الأحد , ديسمبر 22 2024 | 7:03 ص
الرئيسية / بلدنا اليوم / عوض الله: الفقر والشعور بالتهميش وغياب العدالة تسبب بالربيع العربي

عوض الله: الفقر والشعور بالتهميش وغياب العدالة تسبب بالربيع العربي

فيلادلفيا نيوز

 

أكد الدكتور باسم عوض الله ، مبعوث جلالة الملك إلى السعودية، أن العلاقات الأردنية السعودية، علاقات وطيدة واستراتيجية وتاريخية.

وأضاف في مقابلة مع العربية نت أن الأردن يعتبر من أبرز الدول الحليفة للمملكة العربية السعودية، ولدى البلدان مواقف مشتركة تجاه مختلف القضايا، مشيراً إلى أن مجلس التنسيق السعودي الأردني هو الركيزة الأساسية لضمان استدامة العلاقات بين البلدين.

وقال في حديث إن السعودية هي الشريك التجاري الأكبر للأردن، حيث تعتبر السعودية من أكبر الدول التي تستثمر في الاقتصاد_الأردني بحجم استثمار يزيد عن 13 مليار دولار، مضيفاً أن شركة الصندوق السعودي الأردني ستعمل على الاستثمار في العديد من المجالات، ويتوقع أن يصل حجم استثماراتها إلى 3 مليارات دولار، مما سيعطي دفعة قوية لحركة النشاط الاقتصادي في الأردن.

وتطرق عوض الله إلى رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ، واصفاً إياها بأنها تعتبر أقوى وأشمل وأعمق برنامج إصلاحي ليس على مستوى السعودية فقط بل على مستوى المنطقة والعالم، مشيراً إلى أن تنفيذ رؤية 2030 سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على الاقتصادات العربية. كما أشار إلى أن ما تقوم به دول الخليج العربية اليوم، وخاصة السعودية، من خطط إصلاحية للتخلص من الاعتماد على النفط هو الأهم في المرحلة الحالية.

وبالنسبة للدول العربية غير النفطية، قال إن تلك الدول تحتاج لبرامج إصلاحية هيكلية تخلصها من الاعتماد على المساعدات، معرباً عن أمله أن ما تشهده العلاقات الخليجية العربية من إعادة هيكلة نحو استبدال الدعم المالي بالاستثمار المباشر في المشاريع التنموية والخدمية يتوقع أن يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد في تلك الدول.

وعن ثورات الربيع العربي ونتائجه على اقتصاديات الدول العربية، قال الدكتور عوض الله إن انتشار الفقر والبطالة والجهل والشعور بالتهميش وغياب العدالة هي من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ما يعرف بثورة “الربيع العربي”، مشيراً إلى أن مطالب الشباب العربي بمجملها واقعية ومنطقية ولكن كانت نتائجها كارثية وشملت كافة دول المنطقة.

وأكد أن من أكثر الأولويات التي تحتاجها المنطقة حالياً هي خطة تنموية عربية على غرار “خطة مارشال” التي أخرجت أوروبا من دمار ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وعن التعليم في الدول العربية، أشار المبعوث الأردني إلى أن الدول العربية تحتل مراتب في أواخر دول العالم في الاختبارات الدولية في العلوم والرياضيات، مطالباً بأهمية تبني نموذج جديد وغير تقليدي للتعليم في العالم العربي، وذلك ينطبق على التعليم العالي والجامعات، ومشيراً إلى أن تدني نوعية التعليم تعد من أهم العوامل التي تشجع الشباب في العالم العربي على التوجه نحو التطرف والعنف.

وعن الإصلاح السياسي في العالم العربي، قال عوض الله إن المنطقة العربية في أمس الحاجة إلى تطبيق نموذج إصلاحي خاص بها ينبع من الداخل ويتلاءم مع خصوصيتها وطبيعة مجتمعها والقيم والأخلاقيات الخاصة بها، وذلك للحد من التدخلات الخارجية بفرض نماذج ووصفات إصلاحية غربية جاهزة للتطبيق في مجتمعاتنا.

وحول توقعاته بالنسبة للاقتصاد العالمي خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ، قال عوض الله إن ترمب يعطي أولوية كبيرة لمحاربة الإرهاب وسيكون لذلك تأثير كبير على تحالفاته مع دول المنطقة، وهو بالتأكيد يخدم أهداف دول “الاعتدال العربي” وسيكون لذلك دور مهم في حل العديد من الأزمات والصراعات في المنطقة، وهو ما سينعكس ايجابا على اقتصاديات المنطقة والاقتصاد العالمي.

 

وفيما يلي نص المقابلة:

الدكتور باسم عوض الله بصفتكم مبعوث جلالة الملك عبد الله الثاني إلى السعودية هل يمكن إطلاعنا على آفاق العلاقة اللصيقة بين البلدين والتعاونات على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري؟

العلاقات الأردنية السعودية هي علاقات وطيدة واستراتيجية ضاربة في جذور التاريخ والجغرافيا، يعززها روابط الدم والقربى ووحدة المصير. ولكن ما أود أن أضيفه على ذلك هو التأكيد على حرص الملك عبد الله الثاني وخادم الحرمين الشريفين على ضمان استمرارية هذه العلاقة على ذات النهج والمضمون، وأن يتوفر لها المزيد من عناصر الاستقرار والاستدامة.

 وقد تمثل ذلك مؤخراً بتأسيس مجلس التنسيق السعودي الأردني الذي يجسد هذه العلاقات ويجعل منها نموذجاً للعلاقات العربية العربية المؤسسية والمستدامة.

على الصعيد الاقتصادي تعتبر السعودية من أكبر الدول التي تستثمر في الاقتصاد الأردني بحجم استثمار يزيد عن 13 مليار دولار (قبل تأسيس شركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار والمتوقع أن تتجاوز استثماراته 3 مليار دولار). وتشكل السعودية الشريك التجاري الأكبر للأردن حيث إن 16% من مجموع الصادرات الأردنية تتجه للأسواق السعودية، في حين تشكل مستوردات الأردن من السوق السعودي أكثر من 15% من مجموع المستوردات.

