فيلادلفيا نيوز
مسكوت عنه مش معناه مو موجود، الإساءة الجنسية عنف خلف أبواب مغلقة”.. هو أحد الشعارات التي اتخذتها حملة “علَّم لا تعلّم” للتوعية من مخاطر وتبعات العنف الجنسي على الأطفال.
الحملة، التي أطلقها المجلس الوطني لشؤون الأسرة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تستهدف رفع الوعي للحد من العنف ضد الأطفال، تضمنت بمحاورها قضايا العنف والإساءة الجنسية ضد الأطفال بما فيها الإساءة الجنسية الإلكترونية.
وفي وقت يبقى فيه الحديث عن الإساءة الجنسية ضد الأطفال من المحرمات الاجتماعية، يدعو مختصون إلى ضرورة تعزيز برامج التوعية الاستباقية والحماية للأطفال من هذا النوع من العنف، موضحين أن “الإساءة الجنسية رغم أنها موجودة لكن الإشكالية الأساسية تتعلق بضعف التبليغ عنها”.
وكانت قضية الطفل، ذي السبعة أعوام، والذي تعرض للاعتداء الجنسي والقتل على يد شخص معروف للعائلة وجار لهم الشهر الماضي بمنطقة سفح النزهة، قد احيت دعوات سابقة بضرورة تعزيز برامج الحماية من العنف الجنسي الواقع على الاطفال.
قضية الاعتداء الجنسي على طفل “سفح النزهة” أثارت الرأي العام لبشاعتها وارتباطها بجريمة قتل لاحقا، لكن مقابل تلك الحالة، ثمة العديد من الحالات الأخرى التي تقع فيها اساءات جنسية مختلفة، تتراوح بين إساءات “بسيطة” وأخرى شديدة تصل حد الاغتصاب، لكنها تبقى في الخفاء دون تبليغ.
حالات مسكوت عنها
تروي معلمة إحدى المدارس الخاصة تجربة مرت بها بالتعامل مع طفلة مساء لها جنسيا من أحد أقارب والدها. تقول: “كانت بالصف الثالث، بدا لي واضحا التغيير اللافت بسلوك وطباع الطفلة.. بدت انطوائية وتراجع مستواها الدراسي بشكل لافت، بعد عدة محاولات أسرّت لي الطفلة بتعرضها لنوع من الاساءة الجنسية ضمن إطار العائلة الممتدة”.
تتابع المعلمة، التي طلبت عدم نشر اسمها، “مسؤوليتي كمعلمة كانت تبليغ إدارة المدرسة، تم استدعاء كلا الوالدين لايجاد حلول بالتنسيق مع المرشدة التربوية، يبدو أن الخبر حل كالصاعقة على العائلة، بعد عدة أيام عادت الطفلة وأنكرت كل ما قالته لي سابقا، حتى أنها، وبتقديري تحت ضغط من أسرتها، أنكرت أمام المشرفة أن تكون قد أسرّت بأن إساءة جنسية وقعت عليها”.
وتزيد “يبدو ان الطفلة ووالدتها خضعتا لضغط أسري لكتم القضية، اتمنى ان تكون العائلة قد تصرفت بحكمة لما فيه مصلحة الطفلة”.
حالة أخرى وصلت لها “الغد”، هي لأم فضلت عدم التبليغ عن الاساءة الجنسية الواقعة على طفلتها، تقول الأم: “كانت بنتي تنزل كتير عند بنت الجيران، هم أجيال نفس العمر 6 سنوات وقتها، بس البنت إلها أخ مراهق، كنت اعتبر أن بنتي في أمان وفي رقابة من جارتي، بعد سنة خبرتني بنتي عن ممارسات بينها وبين ابن الجيران، انصدمت. الممارسات كانت بتوصل حد جناية هتك العرض”.
دفعت تلك الحادثة الأم لطلب المساعدة من اخصائية نفسية، واستشارت محامي لتقديم شكوى لدى الجهات الأمنية، تقول الام “المحامي ما نصحني أقدم شكوى لانه التبليغ رح يكون بعد سنة من الحادثة، وما في أي دليل ملموس على الاعتداء الجنسي”.
