فيلادلفيا نيوز
طرح الانهيار الواسع لقوات الجيش السوري أمام هجوم فصائل المعارضة علامات استفهام كبيرة، خاصة مع وصولها إلى محافظة حمص بعد 9 أيام فقط من المعارك، بعد السيطرة على مدينة حلب في أول يومين من المواجهات التي اندلعت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
اللافت أن المواجهات الشرسة بين الطرفين اقتصرت على محافظة حماة، وبصفة خاصة بوابة المدينة التي تحيط بها ثكنة جبل زين العابدين ومطار حماة العسكري وقيادة الفرقة 25 بقيادة العميد سهيل الحسن. ورغم القتال الشرس، فإن سيطرة فصائل المعارضة على مدينة حماة استغرقت قرابة 72 ساعة فقط.
ارتباك الجيش بسبب الموقف الروسي
وبحسب ما أكده دبلوماسيون سوريون على اتصال مع وزارة الخارجية الروسية، فإن الحكومة السورية أجرت اتصالات مع الخارجية الروسية بشكل مباشر بعد هجوم فصائل المعارضة؛ من أجل استطلاع موقف موسكو حيال الهجوم، لكنها تلقت ردًا مبهمًا مفاده أن الهجوم لن يتوسع لأبعد من حدود استعادة المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة قبل مايو/أيار 2019، وتعرف بحدود المنطقة الخامسة لاتفاق خفض التصعيد، وهو ما أدى إلى حالة ارتباك ميدانية نتيجة استشعار التشكيلات العسكرية التابعة للنظام غياب غطاء كاف من الطيران الروسي.
وأكدت مصادر في إدارة العمليات العسكرية التي تشرف على هجوم فصائل المعارضة، أنها استمعت لاتصالات بين قيادات في الجيش السوري أثناء المعارك في محيط مدينة حلب، يؤكدون فيها أن روسيا موافقة على سقوط المناطق، وأن قاعدة حميميم لا تقصف كل الأهداف التي يتم إبلاغها بها، وأن الطلعات الجوية الروسية محدودة، ولذا تم استدعاء مشاركة الطيران السوري وغالبه من الطرازات القديمة.
فوارق تكتيكية وبشرية
وأفاد مراسلون حربيون يرافقون قوات المعارضة لتغطية المعارك، بأنهم لمسوا فوارق تكتيكية وبشرية واضحة بين فصائل المعارضة وقوات الجيش، وهذه الفوارق أدت إلى تفوّق ميداني واضح.
ووفقا للمصادر، فإن إدارة العمليات المشتركة استطاعت قبل أيام من انطلاق المعارك رشوة وحدات عسكرية منتشرة في محيط مدينة حلب، مما سهّل عملية توغل خلايا نائمة، وهذه الخلايا استطاعت استهداف غرفة العمليات التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني في القنصلية الإيرانية داخل مدينة حلب، ونتج عن هذا الاستهداف مقتل الجنرال الإيراني كيومرث بور هامشي الذي يوصف بأنه قائد مستشاري الحرس الثوري العاملين شمال غرب سوريا.
أيضا، برز تفوق فصائل المعارضة في العنصر البشري، حيث استطاعت هذه الفصائل تجنيد الآلاف من المقاتلين الشبان الذين لا تتجاوز أعمارهم 24 عاما خلال السنوات الأخيرة، وتدريبهم على عمليات خاصة تقوم على التسلل والاشتباك من المسافة صفر، في حين أن غالبية قوات الجيش السوري المنتشرة في محيط حلب ومحافظة إدلب أعمارهم كبيرة، والكثير منهم التحقوا بالتشكيلات العسكرية بعد استدعائهم للاحتياط، ولذا لم تكن لديهم معرفة واسعة بتكتيكات الحرب، ووقع المئات منهم في الأسر بعد الاستسلام.
ونجحت القوات المهاجمة باستخدام الطائرات المسيرة المحلية الصنع من طراز “شاهين”، وكان لها أثر مهم في ضرب خطوط الإمداد لقوات الحكومة، واستهداف المدرعات من الأعلى، وانعكس الأمر سلبيا على معنويات الجيش السوري.
واستغرقت عملية تطوير هذه الطائرات المسيّرة قرابة 3 أعوام، وساهم في تطويرها مهندسون متخصصون استطاعت هيئة تحرير الشام الاستفادة من قدراتهم في عملية التصنيع.