 كما تتواجد في المملكة العربية السعودية شريحة كبيرة من العمالة الأردنية التي تتجاوز 300 ألف يساهمون في رفد ميزان المدفوعات بحجم كبير من العملات الأجنبية. هذا فضلا عن علاقات قوية وتعاون متزايد في مجالات الصحة والنقل والطاقة وغيرها.

على الصعيد السياسي والعسكري يعتبر الأردن من أبرز الدول الحليفة للمملكة العربية السعودية، ولدى البلدان مواقف مشتركة تجاه مختلف القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة. ويشكل الأردن البوابة الشمالية لها ولم يتوانَ عن الاصطفاف معها بفعالية وقوة، وكان من أوائل الدول التي أعلنت عن دخولها في التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، وفي التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن. وفي الوقت نفسه فإن المملكة العربية السعودية وقفت وتقف على الدوام إلى جانب شقيقتها المملكة الأردنية الهاشمية على كل الأصعدة والمجالات.

 

هل يمكن أن تحدثنا عن جهود مجلس التنسيق السعودي الأردني في مجالات عدة وخصوصا فيما يتعلق بتحفيز الصناديق الاستثمارية؟

كما قلت سابقاً فإن مجلس التنسيق السعودي الأردني هو الركيزة الأساسية لضمان استدامة ومؤسسية العلاقات الأردنية السعودية والتطوير المستمر لها. وخلال الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى المملكة الأردنية الهاشمية ولقائه بأخيه جلالة الملك عبد الله الثاني، قبيل المشاركة في مؤتمر القمة العربية الذي عقد مؤخراً، تم الإعلان عن تأسيس شركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار ، وذلك في إطار تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين قيادتي البلدين الشقيقين بموجب محضر اجتماع تأسيس مجلس التنسيق الأردني السعودي، الذي تم توقيعه خلال زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني إلى المملكة العربية السعودية ولقائه بأخيه خادم الحرمين الشريفين بتاريخ 28/4/2016، وتنفيذاً لنتائج المباحثات التي أجراها جلالة الملك عبد الله الثاني مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في مدينة العقبة بتاريخ 11/4/2016.

ستعمل شركة الصندوق السعودي الأردني على الاستثمار في العديد من الفرص الاستثمارية في قطاعات حيوية مختلفة في المملكة الأردنية الهاشمية مثل السياحة والصناعة والطاقة والبنية التحتية والصحة وغيرها، ويتوقع أن يصل حجم استثمارات الشركة إلى 3 مليار دولار يساهم صندوق الاستثمارات العامة بحوالي 90% منها وتساهم البنوك الأردنية بنسبة 10%.

باعتقادي أن استثمارات هذه الشركة في المشاريع التنموية المجدية اقتصادياً في الأردن ستقدم دفعة قوية لحركة النشاط الاقتصادي، وتحفز النمو في الإنتاج والتصدير وتوفر فرص العمل للشباب الأردني، كما أن قيام صندوق الاستثمارات العامة المتوقع أن يكون أكبر صندوق سيادي في العالم بالاستثمار في الأردن، سيساهم في تحسين الصورة والانطباع العالمي لدى المستثمرين العالميين وثقتهم بقوة ومنعة الاقتصاد الأردني وجاذبيته للاستثمار الأجنبي، وفي الوقت نفسه تعود مثل هذه الاستثمارات المجدية بالعوائد الايجابية على المملكة التي تسعى لتنويع اقتصادها واستغلال الفوائض المالية التي تمتلكها لتنويع مصادر الدخل وذلك ضمن أهداف رؤية 2030.

أتأمل أن تقوم هذه الشركة بتحديد مجموعة المشاريع الاقتصادية المجدية التي سيتم الاستثمار فيها في المستقبل القريب، ليبدأ الجميع بتلمس ثمار هذا التعاون الاستثماري البناء.

 

استضاف الأردن عدد كبير من اللاجئين من دول عديدة .. ما هو تأثير ذلك على الاقتصاد الأردني؟ وكيف تتعامل الأردن مع التغيرات السياسية المؤثرة في الاقتصاد مثل خلق السوق العراقية والسورية أمام الصادرات الأردنية وكذلك حرمان الأردن من سوق البضائع المتنقلة التي تمر عبر الأردن في طريقها لدول الخليج؟

منذ عقود طويلة جسد الأردن بقيادته وشعبه أسمى قيم ومظاهر الإنسانية والحب للسلم والأمن والسلام والاحترام لكرامة الإنسان، لذلك هو لم يتوان عن استضافة الملايين من اللاجئين العرب الذين اضطرتهم الحروب والصراعات والممارسات اللاإنسانية إلى ترك بلادهم، فاحتضنهم الأردن ووفر لهم الدعم والمساندة والملاذ الآمن. الأردن من أكبر الدول المستضيفة للاجئين في العالم باحتضانه أكثر من 2.8 مليون لاجئ بحسب سجلات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. في الأردن اليوم أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري يشكلون حوالي 20% من السكان نسبة قليلة لا تتجاوز 15% تقطن في مخيمات اللاجئين والباقي ينتشرون في مختلف مناطق المملكة.

الحكومة الأردنية أعلنت عن دراسات تفصيلية حول الضغوطات الهائلة التي ترتبت على أزمة اللاجئين على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في المملكة. حيث تقدر الكلفة السنوية المباشرة التي تتحملها المملكة نتيجة أزمة اللجوء السوري بحوالي 2 مليار دولار سنوياً، ترتفع في حال إضافة الكلف غير المباشرة إلى 3.1-3.5 مليار دولار.

