فيلادلفيا نيوز
يصادف اليوم الثاني عشر من ايلول الذكرى السادسة عشرة لرحيل الاعلامية الكبيرة كوثر النشاشيبي والتي كان يضبط الاردنييون والفلسطينيون عقارب ساعاتهم على وقع صوتها لتعلن بدء البرنامج الاذاعي الاشهر “رسائل شوق” ، الذي كان جسر التواصل والامل للاهل على ضفتي النهر الخالد.
برنامج الراحلة النشاشيبي الذي كان يحمل اسم “رسائل شوق” ومقدمته الغنائية اغنية فيروز والتي تقول في مطلعها ” جايبلي سلام عصفور الجناين… جايبلي سلام من عند الحناين” ، حيث كانت تقوم النشاشيبي خلاله بقراءة رسائل اذاعية يوجهها الفلسطينيون في الخارج الى ذويهم في الضفة الغربية إذ لم تكن الاتصالات الهاتفية متاحة بين الفلسطينيين في الضفة وغزة وبين ذويهم في الخارج، لأنه لم يكن لدى اسرائيل في تلك الفترة علاقات دبلوماسية بالدول العربية لاسيما مع الاردن الذي يضم بين جنباته نسبة كبيرة من الاشقاء الفلسطينيين.
فيما يفتقد الجميع في العالم العربي وفي الأردن وفلسطين اليوم ذلك الصوت الندي، وصاحبة الرسالة الانسانية ، حيث غابت كوثر النشاشيبي وبقي عبق صوتها يذكرنا بالعصر الذهبي للإذاعة الأردنية.
وحظيت المذيعة الراحلة بتكريم من جلالة الملك عبدالله الثاني وذلك بمنحها وسام الاستقلال من الدرجة الثانية تقديرا لجهودها الاعلامية.
وابصرت النشاشيبي النور في مدينة القدس من اسرة مقدسية معروفة وذلك عام 1930 انطلقت بمشوارها الاذاعي منذ سنوات بعيدة لتصبح في مرحلة ما بمثابة الام للاذاعيين واخذت بيد العديد من المواهب الشابة في المجال الاذاعي ووضعتهم على سكة النجاح.
ويعد العام 1965 الانطلاقة الحقيقية لكوثر النشاشيبي عبر اثير الاذاعة الاردنية – بتشجيع من الشهيد وصفي التل الذي اقنعها بان تنتقل الى عمان وتعمل في الاذاعة حيث وقعت على عقد عمل بقيمة 36 دينار شهريا في ذلك الوقت.
جمع صوت الراحلة شمل العديد من العائلات عبر جسور اثير الاذاعة الاردنية ، وظل صوتها شريانا يتدفق بالحياة بين بيوت الاهل وقلوبهم على ضفتي النهر التي مزقتها حراب الاحتلال ، حتى صارت كوثر النشاشيبي صديقة الامهات الملهوفات وواحدة من افراد العائلة التي تدخل البيوت بدون استئذان.
ومنذ اوائل السبعينيات كان الجميع على ضفتي نهر الاردن (الشرقية والغربية) وكذلك الدول العربية التي يصل اليها بث الاذاعة الاردنية يتسمرون عند المذياع لسماع الرسائل التي تقرأها النشاشيبي، وكانت تلك الرسائل تأتي من الاردن ومن دول الخليج العربي ومن سورية ولبنان وغيرها من الدول التي يوجد بها فلسطينيون، وتحمل سلامات واشواقا من الفلسطينيين في الخارج الى ذويهم في الضفة الغربية وفي بعض الاحيان كانت تلك الرسائل تحمل معلومات عن الابناء المسافرين أو نبأ وفاة احدهم وهكذا.
وحفرت كوثر النشاشيبي صوتها في ذاكرة الملايين وهي التي بدأت العمل في إذاعة رام الله، من خلال تقديم برامج للأطفال، وكان عملها في الإذاعة غير معلن، أي لا يظهر أسمها الصريح، حتى لا يمنعها والدها أو تتعرض لرفض العائلة، واستمرت تعمل في إذاعة رام الله بهذه الطريقة، حتى تم تأسيس إذاعة الاردنية في عمان، فانتقلت للعمل في إذاعة عمان، حيث كان للشهيد وصفي التل دور في إقناعها بأن تنتقل إلى عمان، وأن تعمل في الإذاعة، لقيت خطوتها للعمل بشكل علني وصريح في الإذاعة معارضة الأهل لكنها قاومت هذا الرفض وواصلت مسيرتها الناجحة، ويعد العام 1960 الانطلاقة الحقيقية لكوثر النشاشيبي عبر أثير الإذاعة الأردنية، حيث صدح صوتها ولمع اسمها في فضاء الوطن، فكانت شاهدة عيان على أحداث مسارات فاصلة في تاريخ المنطقة الحديثة ومنذ تلك اللحظة دخلت كوثر النشاشيبي كل بيت وسكنت القلوب، وما زال صوتها محفورا ويتردد في ذاكرة الناس الذين تعاملوا معها وهي التي قدمت عبر الاثير هموم هؤلاء الناس واستغاثاتهم ورسائل محبتهم المتشبثة بالحياة.
وقدمت الراحلة كوثر النشاشيبي برامج إذاعية كثيرة على أثير الإذاعة الأردنية كان أهمها وأكثرها شعبية «رسائل شوق»، إضافة إلى العديد من البرامج منها برنامج الأسرة الذي تضمن في كثير من حلقاته مشاهد تمثيلية تتناول مشاكل الأسرة الأردنية وتقترح لها حلولا،
وأرتبط أسمها بأبرز البرامج الإنسانية ومنها لمسة حنان، الأسرة، ما يطلبه المستمعون و رسائل شوق الذي كان يمثل جسر تواصل بين الأهل في الضفة الغربية والعالم،
يذكر ان الراحلة كوثر النشاشيبي كانت حاضرة في الأنشطة الاجتماعية والتطوعية، فقد كانت عضوا في عدد من النوادي والجمعيات الخيرية، كما كانت عضو الاتحاد النسائي الأردني، فرغم انشغالها بعملها في الإذاعة، كانت تخصص جزءا من وقتها للعمل التطوعي الخيري، وكانت لها نشاطات تهدف إلى الدفاع عن حقوق المرأة، وتحسين ظروفها، وتحقيق المساواة لها، وقد حظيت بمحبة عميقة من الناس من مختلف الفئات، وهذا الرصيد الكبير ساعدها في أداء رسالتها في الإعلام والبيت والمجتمع، وأن يكون لها هذا التأثير الواضح في أكثر من جيل، وأن تبقى في الذاكرة كالإيقونة ، وعانت المذيعة كوثر النشاشيبي في سنواتها الأخيرة، من مرض عضال واجهته بكل شجاعة، وبعد معاناة مريرة مع المرض، توفيت الإعلامية البارزة في الثاني عشر من شهر أيلول عام 2004، وترك فقدها حزناً عميقاً عند أهلها ومحبيها ومعجبيها، وبعد فترة قصيرة لحق بها زوجها ورفيق حياتها عصمت النشاشيبي،
لكن أثر هذه الإعلامية الكبيرة لم يتوقف بغيابها، مما دفع مركز الإعلاميات العربيات، بإعتبار كوثر النشاشيبي من رائدات العمل الإذاعي في الأردن رحمها الله.