وبحسب المراسلين الحربيين الذين تحدثنا إليهم، فقد امتازت المجموعات العسكرية التابعة لفصائل المعارضة بالقدرة على عمليات الرصد، واستخدام أنظمة الإشارة، مما أتاح لهم الهجوم بمجموعات صغيرة ونوعية وخفيفة التحرك، وهذا ساهم في انهيار خطوط الدفاع الأولى، ليتبين أن قوات الجيش لم تؤسس خطوط دفاع متينة خلف الخط الأول.
وظهر بشكل جلي تغير في النهج العسكري المتبع لفصائل المعارضة التي نفذت عمليات التفات وتطويق لمواقع عسكرية مهمة فيها تحصينات وقوة نارية كبيرة، ثم عزلها عن محيطها ودفعها للتفاوض على الاستسلام، أو اقتحامها بعد فصلها عن خطوط الإمداد، وتم استخدام هذه الطريقة في السيطرة على الأكاديمية العسكرية ومدرسة المدفعية غرب حلب، بالإضافة إلى الثكنة العسكرية في جبل زين العابدين قرب مدينة حماة التي قاتلت بشراسة رغم محاصرتها، لكن القوات التابعة للحكومة السورية غادرتها في نهاية المطاف بعد إصابتها بالإحباط لقطع الإمداد عنها.
غياب الفصائل المدعومة إيرانيا
وبدا واضحا أثر غياب الفصائل المدعومة إيرانيًا عن المواجهة، فقد غاب حزب الله اللبناني نظرًا للصدمات الكبيرة التي تلقاها حزب الله في المواجهات مع إسرائيل، وفقدانه كامل قياداته الفاعلة، وخشيته من التداعيات السياسية لعودته والانخراط بقوة في الساحة السورية.
وعلى الجانب الآخر، أكدت مصادر أمنية عراقية لموقع الجزيرة نت أن فصائل الحشد الشعبي العراقي اكتفت بإرسال المئات فقط من المقاتلين لمساندة الجيش السوري، وهذا مردّه ممانعة الحكومة العراقية في الزج بالعراق في المواجهة داخل سوريا، لأنها تلقت تحذيرات أميركية منذ عدة أشهر من استمرار نشاط فصائل الحشد الشعبي خارج الحدود العراقية، وما يمكن أن يحمله هذا من تبعات على العراق.
وتشير المعلومات إلى رغبة الفصائل العراقية أيضًا في الحفاظ على مستقبلها ضمن المشهد العراقي، ولذا باتت تفضل النأي بالنفس عن لعب أدوار لصالح إيران على الساحة الإقليمية، وتريد أن تُطمئن دول الجوار بأنها متجهة لفتح صفحة جديدة، باستثناء حزب الله العراقي الذي لا يزال يبدي تجاوبًا مع مطالب إيران بخصوص مساندة الحكومة السورية لكن بشكل محدود، بسبب مراقبة الحدود من القواعد الأميركية المنتشرة على الحدود السورية العراقية.
غياب المشاركة الفاعلة للفصائل المدعومة من إيران أفقد الجيش السوري ميزة الاستفادة من قوات مدربة على حرب الشوارع، بالإضافة إلى فقدان ميزة استخدام الطيران المسيّر الذي تمتلكه هذه الفصائل وتستعمله على نطاق واسع في الرصد والهجوم.
استخدام نهج التحييد
وأشارت المعلومات إلى أن إدارة العمليات العسكرية استخدمت إلى حد كبير نهج “التحييد”، حيث تواصلت مع مجموعات عسكرية غربي حلب في محيط المدينة، وأقنعتها بتحييد نفسها لفتح ثغرات، كما خاضت الإدارة مفاوضات مع مجموعات محلية منتشرة في السلمية ومحردة بريف حماة وأقنعتها بعدم المواجهة، مع منحها تطمينات بأن الهجوم ليس على أساس طائفي، بل يستهدف القوات التابعة للنظام السوري فقط، وتحاول أن تفعله الشيء ذاته مع المجموعات العسكرية المحلية المنتشرة في مصياف بريف حماة.
وسهّل هذا النهج على القوات المهاجمة السيطرة على بلدات ومدن عديدة بدون قتال، وهذا ما عزز الانطباع بوجود تفاهمات سياسية أدت إلى تساقط المناطق، فازدادت حالة الاضطراب لدى قوات الجيش السوري.
الجزيرة نت