بالإضافة إلى تأثير أزمة اللجوء السوري على الميزانية فقد نتج عنها ضغوطات كبيرة على الموارد الشحيحة والمرافق والخدمات التعليمية والصحية والطاقة والمياه وفرص العمل، وهو ما أدى تدني في نوعية هذه الخدمات وتزايد معدلات الفقر والبطالة.

فيما يتعلق بكيفية تعامل الأردن مع التغيرات السياسية المؤثرة في الاقتصاد وخاصة فتح الأسواق العراقية والسورية أمام الصادرات، فإن الإجابة على مثل هذا السؤال هو في صميم عمل الحكومة الأردنية، ولكني كمواطن أردني سأكتفي بالقول بأن الأردن دولة قائمة على الأخلاق والمبادئ والقيم.

الصادرات الأردنية إلى العراق انخفضت من 883 مليون دينار عام 2013 إلى 333 مليون دينار عام 2016 في حين تلاشت الصادرات الأردنية إلى الأسواق السورية بحيث لم تتجاوز 20 مليون دينار عام 2016 مقارنة بأكثر من 170 مليون دينار قبل انطلاق الثورة السورية. رغم هذا التدهور الكبير في الصادرات والذي كانت له آثار سلبية كبيرة على النمو الاقتصادي والبطالة والفقر وعلى مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، رغم كل ذلك فإن مواقف الأردن السياسية لم تتغير بمعطيات المصالح الاقتصادية، بقيت قائمة على القيم والمبادئ والأخلاقيات التي تشكل الأساس لنهضة وتطوير الدولة وتماسك مجتمعها.

ضمن هذا الإطار يعمل الأردن بتحالف وتنسيق مع أشقائه العرب وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية والإمارات على إعادة الاستقرار إلى العراق وفق ثوابت تضمن المشاركة السياسية الشاملة لكافة مكونات المجتمع العراقي في العملية السياسية، وإيقاف التدخلات الخارجية في شؤون العراق الداخلية، هذا هو الموقف من العراق، أما في سوريا فإن مقابلة جلالة الملك المعظم مع صحيفة “واشنطن بوست” جسدت هذا الموقف، حيث دعا جلالته المجتمع الدولي إلى تحمل المسؤولية الأخلاقية للتعامل مع المأساة الإنسانية البشعة، التي طالت المدنيين في سوريا، وأكد الحاجة إلى نظاما سوريا مقبولا من كل أطياف الشعب السوري.

 

برأيك ماهو تأثير رؤية 2030 على اقتصاديات الدول العربية ونقلها إلى مرحلة جديدة قائمة على الاستثمارات الخاصة والإنتاجية القادرة على توليد فرص العمل والصادرات؟

تعتبر رؤية 2030 أقوى وأشمل وأعمق برنامج إصلاحي ليس على مستوى المملكة العربية السعودية فحسب بل على مستوى المنطقة والعالم. باعتقادي هذه الرؤية سيكون لها دور رئيسي في نقل الاقتصاد والمجتمع السعودي وأجياله القادمة إلى آفاق أكبر وأرحب بعيداً عن الاعتماد على الموارد الطبيعية الناضبة، وباتجاه الاعتماد على المعرفة والابداع والريادة التي تحافظ على منظومة القيم المجتمعية السعودية الراسخة.

بالنسبة لي أنا أرى أن تنفيذ هذه الرؤية سيكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على الاقتصادات العربية:

1) الاقتصاد السعودي من أكبر الاقتصادات العالمية ومع تنفيذ رؤية 2030 تتوقع التقارير العالمية أن يحتل المرتبة 13 على مستوى العالم من حيث حجم الاقتصاد عام 2030. ويشكل الناتج المحلي الإجمالي السعودي أكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة العربية، والاقتصاد السعودي منفتح على المنطقة والعالم، وبالتالي فإن أي تغييرات هيكلية يشهدها الاقتصاد السعودي سيكون لها تأثيرات مباشرة على الاقتصادات العربية.

2) سيفتح تطبيق رؤية 2030 أفق واسعة للمزيد من الشراكات التجارية والاستثمارية التي ستعيد تشكيل خارطة تدفقات التجارة والاستثمار في المنطقة العربية.

3) سعي رؤية 2030 لتأسيس أكبر صندوق سيادي في العالم سيكون الركيزة الأساسية لتنويع مصادر الدخل للمملكة، والمنهجية والفلسفة الجديدة التي انتهجها الصندوق بتنويع الاستثمار والتوجه نحو تنفيذ المزيد من الاستثمارات في الاقتصادات العربية سيكون له انعكاسات كبيرة على اقتصادات الدول العربية، وسيكون له دور كبير في تحفيز النمو والإنتاج والتصدير وتوليد فرص العمل للشباب العربي. الاستثمارات السعودية في الأردن ومصر والسودان وغيرها من الدول العربية سيكون لها آثار مباشرة ملموسة على اقتصادات هذه الدول.

4) نجاح الرؤية في تعزيز مستويات الإنتاجية والكفاءة وإعطاء القطاع الخاص الدور القيادي في الاقتصاد السعودي سيؤدي لإيجاد نموذج عربي طموح يمكن نقل ممارساته المثلى إلى الاقتصادات العربية.

5) توجهات رؤية 2030 بأهمية وأولوية الاستثمار النوعي في تمكين المملكة من الاستفادة من الفرص التي تتيحها الثورة الصناعية الرابعة، والاستثمار في الشركات الناشئة والأفكار الريادية والإبداعية ستؤدي إلى تطوير نوعي في بيئة التكنولوجيا والإبداع العربية خاصة في ضوء تزايد وتيرة الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي السعودي على العالم العربي.

6) استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في الدول العربية ستكون محفزا لزيادة استثمارات الدول العربية في الابتكار والإبداع والتكنولوجيا المتقدمة.

