فيلادلفيا نيوز
توماس كارات الصحفي الاستقصائي النمساوي الشجاع النزيه، أرسل لي إضافة تتكامل مع مقالتي المنشورة هنا يوم أمس، التي حملت عنوان “ذروة المقاومة … سلطية” وكانت عن مأثرة ابن السلط العظيمة عبدالرزاق الرحاحلة مدير الأراضي والمساحة في القدس عام 1967، الذي قام بأهم أفعال المقاومة، حين أنقذ “القواشين” وسندات التسجيل والمخططات التي تثبت ملكية المواطنين وحقوقهم في أراضي محافظة القدس.
هنا إضافة الصديق توماس كارات:
(عزيزي السناتور،
إن مقالتكم، المشبعة بالاحترام والدقة، تلتقط شيئًا، نادرًا مايُقال بهذا الوضوح: أن المقاومة ليست فعل تحدٍّ واحد، بل هي استمرارية حيّة للضمير، تتجلى في كل يدٍ تحفظ، وتُشفي، وتُؤوي، وتَتذكّر.
لقد أعدتم إلى الذاكرة العامة قصة عبد الرزّاق الرحاحلة، لا كمجرد حكاية بطولة، بل كدليل على أن الإخلاص للأرض وللناس يمكن أن يتخذ شكل الشجاعة الإدارية الصامتة.
في عالمٍ يميل إلى تمجيد ضجيج المعارك، ذكّرتمونا بمقاومة الصمت، بلحظات الصفاء الأخلاقي غير المصوّرة التي تُبقي الأُمم حيّة.
ومع ذلك، هناك بُعد آخر غير مذكور، لكنه أساسي: مقاومة المعرفة.
فالمُحتل لا يخشى الحجارة والبنادق فحسب، بل يخشى الأرشيفي، والمعلّم، وحارس البيانات، ذاك الذي يضمن أن الذاكرة نفسها لا يمكن احتلالها.
في عام 1967، أنقذ الرحاحلة الوثائق؛ واليوم يجب على آخرين أن يُنقذوا الحقائق الرقمية، والتاريخية، والثقافية، من المحو والتحريف.
كل أرشيف يُمحى، وكل خريطة تُزوّر، وكل خوارزمية تدفن السردية الفلسطينية، هي جبهة أخرى في المعركة ذاتها.
إن الدفاع عن الذاكرة اليوم قد لا يتطلب زيًّا عسكريًا ولا سلاحًا، لكنه لا يزال يتطلب الشجاعة ذاتها، شجاعة التمسك بالأدلة حين يُصرّ الأقوياء على النسيان.
لذلك، فإن مقالتكم تدعونا إلى توسيع المفهوم: فالمقاومة ليست فقط ما يُمارس، بل أيضًا ما يُتَذكّر، وما يُعلّم، وما يرفض النسيان.
وكما حمل الرحاحلة سندات أراضي القدس عبر النهر، يجب على جيلنا أن يحمل سندات الحقيقة عبر طوفان التلاعب الرقمي وفقدان الذاكرة السياسي.
تلك أيضًا هي مقاومة السلط: ثابتة، نزيهة، ومضيئة بهدوء.
مع خالص التحية،
توماس).
