومة وطنية عملت بامتياز لمساندة الشعب والوقوف إلى جانب الوطن فالحكومات المتعاقبة وخصوصا في الفترة الأخيرة كانت بمثابة الراعي الرسمي للفساد والفاسدين ، ولعل اللجوء إلى جيب المواطن وصندوق النقد الدولي أعطى مساحة وحرية للفاسدين للتحرك بعد محاصرتهم ، إبان أنطلاق الحراك الذي فجره في الأردن لواء ذيبان وسار الشرفاء على دربهم .
اليوم نرى الصراع يزداد وتعاود ممالك الفساد بناء نفسها ، فالأساليب الجديدة متوفرة مادام هناك راعٍ رسمي لها.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com