 

أشرت في حديث لك إلى أن الدول غير النفطية أدمنت على المساعدات.. ما هو السبيل في رأيك للخلاص من هذا الوضع القائم والدخول إلى اقتصاد جديد وماهي شروط هذا التحول؟

أعتقد أن الاعتماد على المساعدات هو من أهم التحديات التي تواجهها الدول العربية غير النفطية وتهدد استدامة واستمرارية اقتصاداتها، خاصة مع انخفاض أسعار النفط العالمية ولجوء كافة الدول العربية النفطية للاقتراض أو للسحب من فوائضها المالية لتلبية متطلبات الإنفاق الرئيسية لديها.

ومثلما بدأت الدول النفطية اليوم بتبني رؤى واستراتيجيات للتخلص من الاعتماد على النفط تحتاج الدول النفطية لبرامج إصلاحية هيكلية تخلصها من الاعتماد على المساعدات.

مثل هذه البرامج الإصلاحية تتضمن عددا واسعا من السياسات والتدابير التي تحتاج لحديث ومناقشات طويلة ولكن من أبرزها:

* تخفيض حجم الحكومة (إنفاقاً واستثماراً وتوظيفاً) مع توسيع وتحفيز حجم ودور واستثمار القطاع الخاص وتحوله لمبدأ المولد الرئيسي لفرص العمل.

* تحسين بيئة ومناخ الاستثمار وسهولة ممارسة الأعمال لجذب المزيد من  الاستثمار الأجنبي المباشر.

* تبني سياسات الانفتاح الاقتصادي وتعزيز وتحفيز الشراكات الاستثمارية والتجارية بين مؤسسات القطاع الخاص داخل الدولة ومع العالم الخارجي.

* إعادة هيكلة منظومة الإعانات والدعم لتقتصر على حماية الشرائح الفقيرة من المجتمع.

* تطوير منظومة ونوعية التعليم والتدريب لتخريج شباب مؤهلين وقادرين على العمل والإنتاج والمبادرة والريادة.

* تطوير الأنظمة والتشريعات الخاصة بسوق العمل لضمان حماية حقوق العمال وأصحاب العمل وتحفيزهم على الإنتاج والتطوير.

* الهدف الرئيسي لهذه السياسات وغيرها هو تحفيز النمو الاقتصادي وخاصة في القطاعات الواعدة والمحفزة لتوليد فرص العمل، وهو ما يحرك عجلة الاقتصاد ويولد المزيد من الإيرادات للميزانيات العامة للدول ويساعدها على تقليل الاعتماد على المساعدات أو القروض.

* تعزيز أسس الحاكمية الرشيدة (الشفافية والمشاركة والمساءلة والمحاسبة واستقلالية القضاء وسيادة القانون والحريات).

ما تشهده العلاقات الخليجية العربية من إعادة هيكلة نحو استبدال موضوع الدعم المالي بالاستثمار المباشر في المشاريع التنموية والخدمية والبنية التحتية يتوقع أن يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد وتحفيز النمو، وهو فرصة ينبغي اقتناصها من قبل الدول العربية غير النفطية للتخلص من الاعتماد على المساعدات وضمان قوة ومنعة واستدامة اقتصاداتها.

ما هو تأثير ما يسمى “الربيع العربي” على الاقتصاديات وهل شكلت معوقات أمام صانع القرار في اتخاذ قرارات مهمة خشية تهم تتعلق بالمحاباة والفساد؟

 

انتشار الفقر والبطالة والجهل والشعور بالتهميش وغياب العدالة هي من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ما يعرف بثورة “الربيع العربي”، مدفوعة بالتطور الكبير في استخدام ثورة الاتصالات وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي.

مطالب  الشباب العربي بمجملها واقعية ومنطقية ولكن كانت نتائجها كارثية ولم تقتصر على الدول التي حدثت فيها ثورات “الربيع العربي” (مصر وليبيا وتونس وسوريا واليمن) بل تجاوزتها لتشمل كافة دول المنطقة. وقد قدرت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا) بحوالي 614 مليار دولار، تعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة بين عامي 2011 و2015.

هذا فضلاً عن أن ثورة “الربيع العربي” أجبرت العديد من الدول العربية إلى الالتزام بحجم كبير من النفقات الإضافية على شكل إعانات أو زيادات في الرواتب وهو ما أدى لأعباء مالية إضافية تهدد استقرارها المالي، كما أن خوف الحكومات كمؤسسات أو كأفراد أدى لتردد كبير في اتخاذ القرار وغياب كامل لعنصر المبادرة خوفاً من وقوع أي خطأ قد يعرضها للمساءلة الشعبية.

في كل يوم يمر على المنطقة تتزايد في حجم الخسائر والآثار السلبية الاقتصادية لثورات ” الربيع العربي” والتي طالت كافة القطاعات الاقتصادية في الدول وخاصة ما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي والاستثمار والبيئة الاستثمارية وتراجع الصادرات وانتشار البطالة وتراجع القطاعات الاقتصادية والدمار الذي تشهده البنية التحتية والمرافق العامة وفقدان الموارد البشرية المنتجة وإضاعة المزيد من الفرص لمعالجة الاختلالات الجذرية التي تعاني منها اقتصادات المنطقة.

