فيلادلفيا نيوز
أصبح الجنوب السوري في الأيام الأخيرة مفتوحا على كل الاحتمالات، مع تسارع الأحداث في هذه المنطقة، بشكل يهدد بعودة تفجر الأوضاع العسكرية في هذه المنطقة، سيما مع تواصل حشود الجيش السوري، واصرار المعارضة على المواجهة، وعدم توصل الأطراف الدولية المعنية بالازمة حتى الآن لتفاهمات تنزع فتيل الأزمة.
ويكتسب تفجر الأزمة في هذه المنطقة حساسية بالغة بالنسبة للإقليم، خاصة للأردن المثقل بأعباء اللجوء السوري، والذي بدأ يشهد على حدوده مؤخرا حركة نزوح ضخمة إلى القرى السورية المجاورة تقدر بالآلاف ، نتيجة القصف المدفعي، الذي استهدف مواقع في بعض القرى الشرقية من الجنوب، بحسب ما قاله لـ”الغد” المنسق في الجيش السوري الحر أبو توفيق الديري.
وهو ما أكده لـ”الغد” ايضا القيادي في فصيل جيش الحمزة التابع للجيش السوري الحر خالد الزامل، بأن حركة النزوح مستمرة منذ أيام وبأعداد كبيرة، نتيجة استمرار القصف المدفعي لمواقع في بلداتهم.
فيما كانت الأمم المتحدة قد قدرت قبل أربعة أيام عدد النازحين بـ 2500 شخص نزحوا من مناطقهم في محافظة درعا.
ويضيف الديري “نحن على تواصل مع الأردنيين ليلا ونهارا،
ونقوم بتوجيه اللاجئين بعدم الاقتراب من الشريط الحدودي”، مؤكدا أن “الأمور بهذا الشأن تحت السيطرة، وهناك تفهم واضح من قبل الجانب الأردني للحالة الإنسانية للنازحين، الذي نزحوا إلى قرى المتاعية ونصيب وتل شهاب، القريبة من الحدود الأردنية”.
وبحسب ما توقع الخبير والمختص الأميركي بالشأن السوري سام هيلر خلال فعالية لمجموعة الازمات الدولية اقيمت في عمان الخميس الماضي، فان الأردن من الممكن أن يصبح في مواجهة أزمة 150 ألف نازح على حدوده، في حال تفجر الازمة بالجنوب السوري.
الأردن من جانبه ووفقا لمصدر حكومي يؤكد على موقفه الذي انتهجه في السنوات الأخيرة من الأزمة السورية، بانه غير قادر على استقبال موجة لجوء جديدة، سيما وانه يستقبل على اراضيه أكثر من 1.3 مليون سوري لدواع إنسانية واخوية، شكلوا ضغطا على موارده الطبيعية وبناه التحتية، واسهموا في اتساع ظاهرة البطالة بين الأردنيين.
وبحسب تغريدة لوزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي على موقع (تويتر)، فإن “الأردن يجري اتصالات مكثفة مع شريكيه في اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري (الولايات المتحدة وروسيا) بهدف الحفاظ على الاتفاق وترسيخ وقف إطلاق النار الذي تم بموجبه”.
وأضاف، “نتابع التطورات الميدانية ونؤكد ضرورة احترام الاتفاق ونعمل للحؤول دون تفجر العنف. حدودنا ومصالحنا محمية”.
ويستهدف القصف الذي ينطلق من مرابض مدفعيه تم نصبها حديثا في قرى محافظة السويداء المطلة على الجنوب، بحسب المعارضة، قرى اللجاة وبصر الحرير والمسيفرة وناحته والغارية الشرقية والغربية، وهي قرى قريبة من معبر نصيب الحدودي مع المملكة.
ورغم أن المعارضة من جانبها متيقنة من أن هدف القوات المهاجمة، والتي قالت انها “تتألف بنسبة 90 % من الميليشيات الإيرانية والافغانية والعراقية وحزب الله اللبناني، بالإضافة إلى قوات سهيل الحسن المدعومة روسيا”، وهو ما لم تؤكده مصادر اخرى محايدة، هو الوصول إلى معبر نصيب، بيد انها شككت بالنوايا وقالت إن هذا الهدف هو الهدف الظاهري لكسب الصمت الدولي، فيما الهدف الحقيقي، بحسب ما يقول المنسق العسكري في الجيش السوري الحر أبو توفيق الديري هو “الوصول إلى أقرب منطقة من الحدود الإسرائيلية ليكون بمثابة رسالة إيرانية بأن الجنوب جبهة إيرانية مفتوحة ضد إلغاء الاتفاق النووي الإيراني – الغربي”.