وتشير إلى أن المحامي نصحها بان القضية على الأغلب ستخسر لنقص الأدلة، وان ابنتها ستتعرض للمعاناة النفسية مرة أخرى باستذكار التجربة القاسية خلال فترة التحقيق والاستجواب. وقالت “نصحني المحامي أن أركز على العلاج النفسي وتمكين بنتي لمواجهة الأزمة وضمان ان لا تتكرر الحادثة وأنسى موضوع المحاكم”.
“كل يوم بلوم نفسي، كنت اعتبر الجيران عيلة، يمكن كمان قصرت بتوعية بنتي من الاساءة الجنسية، كنت أعتقد أنها مهمة المدرسة وانه بعدها صغيرة على هيك مواضيع”، تضيف الأم.
تشير أرقام محكمة الجنايات الكبرى، التي حصلت عليها “الغد”، الى وجود 50 قضية منظورة حاليا أمام المحكمة لغاية الشهر الماضي، تتعلق باعتداءات جنسية مختلفة على الاطفال، من بين هذه القضايا تم الفصل بنحو 28 قضية، 14 من تلك القضايا صدر بها حكم براءة بحق المتهم.
يقول مصدر قضائي، طلب عدم نشر اسمه لـ”الغد”، ان نحو نصف القرارات المفصول بها هذا العام “صدر بها حكم براءة”، وانه “غالبا ما تكون تتراوح النسبة السنوية للإدانة في هذا النوع من الجرائم بين 30 الى 40%”.
ويبين أن السبب في تدني نسبة الإدانة هو “أن نسبة لا بأس بها من هذه القضايا كيدية، كتلك المتعلقة بخلافات عائلية، كما ان نسبة اخرى يتم تبرئة المتهم فيها لعدم كفاية الأدلة، لأسباب تتعلق بتقديم الشكوى بعد مدة من الاعتداء وغيرها”.
في مقابل أرقام محكمة الجنايات حاولت “الغد” الحصول على احصائية ببلاغات الإساءة الجنسية الواقعة على الاطفال من ادارة حماية الاسرة، التابعة للامن العام، لكن لم يتسن الحصول على المعلومات، في وقت كان مدير ادارة حماية الاسرة العقيد عطاالله السرحان صرح في وقت سابق، بان العام 2016 شهد تسجيل 8800 حالة عنف ضد امرأة وطفل، تتعلق بأنواع العنف المختلفة، الجسدي والنفسي والجنسي والعنف الإلكتروني، نحو نصفها متعلقة بالأطفال. لكن السرحان لم يتطرق بحديثه إلى تفصيلات تلك الشكاوى.
من جانبه، يقول الناطق باسم مديرية الامن العام المقدم عامر السرطاوي إن “ادارة حماية الاسرة تتعامل مع مختلف القضايا والشكاوى والاعتداءات الجنسية، وتحقق فيها من حيث الاستماع للشكوى والتحويل للطب الشرعي والنفسي، وبعد استكمال كافة التحقيقات ترسل لمحكمة الجنايات”.
يؤكد السرطاوي أن “الأرقام لدى حماية الاسرة لا تعكس الواقع ولا حقيقة القضايا، كون تلك القضايا تبقى ادعاءات ويتم التوسع بالتحقيق فيها لدى الجنايات الكبرى، ويتبين لديهم بعد إصدار قرار الحكم أن بعضها واقعي أو كيدي وفي حالات اخرى تحول لتصنيف جرمي آخر”.
في ظل غياب أي معلومات رسمية محدثة من الجهات الرسمية حول حالات العنف الجنسي الواقعة على الأطفال وطبيعة الاشخاص المسيئين، فإن الاشكالية، بحسب مختصين، تقع في جانبين، الأول وقائي لجهة ضعف برامج التوعية الموجهة للأطفال وأسرهم في ظل سيطرة ثقافة الخجل وعدم المعرفة لدى الأهل بالتعامل مع هذا النوع من القضايا.