ولكن يبقى السؤال الأهم، حتى في حالة انتهاء أعمال العنف والصراعات في المنطقة، فهل يمكن للاقتصادات الحالية العاجزة أن تعالج التداعيات والنتائج الكارثية التي تعاني منها الدول نتيجة ثورات “الربيع العربي”؟ وكم من الوقت تحتاج الشركات العالمية الكبرى للقدوم إلى المنطقة والاستثمار المجدي وخلق فرص العمل لعشرات الملايين من الشباب العاطلين في المنطقة؟

أعتقد أن المؤشرات تؤكد عدم نجاعة الحلول التقليدية الفردية القائمة على السياسات التقشفية ورفع الدعم في تمويل عملية إعادة الإعمار والتأهيل لدول الربيع العربي. وقد يكون من أكثر الأولويات التي تحتاجها المنطقة برنامج أو خطة تنموية عربية على غرار خطة مارشال التي أخرجت أوروبا من دمار ما بعد الحرب العالمية الثانية ووفرت البيئة الملائمة لنهضة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة في أوروبا. وبحيث يتم ذلك جنباً إلى جنب مع تبني سياسات اقتصادية محفزة للاستثمار وإصلاحات هيكلية للاقتصاد ونموذج جديد للتعليم والتنمية البشرية، مدعومة بمنظومة أمان تساعد على رفع مستويات معيشة الفقراء وحماية الطبقة الوسطى في هذه الدول.

أنت من المؤمنين بالخصخصة واقتصاد السوق الحر.. برأيك ما هي أفضل طريقة لتطبيق هذا النهج الاقتصادي مع مراعاة الجانب الاجتماعي خصوصا وأن غالبية الشعوب العربية اعتادت على فكرة الدعم من قبل الدولة وكذلك البحث عن وظائف حكومية؟

الخصخصة واقتصاديات السوق الحر هي توجه اقتصادي عالمي يتم تطبيقه من قبل غالبية دول العالم، وأثبتت التجارب والممارسات العالمية أهميته في تحقيق التقدم الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. اقتصاد السوق الحر هو وسيلة وليست غاية بحد ذاتها، وسيلة لجذب الاستثمار أو لتحسين الكفاءة والإنتاجية أو نقل وتوطين التكنولوجيا، ولا يعني بأي حالة من الحالات تخلي الدولة عن وظيفتها الاجتماعية وخاصة ما يتعلق بتوفير شبكة حماية كافية للفقراء وذوي الدخل المتدني، وتقديم الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية والاجتماعية النوعية لكافة شرائح المجتمع.

موضوع الدعم والإعانات التي تعودت الدول على تقديمها للمواطنين، أو ما يسمى بالعلاقة الريعية، لم تعد قابلة للاستدامة حتى في الدول النفطية، حيث تعاني الدول من جفاف الموارد المالية، كما أن الدراسات أثبتت أن الطريقة الحالية في توجيه الدعم والإعانات غير عادلة ويستفيد منها الأغنياء أكثر من الفقراء، ولا تساعد على تحسين الإنتاجية والكفاءة في الاقتصاد. الأساس هو توزيع الدعم لمستحقيه فقط، دعم مباشر للمستحقين وليس للسلع والخدمات هو ما يحقق التوزيع الأمثل للموارد ويضمن الحماية الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.

من الواضح أن دور التعليم في العديد من الدول العربية يعتمد على الكم وليس النوعية ولا يساعد على النمو الاقتصادي.. برأيك ماهي أهم المشاكل في هذا التعليم وما هو السبيل في تطويره لتعليم يدعم الخلق والابتكار؟

نعم صحيح… التعليم في العالم العربي حقق منجزات عديدة خلال العقود الماضية، تزايدت نسب الالتحاق بالتعليم العام والجامعي وانخفضت معدلات الأمية وتضاعفت معدلات التحاق الإناث بالتعليم، وتطورت مؤشرات البنية التحتية واستخدام الحاسوب والتكنولوجيا، ولكن كل ذلك يبقى في إطار المنجزات الكمية وليست النوعية.

على الصعيد النوعي لم تتحقق أي منجزات تذكر. فغالبية الدول العربية تحتل مراتب في أواخر دول العالم في الاختبارات الدولية في العلوم والرياضيات (TIMSS). بلغ متوسط علامة الدول العربية في اختبار العلوم للصف الرابع والتاسع 408 و436 وهي أقل من المتوسط العالمي البالغ 507 و503 لكل منهما على التوالي، وفي اختبار الرياضيات بلغ متوسط علامة الدول العربية 402 للصف الرابع و403 للصف التاسع وهي أقل ايضاً من المتوسط العالمي البالغ 505 و480.

ومع ما يشهده العالم اليوم من تطورات تسونامي التكنولوجيا والثورة الرقمية ستتغير شكل الوظائف في المستقبل، لن تقتصر مشكلة الاقتصادات العربية على موضوع توفير فرص العمل، بل حتى فرص العمل التي سيتم توليدها ستواجه مشكلة في عدم توفر مخرجات تعليمية بمهارات وقدرات تتلاءم معها.

أعتقد بأن مواجهة هذا التحدي يتطلب تبني نموذج جديد وغير تقليدي للتعليم يركز على تسليح الطلبة بمهارات إدارة وتقييم المعلومات والبيانات، مهارات الترميز أو ما يسمى coding، مهارات التواصل الفعال والتفكير النقدي والقدرة على حل المشكلات، مهارات القدرة على التفكير الريادي والابداعي المستقل. وبحيث يترافق ذلك مع سياسات حكومية توفر بيئة داعمة للإبداع والرياد الشبابي وبيئة اقتصادية واجتماعية محفزة للاستثمار وخاصة في الشركات الناشئة.

 

قلت في أحد محاضراتك إن قتال “داعش” لم يبدأ عملياً، وأشرت إلى أن الحرب على داعش تبدأ من خلال الحرب على الطائفية التي تمزق المجتمعات؟

محاربة تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية هي عملية ينبغي أن تتسم بالشمولية وتعالج جذوب الأسباب المحفزة لظهور مثل هذه التنظيمات المسلحة. فحتى لو نجحت الحرب على تنظيم ” داعش ” وغيره من التنظيمات الإرهابية وخاصة في سوريا والعراق وليبيا ، فإن هذا النجاح سيبقى محدود الأثر، الجذور الأساسية والأسباب الكامنة وراء نهضة هذه التنظيمات المتطرفة والعوامل المحفزة لانتشار إيديولوجيتها لدى الشباب العربي ما تزال قائمة بل ومتزايدة.