وقال الديري إن الوصول للحدود الإسرائيلية والأردنية هدف إيراني لتهديد العمقين الإسرائيلي والأردني.
وأضاف أن “المعارضة مارست ضبط النفس، ولم تتجاوز خط وقف إطلاق النار في الجنوب حسب الاتفاق الأردني الأميركي الروسي، مؤكدا انها تحملت منذ عام الخروقات التي يقوم بها النظام وميليشياته”.
وقال “نحن نعول على انفسنا أولا في صد الهجوم، وثانيا على الموقف الأميركي الواضح والصريح والذي وجه عدة انذارات للنظام بعدم التقدم في الجنوب، غير أن الديري أشار إلى أن “الأميركان لم يبلغوا المعارضة بنوعية الرد الأميركي وتوقيته”، معبرا عن ايمانه “انهم جادون بالأمر”.
وتبرر الحكومة السورية هجماتها في الجنوب بحسب بيان بثته وكالة الأنباء السورية (سانا) بإن الجيش يقصف مواقع فصيل هيئة تحرير الشام “النصرة” سابقا و”المرتبط بتنظيم القاعدة” في بلدة الحراك وبصر الحرير.
وأضاف البيان أن “الإرهابيين” قصفوا بلدة السويداء، التي تسيطر عليها الحكومة في محافظة درعا وقتلوا مدنيين اثنين.
غير أن هذه الهجمات تلقى توترا وقلقا إسرائيليا من تغير موازين القوى في هذه المنطقة الحساسة بالنسبة لها، وتخشى من تعاظم الوجود الإيراني فيها، خاصة مع تردد معلومات غير مؤكدة عن أن القوات الإيرانية تقاتل في صفوف الجيش السوري من خلال منح افرادها هويات عسكرية سورية ولبس البزة العسكرية السورية.
وتشير تصريحات لمصادر دولية بأن التفاهمات الأولية باستعادة الجيش السوري لسيطرته على الجنوب السوري تعثرت، بعد أن اشترطت إسرائيل إبعاد الجيش السوري مسافة عن خط الحدود التي كان موجودا فيها قبل العام 2011، فضلا عن ابتعاد القوات الإيرانية والحليفة لها عن الجنوب والحدود مع سورية.
وكانت إيران أعلنت عن عدم عزمها المشاركة باية عملية عسكرية محتملة في الجنوب السوري، وأكدت أن ذلك سيكون من مهمة الجيش السوري وبدعم من القوات الروسية، وعلى غرار ما جرى في معارك الغوطة ومحيط دمشق، التي لم تشارك فيها قوات إيرانية.
وتسيطر فصائل المعارضة السورية المعتدلة على نحو 70 % من مناطق الجنوب السوري، فيما هناك تواجد هزيل لمقاتلي هيئة تحرير الشام”النصرة” سابقا والذين لا يتجاوز عددهم 200 مقاتل في هذه المناطق، في حين يسيطر جيش خالد بن الوليد المبايع لتنظيم “داعش” الإرهابي على مناطق حوض اليرموك بمثلث الحدود الأردنية السورية الإسرائيلية.
إلى ذلك حققت قوات النظام السوري أمس السبت تقدما محدودا على حساب الفصائل المعارضة في محافظة درعا، حيث تستمر الاشتباكات بوتيرة عالية منذ أيام، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبدأت قوات النظام الثلاثاء الماضي تكثيف قصفها على ريف محافظة درعا الشرقي ما يُنذر بعملية عسكرية وشيكة ضد الفصائل المعارضة في المحافظة الجنوبية.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس “حققت قوات النظام أول تقدم لها في المنطقة منذ التصعيد العسكري الثلاثاء بسيطرتها على قريتي البستان والشومرية في ريف درعا الشرقي”.
ويتركز القصف والاشتباكات حاليا عند الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والسويداء، وتحديدا في ريف درعا الشرقي وأطراف السويداء الغربية.
وتهدف قوات النظام، على حد قول عبد الرحمن، إلى فصل الريف الشرقي بين شمال وجنوب “ما يسهل عملياتها ويزيد الضغط على الفصائل المعارضة ويتيح لها التقدم بشكل أسرع”.
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن “وحدات من الجيش خاضت خلال الساعات القليلة الماضية اشتباكات عنيفة مع الإرهابيين في منطقة اللجاة” الممتدة بين محافظتي درعا والسويداء، كما “حققت تقدما على هذا المحور بعد القضاء على العديد من الإرهابيين”.
وأسفرت الاشتباكات السبت، وفق حصيلة للمرصد، عن مقتل ثمانية عناصر على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها وإصابة 20 آخرين بجروح. كما قُتل في المقابل عشرة مقاتلين على الأقل من الفصائل المعارضة.