أما الجانب الآخر فهو المتعلق باجراءات الحماية والعلاج بعد وقوع الاعتداءات، اذ تلجأ نسبة كبيرة من الأسر إلى عدم التبليغ وذلك خوفا من الوصمة الاجتماعية التي تلحق بالضحية، وبسبب ضعف الخدمات النفسية والاجتماعية المقدمة للضحايا.
غياب للأرقام الرسمية المحدثة
وكان آخر تقرير رسمي، وحمل عنوان “العنف ضد الأطفال في الأردن” صدر في العام 2007 عن المجلس الوطني لشؤون الاسرة ومنظمة “يونيسيف”، حيث اشار الى أن “واحدا من كل ثلاثة أطفال تعرض لنوع من انواع التحرش الجنسي من قبل كبار أو أصدقاء أو زملاء في المدرسة”.
يشير ذات التقرير كذلك الى أن نسبة تعرض الاطفال الذكور للإساءة والتحرش في الحي وخارج المنزل أعلى من تعرض الفتيات للإساءة، كما ان نسبة تعرض الفتيات للإساءة الجنسية داخل الاسرة أعلى منها مقارنة بالذكور.
في هذا السياق، توضح مديرة برامج الحماية والطفولة المبكرة في “يونيسيف” مها الحمصي انه رغم أن حالات الاساءة الجنسية ضد الاطفال موجودة “لكن يبقى الحديث عنها من المحرمات”.
وتتابع: “غالبا ما تلجأ العائلات الى توعية أطفالها من مخاطر التعامل مع الغرباء، كما تكون الحماية أكبر للفتيات”. لكنها تنبه هنا الى ان “الواقع أن الاعتداءات تحصل في كثير من الاحيان من قبل أشخاص معروفين لهؤلاء الأطفال، كما ان الاطفال الذكور أكثر عرضة للتعرض للاعتداءات في الحي والأماكن العامة، لأنه يوجد حماية أكبر للفتيات”.
وتشير الحمصي الى ان على الاهل توعية أبنائهم كيف يحمون أنفسهم “بتعريفهم بكيفية اللمس الطبيعي واللمس غير الطبيعي وكيف يحمون الاجزاء الخاصة من الجسد”.
وتقول: “خطورة الاساءة الجنسية أن آثارها مدمرة على الأطفال، فالأخطر من الأثر الجسدي هو الأثر النفسي، هذا الامر يتطلب بحال حدوثه معالجة تعتمد على النهج الشمولي، عبر تقديم الدعم النفسي للطفل الضحية، وكذلك لأسرته في الحالات التي يكون بها الاعتداء من داخل الأسرة”.
وتشير الحمصي إلى نوع آخر “لا يقل خطورة”، هو العنف الجنسي والاستغلال عبر شبكات الانترنت، وتقول “هناك حاجة لإيجاد دراسات حول حجم المشكلة وتحديد هؤلاء الاشخاص الذين يعمدون الى استغلال الاطفال أو التنمر عليهم”. لافتة الى ان “اليونيسيف” اطلقت خطة اعلامية بالشراكة مع المجلس الوطني لشؤون الاسرة للحد من العنف ضد الاطفال وهي خطة ستستمر لمدة 3 اعوام.
وتوضح: “قبل أسابيع أطلقنا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “علّم لا تعلم”، تستهدف جمهور الشباب لتوعيتهم من مخاطر العنف على الأطفال، وقد تعرضت لأنواع العنف ومن بينها العنف الجنسي”.
تركز الحملة في تناولها لمسألة العنف الجنسي على مشكلة ضعف التبليغ، أحد شعارات الحملة تقول “مسكوت عنه مش معناه مو موجود، الاساءة الجنسية عنف خلف أبواب مغلقة”.
تعرف الحملة العنف الجنسي بالتحرش، الإجبار أو توريط الطفل على القيام بممارسات جنسية، بصرف النظر أكان الطفل مدركا لذلك ام لم يكن، ويمكن ان تكون من بالغ لطفل او من طفل لآخر، وغالبا ما تكون من شخص مسؤول عن الطفل أو شخص موضع ثقة مثل فرد من العائلة او قريب أو معرفة.
