فيلادلفيا نيوز نجعل الخبر مبتدأ
فيلادلفيا نيوز
الجمعة 1/5/ 2020
في الذكرى السنوية الخامسة لكورونا
من يوميات مواطن
استيقظ أبو علي من نومه متأخرا كعادته وبدأ بالصراخ… يا علي وين كماماتي وين كفوفي … يا علي عليتني وين عدة الكورونا …. تأخرت على شغلي… انت نسيت انه لازم اروح الدوام … اليوم دوامي مش اون لاين ولا عن بعد …لازم اروح الشغل…بدا علي مرتبكا فهو مضطرا ان يعيد جميع مستلزمات الكورونا لوالده.
اطمأن أبو علي وانفرجت اساريره بعد أن تأكد بأن جميع مستلزمات كورونا قد أصبحت بين يديه ، خاصة الكمامات ذات اللون الاسود والقفازات الزرقاء ، وبعد ان غسل يديه ووجهه بالماء والصابون توجه الى المطبخ ليتناول طعام الإفطار الذي أعدته ام علي فهو منذ واقعة كورونا الاولى يحرص على تقوية مناعة جسمه فهو مقتنع تماما بانه لولا تعرضه المستمر لأشعة الشمس وتناوله الطعام الجيد الذي يقوي المناعة لما نفذ من كورونا قبل سنوات … منذ ذلك الوقت وام علي تحرص ان يكون الفطور عالي المناعة فجميع مكوناته من حظائر البيت … خبز الطابون الأسمر المقحمش من صنع ام علي حيث اعتادت منذ الأيام الأولى لكورونا قبل خمس سنوات على اعداد الخبز في البيت ، اذ تمكنت ام علي اثناء فترة حظر التجوال الثانية الطويلة وليست الأولى القصيرة من اجراء بعض التعديلات على فرن المنزل ، اذ اضافت بعض “الرضاف ” وهي حجاره صغيرة من الزلط الاسود كان ابنها علي قد احظرها من القرية وذلك بناء على نصيحة جارتها ام عليان … نظر أبو علي الى المقطف المصنوع من “ قصل ” القمح حيث كرات اللبنة البلدية التي دحرجت بإتقان وغطست في الزيت البلدي والى البيض البلدي وراحة السمن البلدي التي تفوح في كل ارجاء البيت …حبات الزيتون البلدي ذهبية اللون وشرائح البندورة المنسدحه في صحن الألمنيوم.
تناول أبو علي افطاره على عجل وطلب من ام علي ان تناوله قائمة احتياجات البيت اليومية التي اعتادت تجهيزها منذ كورونا الاولى…. تناول الطلبية واخذ يقرا بصوت عالي: كيلو بطباطا بلدي مفرقي المنشأ… كيلو بندورة غورية المنشأ… علبتين هايبكس ، ثلاث علب هايجين محلي، وعشر قفازات يعني كفوف، كمامات لون ازرق عدد ستة ولون اسود عدد اربعة، أربع علب ديتول، علبتين بف باف للصراصير مكتوب عليها بدون رائحة … تمتم ابو علي ببعض الكلمات التي تخللتها بعض المسبات بلهجة لم تفهمها ام علي او ربما ادعت ذلك.
عاود أبو علي الصراخ مجددا .. يا علي هو اليوم زوجي والا فردي… ليرد علي… اليوم لا زوجي ولا فردي، ( الكيا ) صار الها أسبوع في الكراج وصاحب الكراج طلب احم… احم …خلص… خلص… فهمت ويتمتم أبو علي: لاحول ولا قوة الا بالله …. استعاذ بالله وخرج من بيته راجلا متوجها الى المحطة الفرعية للباص السريع المجاورة لبيته يعني بتقدر تقول على راس الشارع … في الطريق التقى بابي يوسف البقال وهو يقود بسكيليتته , استوقفه موبخا: أبو يوسف وين كمامتك … وين كفوفك بشوفك اليوم معيد ، يرد عليه أبو يوسف صار عندي حساسية من الكفوف و الهايجين بس الكمامة في جيبتي هسا بلبسها … أبو علي ناصحا أبو يوسف البقال: طيب البسها يا رجل لا تعطبنا وتعطب الحارة كلها انت نسيت كورونا حطنا على ثمك وخشمك مو على ذقنك…. اختصر أبو علي الحديث مع أبو يوسف البقال فقد يأس من تكرار النصيحة له حول أهمية لبس الكمامات…. ناوله طلبية البيت التي أعدتها ام علي.
أبو يوسف: ليش يا خوي يا ابو علي مغلب حالك كان بعثتها على منصة البقالة الالكتروني سجل عندك الموقع الجديد للبقالة ” بقالة حارة-دوت كوم. دوت جو” وقديش بتطلع كلفتها لا تهكل هم، ما عليك الا تنزل الفلوس على المحفظة الإلكترونية. ” أبو يوسف دوت جو” وبدون رسوم وطلبيتك قبل ما ترجع من الدوام بوصلها للبيت تكسي أبو جمال….