تراجع فرص الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والتدخلات الخارجية في المنطقة وانتشار الظلم والفقر وبطالة الشباب، وغياب المشاركة والشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص وانتشار الفساد وتدني نوعية التعليم وما ينتج عنها من شعور بالتهميش والإحباط وفقدان الأمل للشباب العربي، كلها عوامل تشجع الشباب على التوجه نحو التطرف والعنف.

الكثيرون يتحدثون عن أزمات العرب التي تجعلهم في تراجع مطرد على مستويات اقتصادية وسياسية واجتماعية وقد أشرت إلى أن هناك ثلاثة أسباب وراء هذا التراجع.. غياب المواطنة القوية، واقتصاد منتج ودولة مستقرة.. هل يمكن أن تشرح للقراء أهمية هذه العناصر الثلاثة؟

مبادئ المواطنة والاقتصاد المنتج والاستقرار في الدولة هي جزء من منظومة متكاملة لدولة الرفاه الحديثة.

عندما نتحدث عن المواطنة الفاعلة فإننا نتحدث عن التفاعل في منظومة الحقوق والواجبات للمواطن. فمثلما على الدولة أن توفر وتحمي الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمواطن، فعلى المواطن أيضاً أن يقوم بواجباته باحترام الدستور والقوانين، وبذل أفضل ما لديه للحفاظ على ممتلكاتها والدفاع عنها وتنميتها، ودفع الضرائب والالتزامات المترتبة عليها قانوناً. والمواطنة الفاعلة هي عنصر أساسي للتوصل إلى اقتصاد منتج وقادر على توفير فرص العمل والعيش الكريم للمواطنين… المواطنة والاقتصاد المنتج هي مكون أساسي لضمان قوة النسيج الاجتماعي للدولة وبالتالي هي من تحمي وتصون استقرار الدولة وتدافع عن أمنها ومصالحها.

تحدثت عن أهمية الإصلاح السياسي في الدول العربية ولكنك أكدت على أن هذا الإصلاح لا يجب أن يكون وصفة جاهزة قادمة من الغرب بل يجب أن يراعي الظروف المحلية؟ هل يمكن التوسع في هذه الفكرة خصوصا وأن المطالبات بتبني النهج الديمقراطي لا تنقطع؟

أنا أؤمن أن لكل دولة ظروفها وخصوصيتها ومنظومتها الاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية التي تؤثر في نموذج الإصلاح الخاص بها، ولكن في الوقت نفسه هنالك العديد من الدروس المستفادة من الممارسات العالمية الناجحة التي ينبغي الاستفادة منها.

منطقتنا العربية في أمس الحاجة إلى تطبيق نموذج إصلاحي خاص بها وينبع من الداخل ويتلاءم مع خصوصيتها وظروفها وطبيعة مجتمعها ومنظومة القيم والأخلاقيات الخاصة بها، ولكن تأخر العالم العربي في تبني أي نموذج للإصلاح هو الذي دفع العالم المتقدم لطرح وصفات جاهزة على دول المنطقة لتبنيها.

اعتقد بأن الدروس العالمية المستفادة تحتم على كل دولة عربية تبني مجموعة من المبادئ الإصلاحية المتوافقة على نجاعتها وأهميتها لتكون جزءا أساسيا من نموذجها للإصلاح، مثل الانفتاح الاقتصادي وتحرير الاقتصادات والأسواق العربية، الشفافية والمساءلة والمحاسبة ومبادئ الحاكمية الرشيدة، المشاركة والتنمية السياسية، وحرية الإعلام، واستقلالية ونزاهة القضاء، تكافؤ الفرص وسيادة القانون…الخ.

أما فيما يتعلق بالتنفيذ فقد يكون لكل دولة ظروفها الخاصة التي تحدد سرعة هذا الإصلاح، ولكن بنهاية المطاف فإن وجود رؤية اقتصادية وسياسية للإصلاح هي السبيل الأمثل لتطوير العالم العربي من جهة وفي الوقت نفسه الحد من التدخلات الخارجية بفرض نماذج ووصفات إصلاحية جاهزة من جهة أخرى.

درست في أعرق الجامعات مثل لندن للاقتصاد وجورج تاون.. ما هو المانع لوجود مثل هذه الجامعات في الدول العربية التي تراجعت بشكل واضح فيها المؤسسات التعليمية؟

خلال السنوات العشر الماضية قامت العديد من الدول العربية باستقدام بعض الجامعات الغربية وخاصة الأميركية والفرنسية والألمانية إلى المنطقة، ولكن للأسف لم تتم الاستفادة منها لتطوير أداء الجامعات المحلية ومخرجاتها.

ما قلته في موضوع التعليم العام ونوعيته وأن منطقتنا العربية بحاجة إلى نموذج جديد وغير تقليدي للتعليم، ينطبق على التعليم العالي والجامعات. توفير بيئة تشريعية وتنظيمية وإدارية ملائمة ومنظومة حوافز اقتصادية واجتماعية داعمة، وسياسات للتعليم العالي تنهض بمستوى الجامعات العربية وتجذب أعرق الجامعات العالمية سواء مباشرة إلى المنطقة أو من خلال اتفاقات للتعاون وشراكات مع المراكز الأكاديمية والبحثية العالمية، والأهم من ذلك كله استعادة المواهب العربية التي تعمل في أعرق الجامعات العالمية، هي السبيل للنهوض بالتعليم العالي والجامعات في المنطقة.