الفجوة في الخدمات وضعف التبليغ
وفي حديثها حول اشكالية ضعف التبليغ في حالات الاعتداءات الجنسية تقول الحمصي “للأسف تخشى العائلات غالبا من ردود الفعل كتحميل اللوم للطفل الضحية وأسرته، كما ان العائلات تتخوف من السير في اجراءات الملاحقة القانونية”.
وتضيف “اليونيسيف مع شركائها حاليا تعمل على دراسة نوعية الخدمات المقدمة بادارة الحالات المتعلقة بالأطفال ضحايا العنف للوقوف على الفجوات ومعالجتها بطريقة منهجية”.
في هذا السياق، تشير مديرة مجموعة القانون لحقوق الانسان المحامية ايفا أبو حلاوة الى احدى حالات الاساءة الجنسية التي تعاملت معها، “كانت الحالة بين أبناء عمومة، الضحية كان في السادسة من العمر أما الجاني في الثانية عشرة من عمره”.
وتتابع “رفضت العائلة الخوض باجراءات الملاحقة القانونية بحق الجاني، كانت تخشى من الوصمة التي قد تلحق بالطفل الضحية بحال عرف الأمر، كما كان لدى العائلة تخوف من طبيعة التحقيقات والاجراءات التي قد تتسبب بصدمة أخرى للطفل فضلا عن ان الاسرة فضلت عدم تصعيد الأمر خصوصا ان المُعتَدي هو ابن عم المعتدى عليه”.
لجأت العائلة لطلب خدمات المتابعة النفسية والعلاج النفسي لكلا الطفلين فضلا عن فرض عقوبات اجتماعية على الحدث المعتدي، تضمنت حرمانه من الخروج من المنزل وقطع المصروف عنه، الى جانب التأكد من انقطاع العلاقة بشكل تام بين المعتدي والمعتدى عليه.
تلفت أبو حلاوة الى ان “الامتناع عن التبليغ يعد سمة بارزة في حالات الاعتداءات داخل الاسرة وبين الاقارب”.
القاضي، الذي فضل عدم نشر اسمه، يؤكد أن “غالبية الحالات التي تتعامل معها محكمة الجنايات في الاعتداءات الجنسية يكون المتهم معروفا لدى الطفل، كأن يكون من ذات الحي أو جارا أو غير ذلك، لكن عدد الحالات التي يكون بها المسيء من ذات الاسرة قليل جدا”.
يلفت القاضي الى حالة نادرة تعامل معها، حيث كان المعتدي بها شاب عشريني اعتدى على شقيقته الرضيعة، التي كانت في ذلك الوقت ما تزال تلبس حفاضة الاطفال، حكم على المتهم وقتها بجناية هتك العرض.
ويتابع “ما ساهم في تثبيت الحكم على الأخ الجاني وجود السائل المنوي على حفاظة الطفلة، ربما لو لم يكن هذا الدليل موجودا لكان من الصعب الحكم بإدانة الجاني”.
ويزيد “من الخبرة في التعامل مع هذه القضايا فان المسؤولية الاكبر في الوقاية من هذه الحالات تقع على عاتق الأسرة والمدرسة، الرقابة مهمة جدا على الاطفال.. عدم تركهم لوحدهم وكذلك توعيتهم بالحفاظ على أجسادهم بطريقة تناسب أعمارهم، للمدرسة أيضا دور كبير ببرامج التوعية، هذا النوع من البرامج يتوجب تكثيفه وتعميمه على جميع الاطفال خصوصا بالمراحل الدراسية المبكرة”.
يلفت القاضي الى “الاثر النفسي السلبي الذي يتركه العنف الجنسي على الاطفال”، ويقول “بعض حالات الاعتداءات الجنسية على الذكور ترقى لان تكون اغتصابا، تلك الحالات تسبب أذى نفسيا كبيرا للأطفال وأنا مع تشديد عقوباتها”.