أبو علي مندهشا: ليش هو أبو جمال حول ترخيص التكسي وبطل يحمل ركاب؟
أبو يوسف البقال: اه من سنتين من لما حول الترخيص أيام الحظر الأول لكورونا صار التكسي ديليفري بس غير لونها بدل اللون الأصفر صار بوز التكسي اصفر والطنبوي اخضر فاتح …الله لا يعيد هيك أيام ومن يومها بطل يركب بني ادمين… بس بوصل طلبيات من عندي ومن عند عليان الخضرجي وكمان اشترك في الضمان الاجتماعي… تابع أبو علي مسيرته راجلا الى محطة الباص والتي لم تكن بعيد عن بيته سوى أمتار قليله … وصل بالضبط على توقيت الباص لأنه كل ربع ساعة يصل باص الامانة الازرق… صعد الباص حيث كان عدد المصطفين قليل لم يتجاوز السبعة اشخاص من بينهم الحاجة ام إبراهيم حيث كانت راس الطابور في الصعود الى الباص وكانت تذكر المصطفين في الدور وتنادي … التباعد الجسدي .. التباعد الجسدي ولا تنسوا انه المسافة بين الشخص والأخر صارت بس متر مش مترين وفقا للتعديل الأخير الذي أجرته الحكومة على التباعد الجسدي…. جلس أبو علي في المقعد المخصص له بعد ان قام شخصيا بتعقيم الكرسي بالهايجين بطريقة الرذاذ المنتشر و المعطر، وزيادة في الحيطة قام بتعقيم الزجاج الامامي الذي يفصل بينه وبين الراكب الذي يجلس في الكرسي الامامي اما الزجاج الذي يفصل بينه وبين الحجة ام إبراهيم حيث كانت تجلس بجانبه فقد ترك امر تعقيمه لها حيث اعتادت ان تمارس طقوس البصق والتفتفه أحيانا.
انطلق الباص بعد ان رحب السائق بالركاب أجمل ترحيب منوها الى ان المحطة القادمة ستكون جسر صويلح الدائري معلنا ان رحلة السفر ستستغرق ربع ساعة فقط وان الباص مزود بشبكة انترنت وواي فإي 5G وماء بارد وتسالي نوعين أبو العبد ومحمص الشعب لمن يرغب مجانا.
أبو يوسف متمتما: سقا الله ايام زمان كان هذا المشوار يستغرق ساعة الا ربع إذا ما فيه زحمة وإذا الدنيا زحمة ساعة وربع … كثر الله خيرك يا كورونا.
الحمد لله … وصل مكان عمله …نزل من الباص وودعه السائق بمثل ما استقبله من حفاوة وتكريم …حيث خرج السائق من الباص وانحنى ثلاث مرات واضعا راحة يده اليمنى على صدره … رد أبو يوسف التحية بمثلها لا بل بأحسن منها قليلا واضعا كلتا يديه على صدره ثلاث مرات … كثر الله خيرك كورونا.
في الطريق من موقف الباص السريع الى مكان العمل كانت المسافة قصيرة …الهدوء يخيم على الشارع لم يشعر بصوت طقطقة قدميه حيث ان الشارع معبد بخلطة اسمنية ناعمة جدا فلا حفر ولا مطبات حتى انه خلع حذاءه ومشى حافيا … كثر الله خيرك كورونا.
قبل الدخول الى المبنى وقف قليلا في الطابور للعبور من خلال ماكنة التعقيم الاوتوماتيكي التي وضعت عند مدخل المبنى ومن ثم توجهه الى ماكنة الحضور والانصراف الموجودة في ردهة المبنى وغمزها بطرف عينه اليمنى غمزتين لتأكيد الحضور اما الانصراف فيكون بغمزه واحدة من العين اليسرى .. صعد الى الطابق الرابع حيث مكتبه ، من خلال المصعد والذي أيضا عقمه بطريقة الرذاذ عن بعد ….في المكتب ذهب مباشرة الى الزاوية المخصصة له والتي يفصلها حاجز زجاجي عن زميله في العمل- فقط اثنان في هذه الغرفة الواسعة – وحاجز زجاجي يفصل بينه وبين المراجعين فيما لو حضر مراجعين ، تتخلله فتحة صغيره لتحية المراجع وامامه شاشة يستطيع من خلالها توجيه المراجع اذا لزم الامر.. يعرف أبو يوسف ان جميع الإجراءات محوسبة من خلال منصة ” مراجع. دوت كوم.دوت جو ” … مرت ساعات الدوام من العاشرة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر بهدوء وسهوله دون ضجر او ملل حيث جمع بعض الفلاشات ليعمل في البيت فغدا دوامه سيكون من البيت يعني عن بعد( اون لاين ) ..كثر الله خيرك كورونا ….فقد أصبح الدوام مريحا جدا…. سقا الله ايام الشاي والقهوة وسندويشة الفلافل… سقا الله ايام قبل كورونا…. كثر الله خيرك كورونا …
(للحديث بقية … سيرة و انفتحت)… حافظ على التباعد الجسدي والبس كمامتك.
