فيلادلفيا نيوز
تعد قمة سوتشي الثلاثية التي ضمت رؤساء تركيا وروسيا وإيران، الأربعاء المنصرم، منعطفا هاما على طريق حلّ الأزمة السورية، وانبثقت عنها ما يمكن أن نطلق عليه “خارطة طريق” جديدة، لإنهاء الحرب، وإعادة إعمار سوريا.
وتحمل قمة سوتشي أهمية، لأنها تُعقد بين تركيا وروسيا وإيران، الدول الثلاثة الضامنة لمسار أستانا، الذي ركز على وقف الاشتباكات، وأفضى إلى تشكيل مناطق خفض التوتر في سوريا.
وجرى التأكيد مجددا خلال القمة على وحدة أراضي سوريا، وضرورة تطهير البلاد من المنظمات الإرهابية، واتخاذ التدابير التي من شأنها تهيئة الأجواء لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، وإيصال المساعدات الإنسانية دون معوقات.
وبرزت خلال قمة سوتشي، نقاط جديدة، في ما يمكن أن نسميه “خارطة طريق”، وتتمثل في البنود التالية:
أولا: التفاهم بخصوص عقد مؤتمر الحوار السوري، الذي سيجمع الفرقاء السوريين.
ثانيا: اتخاذ خطوات في إطار إعادة إعمار سوريا.
ثالثا: تحديد مستقبل سوريا من قبل السوريين أنفسهم، عبر انتخابات شفافة ونزيهة.
رابعا: إيقاف الاشتباكات بشكل تام.
خامسا: تحقيق الاستقرار في مناطق خفض التوتر (الخالية من الاشتباكات).
ويظهر مؤتمر الحوار السوري، الذي سيجمع مختلف الأطراف المعنية، كمنصة تفاوض جديدة، إلا أن الجدل يبدو محتدما منذ الآن حول إمكانية نجاحه من عدمه.
وسيناقش المؤتمر ملفات هامة على رأسها الدستور الجديد، وعودة اللاجئين، وإطلاق سراح المعتقلين، والانتخابات، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة.
ولم تتبلور بعد التفاصيل حول من سيشارك في المؤتمر، وكيفية تشكيل آليات القرار، وهل ستفرض عقوبات على الجهات المخلة بالتفاهمات أم لا.
ورغم عقد مؤتمرات مشابهة في ليبيا واليمن، بعد الاضطرابات التي اجتاحت دولا في العالم العربي، إلا أنها باءت بالفشل، بل وتصاعدت الحرب الأهلية في البلدين.
ويمكن أن يدفع هذان النموذجان البعض إلى التشاؤم حيال عملية الحل السياسي في سوريا، إلا أن هناك فرقان هامان، يتمثلان في الكلفة التي تشكلها الحرب الأهلية في سوريا، على اللاعبين المحليين والدول الضامنة، وثانيا بروز جهود الحل السياسي في إطار الإرادة المتشكلة في مسار أستانا.
ومع أن الحرب الأهلية في سوريا في مرحلة أعقد من اليمن وليبيا، إلا أنه بوسعنا القول إن مواقف الدول الضامنة ستلعب دورا حاسما في إنجاح مؤتمر الحوار السوري.
تركيا وقمة سوتشي
رأى البعض قبل انطلاق القمة الثلاثية، أنها ستكون ” قمة إقناع تركيا”، في مشهد يصورها على أنها لاعب يعترض على عملية متشكلة بمعزل عنها، ويتجاهل حقيقة أن تركيا هي إحدى مؤسسي مسار أستانا.
بالطبع ستكون هناك مفاوضات صعبة بين الأطراف، ومحاولات لاستمالة الآخر، وبالتالي لا يمكننا توقع تحقيق تفاهم حول كافة الملفات.
وفي قراءة لما بين السطور في التصريحات الصادرة عقب القمة، يتولد لدينا انطباع حول عدم وجود تفاهم تام حول هذه المسيرة، حيث هناك تباين في المواقف بين أنقرة من جهة وموسكو وطهران من جهة أخرى، بخصوص تنظيم “ب ي د/ ي ب ك” (الذراع السوري لمنظمة بي كا كا الإرهابية).
ورغم أن الموقف المبدئي لإيران وروسيا حول ضرورة صون وحدة الأراضي السورية، يُعد مهما، إلا أن إمكانية احتفاظ “ي ب ك” بوجوده العسكري، في إطار فيدرالية محتملة بسوريا، سيشكل مصدر خطر متواصل بالنسبة لتركيا.
وتكتسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب القمة، أهمية في هذا السياق، حيث أكد على مواصلة تركيا دعم جهود الحل السياسي للأزمة السورية، مع عدم تهاونها حيال أي خطر يهدد أمنها.
ويعكس إلغاء موسكو “مؤتمر شعوب سوريا” الذي كانت تخطط له ودعت “ب ي د” للمشاركة فيه، مراعاة روسيا لحساسية تركيا تجاه هذا الأمر، حيث جرى تحويل اسم الاجتماع إلى “مؤتمر الحوار الوطني السوري”، أي بمعنى آخر بديلا لـ”مؤتمر شعوب سوريا”، الذي تحفظت عليه أنقرة لا سيما مسألة مشاركة “ب ي د”.
إمكانية تقويض المسيرة من قبل “ب ي د”
والقضية الأخرى الهامة بعيدا عن مشاركة تنظيم “ب ي د” في المؤتمر من عدمها، مسألة وجود التنظيم على الأرض، في مدينة عفرين بريف حلب (شمال)، الأمر الذي يشكل مصدر تهديد سواء لتركيا، أو مناطق خفض التوتر في سوريا.
وينبغي عدم تجاهل إمكانية تقويض هذه المسيرة من قبل “ب ي د”، الذي يحارب من أجل غاياته، ونيابة عن الولايات المتحدة في الوقت نفسه، لا سيما إمكانية استغلال التنظيم انشغال بقية الأطراف بمناطق خفض التوتر والمفاوضات السياسية، لتعزيز قدراته العسكرية، من حيث السلاح والمقاتلين.
وبالنظر إلى كل هذه العوامل، يمكننا القول إن قمة سوتشي، تشكل منعطفا هاما على صعيد مسار أستانا خاصة، وحلّ الأزمة السورية بشكل عام، وفي حال تم تجاوز هذا المنعطف بنجاح فإن ذلك يعني قطع شوط كبير على طريق حلّ الأزمة، لا سيما التوصل إلى مخرجات ملموسة من أجل مباحثات جنيف.
لكن في حال حدوث نكسة ما في هذا المسار، فإنه ينبغي التركيزعلى عدم التفريط بالمكتسبات التي تم تحقيقها لغاية اليوم، وإلا فإنه سيكون من الصعب الحيلولة دون تفاقم الأزمة بشكل أكثر عنفا.