يطرح دائما سؤال قديم جديد في وسائل الإعلام وبين الناس مفاده: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا، والسنوات الأخيرة برز سؤال آخر مفاده: لماذا تأخرنا وتقدم الشرق.. برأيك ما هو الجواب على هذا السؤال الذي يتكرر صداه منذ عقود؟

من الصعب تعميم فكرة تطور الغرب والشرق وتخلف العالم العربي بشكل عام، طبيعة الدول وظروفها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحدد إلى حد كبير مستوى التطور المتحقق، ولا يمكن التعامل مع المنطقة العربية بهذا المنظور وفق قاعدة التعميم. لدينا دول عربية حققت منجزات ملموسة على طريق التقدم مقارنة بدول أخرى ما تزال عاجزة عن مواكبة التطورات العالمية. ولكن بشكل عام فإن من أبرز العوامل التي أعاقت التقدم في المنطقة:

1) غياب النموذج الإصلاحي الاقتصادي والسياسي.

2) ضعف الحريات الفكرية والسياسية.

3) غياب العقل المدبر والمخطط في الدولة الذي لم يتمكن من استغلال الطاقات والخبرات والموارد الهائلة والتوظيف الصحيح لها لخدمة التقدم والرفاه.

4) غياب الأطر المؤسسية للمشاركة (تهميش وعدم مشاركة شريحة كبيرة من المجتمعات العربية (الشباب، المجتمع المدني، القطاع الخاص، المرأة…الخ).

5) القيود السياسية والدينية التي حالت دون الانفتاح على العلوم والمعرفة وتسخيرها لخدمة الإنسان العربي.

6) بيئة طاردة للمواهب والكفاءات (هجرة العقول العربية إلى العالم الغربي).

7) غالبية دول المنطقة تمر بأزمات وصراعات سياسية وعسكرية وفكرية منذ عقود طويلة، وهو ما أدى إلى تركيز جزء كبير من مواردها المالية والبشرية نحو الإنفاق العسكري أو الريعي على حساب مرتكزات النهضة والتطور.

ما رأيك في أسعار النفط الحالية، وإلى أي حد ترى أنها تعبر عن العرض والطلب الحقيقيين؟

النفط هو منتج استراتيجي يؤثر على كافة مناحي الحياة في العالم، وأعتقد بأن أمن الطاقة العالمي يعتمد على ضمان توفر كميات كافية من النفط الخام في الأسواق العالمية، بمقدار متوازن لا يقل فيه العرض بشكل يؤدي لزيادات فجائية في الأسعار، ولا يزيد العرض بشكل يؤدي لتدهور الأسعار. وفق هذه المعادلة يمكن الوصول إلى مستويات أسعار معقولة تحفز النمو الاقتصادي العالمي وتخدم مصالح الدول المصدرة والمستهلكة للنفط، وتحقق عوائد مناسبة للاستثمارات النفطية الجديدة.

على صعيد الأسعار فهنالك الكثير من العوامل السياسية والاقتصادية التي تؤثر على جانبي العرض والطلب من النفط وبالتالي أسعاره العالمية، واعتقد أن ما تقوم به دول الخليج العربية اليوم وخاصة المملكة العربية السعودية من خطط إصلاحية للتخلص من الاعتماد على النفط هو الأهم. ففي عالم اليوم لم تعد الموارد الطبيعية هي الأساس الرئيسي للنمو والإنتاج بل تفوقت عليها عناصر المعرفة والتكنولوجيا والإبداع. رؤية 2030 هي الرد الطبيعي لأكبر دولة منتجة في العالم ومتأثرة بأسعار النفط على أهمية أسعار النفط.

بصفتك خبيرا في الصيرفة الاستثمارية هل ترى أن الصيرفة الإسلامية أخذت حقها في الدول العربية، وما توقعاتك المستقبلية لها؟

شهدت عمليات التمويل أو الصيرفة الإسلامية نمواً كبيراً خلال السنوات الماضية، وبدأت تشكل أداة رئيسية لتمويل التنمية ليس على صعيد المنطقة فحسب بل على مستوى العالم، حيث تضاعف حجم الأصول المالية الإسلامية في العالم من 490 مليار دولار عام 2010 إلى 940 مليار دولار عام 2015. ولكن الملاحظ أن عمليات الصيرفة الإسلامية ما تزال مقتصرة على دول محددة، حيث إن 93% من إجمالي أصول قطاع الصيرفة الإسلامية تتواجد في تسعة دول هي السعودية والبحرين وقطر وإندونيسيا وماليزيا والإمارات وتركيا والكويت وباكستان. أما في باقي الدول العربية فإن مساهمة هذه الأداة التمويلية ما تزال محدودة.

أتوقع في المستقبل نمو وتنامي الطلب على الصيرفة الإسلامية خاصة مع تأثر بدائل التمويل الأخرى بالتقلبات الاقتصادية العالمية، ومقدار استفادة الدول من هذه الأداة التمويلية يعتمد على قدرتها على توفير البيئة التشريعية والتنظيمية والموارد البشرية المؤهلة لتحفيز انتشار هذا النوع من التمويل.

إلى أي حد ترى أن الاقتصاد العالمي لا يعاني من أزمة مالية، وإن كانت بدرجة أخف من تلك التي شهدها في 2008؟

أعتقد بأن الاقتصاد العالمي لا يعاني من أزمة كتلك التي شهدها العالم عام 2008، ولكنه لا يزال في طور التعافي وبطء النمو، حيث لم يتجاوز متوسط النمو الاقتصادي السنوي العالمي خلال الفترة 2008-2016 ما معدله 3.2%، وهو معدل متدنٍ بالمقارنة مع الفترة 2000-2007 والذي بلغ حوالي 4.5%. هنالك أيضاً تراجع واضح في معدلات نمو حركة التجارة العالمية، حيث انخفض متوسط معدل النمو السنوي لتجارة السلع والخدمات العالمية من 7.3% خلال الفترة 2000-2007 إلى 3.1% خلال الفترة 2008-2016. وهو ما يعكس تزايدا في القيود على حركة التجارة العالمية.

