فيلادلفيا نيوز
يبدو مشروع قانون الجرائم الإلكترونية كما لو أنه لا يحوز المعقولية التي يتوجب أن ينالها، خصوصا من غرفتي التشريع، النواب والأعيان، فنرى المجلسين ولجنتيهما القانونيتين يتناولونه بالتغيير والتبديل والاقتراحات الكثيرة، بينما نرى أن الخلاف على بنوده يتخذ شكلا عموديا بين المؤيدين من جهة، وبين الرافضين أو المتحفظين على بعض بنوده من الجهة الأخرى
ربما يكون هذا هو الحال في غالبية القوانين التي يتم النظر فيها تحت القبة، ولكن كان من المفروض أن يتم التعامل مع مشروع قانون الجرائم الإلكترونية بطريقة مختلفة، فهو قانون تنظيمي تقول الحكومة إنه يأتي لمحاصرة الانفلات الحاصل في الفضاء الإلكتروني وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك توجب عليها أن تراعي أنها بصدد سن تشريع غير شعبي، سوف يأخذ حيزا كبيرا من الجدل والرفض في الفضاء العام، ما يحتّم عليها أن تأخذ وقتها الكافي في صياغة بنوده
لكن، يبدو أن هذا الأمر لم يتم، بل لجأت الحكومة إلى استعجال تحويل مشروع القانون إلى مجلس الأمّة، والأكثر غرابة أنها حولته لدورة استثنائية من مهامها النظر في الأمور المستعجلة جدا، وكان أجدى لها لو أجلته إلى دورة عادية، وتكون هي في الأصل استعدت له جيدا، وطورت من بنوده لتمنحها المعقولية والواقعية، بدلا من “المبالغات” التي رأيناها في تلك البنود
حتى اليوم، ورغم الخلاف الكبير حول مشروع القانون، إلا أنني لم أسمع من يقول إنه غير مهم، أو غير ضروري، فالقوانين تفرضها السلطات من أجل تنظيم السلوك داخل الدول، وهي مهمة جدا، خصوصا أنها عادة ما تقترن بأحكام تهدد بفرض عقوبات، ما ينتج عنه معنى أخلاقي لماهية تلك القوانين
المسوّغ الذي ساقته الحكومة لضرورة سن التشريع، هو رغبتها في تنظيم الفضاء الإلكتروني، وهو مسوغ منطقي، خصوصا أننا نشهد تطورا كبيرا في أشكال منصات التواصل الاجتماعي، وأنماط التعبير فيها، ما يجيز للدولة أن تسن قوانين في هذا السياق
المشكلة الحقيقية في المشروع، أنه جاء كما لو أن هدفه الأساس ليس تنظيميا بقدر ما هو تغليظ للعقوبات، وتخويف من أشكال التعبير جميعها. الردع مفهوم ومقبول في سن القوانين، خصوصا حين نتحدث عن ممارسات القدح والذم والتحقير واغتيال الشخصية، ولكن لا ينبغي أن يتم اعتباره مشجبا لتمرير قوانين تصادر الحريات، وتمنع المساءلة، وتكف يد الناس والإعلام عن ممارسة الرقابة على العمل العام، وهو هدف لا يمكن أن يكون نبيلا، إذ لا يتوجب على السلطة التنفيذية أن تعمل من دون أن تكون عين الرقابة مسلطة على كل تفصيل في عملها، وإلا فإن ذلك سوف يؤدي إلى نتائج عكسية تماما
سن القوانين ينبغي أن يراعي المصلحة العامة في الأساس، ثم الموازنة بين الحاجات والضرورات والمصالح، وإلا فإنها ستكون قوانين موجهة، تنتج عنها أهداف قد لا تكون وطنية في محصلتها النهائية، فحسن النوايا وحده لا يحقق الغايات المرجوة
يشعر غالبية الأردنيين أن القانون سوف يتم إقراره في نهاية المطاف، وقد يظل مشتملا على “القسوة” التي رأيناها محط خلاف بين الأطراف. ولكن، هل تستطيع بنوده وضع حد للفوضى على مواقع التواصل الاجتماعي، أم أن كل ما ستحققه هو أنها ستمنح المسؤولين شعورا بالراحة، والبعد عن أعين الرقابة، وهو أخطر ما في هذا القانون؟
ما أزال أؤمن أن قانونا كهذا، يتوجب أن يتحصل على أكبر مساحة من التوافق. ومن المؤسف عدم الأخذ برأي العين الدكتور مصطفى الحمارنة، والذي اقترح أن تتم إعادة المشروع للجنة القانونية، وبعد ذلك يتم فتح حوار مدني وموسع حوله. بمثل هذه الأفكار والطروحات يمكن لنا بناء التوافقات الوطنية، وبدونها ستكون خطوات الدولة وسلوكياتها فوقية، ولا تعير المواطن أي انتباه أو أهمية!.