فيلادلفيا نيوز
يمر تنظيم “داعش” المتطرف الآن في أزمة مالية حادة؛ وتقدم دراسة جديدة، أجرتها كلية “كينجز” في لندن، أول نظرة متعمقة في هيكل إيرادات الجماعة الإرهابية، فضلا عن أسباب فشل نموذج عملها في الوقت الراهن.
من أين تأتي “داعش” بالمال حقيقة؟ وكيف تمول الجماعة الإرهابية الأغنى في العالم نفسها؟ كانت مقالات الصحف والبيانات الصادرة عن السياسيين في السنوات الأخيرة وفرت بعض الرؤى، ولكن الصورة الناتجة عكست الواقع جزئيا ليس إلا.
لقد ذكرت عمليات الاختطاف وتهريب التحف القديمة بشكل مستمر في مناسبات مختلفة، بوصفها مصادر دخل مهمة على الرغم من الافتقار لوجود دليل لكلا النظريتين.
وطالب السياسيون أيضا بأن يتم تجميد التي تحصدها “داعش” من مصادر خارجية، وهي دعوة تبدو وأنها انبثقت من الافتراضات المستندة إلى تلقي تنظيم القاعدة الأموال من دول الخليج العربي في الماضي.
ولكن، ليس هناك دليل على أن “داعش” تستخدم هذا النموذج أيضاً.
وقد سعى الباحثون من جامعة “كينجز” اللندنية، جنباً إلى جنب مع شركة التدقيق المحاسبي “إيرنست آند يونغ”، إلى تحليل موارد “داعش” المالية بشكل منهجي.
وفي التقرير بعنوان “الخلافة تنهار”، استخدمت كلا الجهتين التقارير الإعلامية، ووثائق “داعش”، بالإضافة إلى الأوراق الحكومية المتاحة وأبحاثها هي نفسها لدراسة كيفية تمويل الجماعة الإرهابية نفسها وكم هي مواردها المالية صحية في الوقت الراهن.
وبواقع الحال، أبلغت كل من “سبيغل” و”واشنطن بوست” عن الدراسة قبل عرضها التقديمي في “مجلس الأمن” في ميونخ؛ وهي تنبذ الكليشيهات التي تقول أن أنصار الجماعة السريين يقفون خلف تمويلها، مع إشارة مؤلفي التقرير إلى عدم وجود دليل يدعم وجود هؤلاء المانحين.
ويزعم التقرير أيضا أن عمليات الاختطاف مقابل الفدى، وتهريب التحف، ليس بمصادر تمويل ضخمة هي الأخرى. بل وأن الأصح هو أن معظم أموال الجماعة تأتي من “الضرائب والرسوم” التي تفرض في المناطق التي تخضع لسيطرتها.
وتأتي عوائد النفط في المقام الثاني، تليها عمليات “النهب والمصادرات والغرامات”.
وفي العام 2014، ولدت “داعش” ما يتراوح بين 300 و400 مليون دولار من الضرائب والرسوم.
ووفقا للدراسة، ارتفع هذا المجموع وصولا إلى 800 مليون دولار بحلول 2015. ويحذر التقرير من استخدام النهج التقليدية في تحليل الشؤون المالية للجماعة الإرهابية، منذرة بأن القيام بذلك يمكن أن يفضي إلى “سوء فهم خطير” لأن الجماعة “تختلف اختلافا جوهريا” عن المنظمات الإرهابية التي سبقتها.
ويدعم التقرير نظريته موضحا أن الجهود التقليدية المبذولة لوقف مصادر “داعش” المالية لن تصلح في ظل انخفاض اعتماد الجماعة على الجهات المانحة الأجنبية ومصادر التمويل الكلاسيكية.
نموذج أعمال ينهار
بشكل أساسي، يمكن وصف نموذج أعمال “داعش” على النحو الآتي؛ ترسل الجماعة فريقا متقدما إلى المناطق التي تنوي فرض سيطرتها عليه في وقت لاحق، وذلك من أجل التسلل إليها وبناء هياكل استخبارية فيها.
وكانت هذه الهياكل ذات أهمية خاصة في كل وقت لأسباب عسكرية، لكن “داعش” سمحت لها بممارسة عملية الابتزاز المبتكرة والتي لا ترحم على السكان أيضا.
وكان إدراك هياكل النفوذ والثروة أمرا مفيدا للغاية في جهود الجماعة المبذولة. فقد أفضى الفرض المستمر للضرائب الجديدة والرسوم والغرامات على الـ8 ملايين نسمة الذين يقبعون تحت سيطرتها إلى ملايين اليوروهات في إيراداتها.
ويقول الخبير في شؤون الإرهاب، بيتر نيومان، أحد مؤلفي الدراسة الأربعة: “أحد أهم مصادر إيرادات (داعش) الذي برز واضحا جدا في الوثائق كان مصادرة الممتلكات وإعادة بيع الأراضي، فضلا عن المنازل والسيارات، دون أن ننسى مصادرة المجوهرات أيضا”.
إنه، مع ذلك، نموذج أعمال سيمضي في طريق الإنهيار عندما يتوقف توسع داعش وتتوقف استراتيجيتها الرامية إلى زيادة الأراضي تحت سيطرتها عن العمل.
وهذه هي الأوضاع الآن؛ بحيث بدأت الجماعة الإرهابية تخسر الأراضي والناس وآبار النفط منذ أشهر. وفي الفترة بين صيف 2014 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2016، تقلصت الأراضي الخاضعة لسيطرة المجموعة في العراق بنسبة 62 %، في حين تقلصت في سورية بنسبة 30 % أيضاً، وفقاً للدراسة.
وعندما تنكمش داعش كذلك سيكون حال عائداتها؛ لم يعد الاقتصاد الجشع القائم على الاستغلال يعمل.
وقد انخفضت الميزانية الإجمالية للمجموعة إلى النصف في عامين، من المبلغ الذي قدرته الدراسة عند 970 مليون دولار أو 1.89 مليار دولار في 2014، إلى ما يتراوح بين 520 مليونا و870 مليون دولار في العام الماضي.
ويبدو أن إيراداتها ستواصل الانخفاض، في ضوء أن الجماعة سوف تخسر قريباً سيطرتها على الموصل في شمال العراق، أكبر مدينة سيطرت عليها المجموعة. ويدرج التقرير أيضاً ثلاثة أسباب أخرى لتدهور إيرادات المجموعة: القرار الذي اتخذته الحكومة العراقية المركزية في بغداد لإيقاف دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في الموصل وغيرها من المناطق المحتلة، لأن هذه الأموال تفيد “داعش” مباشرة؛ حقيقة أنه منذ العام 2015 والقوات الجوية الأميركية تقصف مصافي النفط البدائية وناقلات النفط الخاصة بـ”داعش”؛ الجهود الرامية إلى القضاء على عمليات التهريب عبر الحدود مع تركيا.
ولكن، عندما يتعلق الأمر بالتهديد الذي يشكله إرهاب “داعش” للأوروبيين، لا يحتمل أن يكون لمشاكل الجماعة المالية أي تأثير كبير بحيث أن تكلفة هذه الهجمات متخفضة جداً.
وفي هذا الخصوص، يقول نيومان: “وفقا لتقديرات السلطات الفرنسية، لم تكن هناك حاجة لأكثر من 20.000 يورو لتنفيذ هجمات 13 تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2015 في باريس”. وأضاف “قد تم تمويل كل من هجمات باريس وبروكسيل عبر الائتمان”.
“سبيغل أونلاين”