ولكن الحقيقة الأبرز التي يشهدها الاقتصاد العالمي هي التغير الواضح في موازين القوى لصالح الدول الآسيوية. فعلى صعيد حجم الاقتصاد ومع النمو الكبير الذي تشهده الصين والهند وإندونيسيا، سنرى خلال فترة قريبة الاقتصاد الصيني والهندي يهيمنان على المراكز الأولى على العالم من حيث حجم الناتج.

وعلى صعيد التجارة شهد العالم خلال الفترة الماضية تغيرات كبيرة على صعيد القوى الرئيسية المسيطرة على حركة التجارة العالمية ، حيث ارتفع نصيب الصين من حجم الصادرات العالمية بشكل واضح من 4.5% عام 2002 إلى حوالي 34% عام 2015، كما ارتفع نصيبها من إجمالي المستوردات العالمية من 4.4% عام 2000 إلى 19.9% عام 2015، وبقابل ذلك انخفاض نصيب القوى الاقتصادية الأخرى وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي (28 دولة) واليابان في كل من الصادرات والمستوردات العالمية.

من وجهة نظرك ما هي التغيرات المتوقعة على مسار الاقتصاد العالمي بعد انتخاب ترمب، وتطبيق رؤيته خلال فترته الرئاسية؟

شخصية الرئيس ترمب وطريقته في العمل والطاقم الذي يعمل معه وأولوياتهم مختلفة عن الرئيس السابق أوباما. من وجهة نظري الرئيس ترمب يعطي أولوية كبيرة لمحاربة الإرهاب والتطرف وسيكون لذلك تأثير كبير على تحالفاته وعلاقاته مع دول المنطقة، وهو بالتأكيد يخدم أهداف دول الاعتدال العربي وسيكون لذلك دور مهم على صعيد حل العديد من الأزمات والصراعات في المنطقة، وهو ما سينعكس إيجابا على اقتصاديات المنطقة والاقتصاد العالمي خاصة مع الأهمية الجيوسياسية الهائلة للمنطقة وسيطرتها على حركة التجارة بين الشمال والجنوب.

التخوف الرئيسي من وجهة نظري يتركز على خلق قيود تجارية إضافية وخاصة على التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين، ولكن أعتقد بأن طاقم الاقتصاديين المؤهل المحيط بترمب سيتعامل بحذر مع تنفيذ أية سياسات أو توجهات بهذا الخصوص. ولكن في حال حصلت مثل هذه الإجراءات التجارية الانتقامية التي لوح بها ترمب خلال حملته الانتخابية فإنها بالتأكيد ستكبح حركة النمو الاقتصادي العالمي.

ما هي تحديات خلق الوظائف في الدول العربية، وما هي القرارات التي يجب أن تتخذها الحكومات؟

معدلات البطالة في المنطقة العربية من أعلى معدلات البطالة في العالم، وتصل إلى حوالي 29% وهي أكثر من ضعفي متوسط معدل البطالة في العالم البالغ 13.3%، كما أن نسبة المشاركة في سوق العمل متدنية وتبلغ 49.8% بالمقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 62.9%، هذا فضلاً عن تدنٍ شديد في متوسط مشاركة الإناث في سوق العمل في المنطقة العربية والذي لا يتجاوز 22.3% بالمقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 49.6%.

تحتاج المنطقة العربية خلال السنوات العشر القادمة إلى توفير 60 مليون فرصة عمل جديدة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وفي حال التوجه لرفع معدلات المشاركة الاقتصادية وخاصة مشاركة المرأة فإن العدد المطلوب من فرص العمل سيتزايد.

مواجهة هذا التحدي الكبير يتطلب العمل بمسارين متوازيين، الأول يتعلق بتحقيق الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تحفز النمو والاستثمار (مضاعفة معدلات النمو) لتمكين الاقتصادات العربية من توليد فرص العمل اللازمة، والتحدي الثاني والأهم يتعلق بالتعليم والتدريب ومدى قدرة النظام التعليمي والتدريبي لتخريج عمالة مؤهلة ومتسلحة بالمهارات والقدرات اللازمة لشغل فرص العمل المستحدثة.

وباعتقادي أن أحد المداخل الرئيسية لمعالجة تحدي النمو يتمثل في توجه الصناديق السيادية العربية لاستثمار جزء من موجوداتها في المنطقة العربية. لدينا اليوم صناديق سيادية عربية تمتلك موجودات تزيد عن 3 تريليون دولار، وغالبيتها تستثمر في العالم بمعدلات عائد متدنية، وفي حال تخصيص فقط 10% من هذه الموجودات للاستثمار في المنطقة العربية فإن هذا يعني نتائج كبيرة على صعيد النمو والتوظيف والفقر وتعزيز الصادرات والإنتاجية…الخ.

بصفتك وزير تخطيط سابقا، ومستشارا اقتصاديا، إلى أي حد ترى أن حكومات المنطقة نجحت في التخطيط لنمو اقتصادي مستدام؟

استعراض معدلات النمو المتحققة في كافة الدول العربية طوال العقدين الماضيين يظهر بوضوح أن النمو غير مستدام، لأسباب عديدة منها ما يتعلق بالاعتماد على موارد محدودة لتحفيز النمو في الدول النفطية (النفط) أو بسبب عدم تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الاقتصادية والاجتماعية وتطبيق مبادئ الحاكمية الرشيدة المطلوبة في كل من الدول النفطية وغير النفطية.

تحقيق معدلات النمو الاقتصادي المستدامة تتطلب نموذجا جديدا للتعليم ونموذجا جديدا للاقتصاد يعتمد على المعرفة والإبداع والريادة بدلا من الموارد، نموذج جديد لإدارة الدول يقوم على مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة وسيادة القانون والحريات، وبيئة تشريعية وتنظيمية ومالية تحفز القطاع الخاص على النمو والتصدير والإنتاج والتوظيف، وهو ما تفتقده جميع الدول العربية للأسف.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com