تشريعات قاصرة والإفلات من العقاب
نص قانون العقوبات للعام 2010 على بنود تشدد من العقوبة في الجرائم الجنسية الواقعة على طفل، تحديدا دون سن 12، بحيث يصل حدها الأعلى إلى الإعدام في حالات الاغتصاب والمواقعة، والحد الأدنى فيها 8 سنوات في حالات هتك العرض، فضلا عن إلغاء اسقاط الحق بهذا النوع من القضايا.
إضافة إلى ذلك جاءت تعديلات قانون العقوبات، التي اقرها مجلس الامة مؤخرا، لتعزز الحماية القانونية وتغلظ العقوبات في هذه القضايا. ونصت على اسقاط حق الولاية عن الولي المعتدي جنسيا على احد محارمه، كما الغت التعديلات المادة 308 التي كانت تمكن من الافلات من العقوبة بحال تزوج المعتدي من ضحيته في حالات الاغتصاب أو مواقعة قاصر بالرضا.
رغم هذه الانجازات، فان حقوقيين يرون قصورا في تشريعات اخرى تحديدا في مسألة تعريف جرم الاغتصاب. ويحصر قانون العقوبات جريمة الاغتصاب بمواقعة الأنثى دون رضاها، فيما يعتبر المواقعة المخالفة للطبيعة بهتك العرض.
وتنص المادة 292 من قانون العقوبات الخاصة بجرائم الاغتصاب أن “كل من واقع أنثى (غير زوجة) بغير رضاها سواء بالإكراه أو بالتهديد أو بالحيلة أو بالخداع، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس عشرة سنة، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة عشرين سنة إذا كانت المجني عليها قد أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها، وكل شخص اقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام”.
أما المادة 298 الخاصة بجريمة هتك العرض فتنص على معاقبة “كل من هتك بغير عنف أو تهديد عرض ولد – ذكرا كان أو أنثى- أكمل الخامسة عشرة ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره، او حمله على ارتكاب فعل هتك العرض، بالاشغال الشاقة مدة لا تزيد على عشر سنوات، ويكون الحد الأدنى للعقوبة خمس سنوات إذا كان المجني عليه قد أكمل الثانية عشرة ولم يكمل الخامسة عشرة من عمره”.
اما المادة 299 فتنص على معاقبة “كل من هتك بعنف أو تهديدٍ أو بدونهما عرض ولد – ذكرا كان أو أنثى – لم يكمل الثانية عشرة من عمره، أو حمله على ارتكاب فعل هتك العرض، بالأشغال الشاقة مدة لا تقل عن ثمان سنوات”.
يرى استشاري الطب الشرعي والخبير لدى منظمات الامم المتحدة في الوقاية من العنف ضد الاطفال الدكتور هاني جهشان أن “النص الحالي بتعريف جريمة هتك العرض هو افلات من العقوبة”، مبينا أن “الاغتصاب بالمفهوم المعرفي هو أي مواقعة دون رضا من أي من فتحات الجسم إن كان ذكرا أو أنثى”.
ويتابع “الحالة السريرية للطفل بعد التعرض للعنف الجنسي لا يتوقع ان ترجع للوضع الطبيعي مهما قدم له من رعاية نفسية واجتماعية، ويعتبر العنف الجنسي مدمرا لحياة الطفل كمرض السرطان”.
في السياق تشير أبو حلاوة الى اشكالية رئيسية تتعلق بضعف برامج الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وتبين “لا يوجد عدد كاف من أخصائيي العلاج النفسي لحالات الاطفال المتعرضين للاساءة”.
أما جهشان فيستعرض آثار العنف الجنسي كالعواقب الجسدية والمتعلقة بالإصابات بالمناطق التناسلية وامكانية الإصابة بالامراض الجنسية المعدية، كما تصل أحيانا الى الوفاة إن كان بالقتل خلال الاعتداء عليه لإخفاء التعرف على القاتل أو لدوافع نزوات شاذة، أو خلال الإجهاض غير القانوني للفتاة الحامل أو الوفاة بسبب انتحار المراهق بالناتج عن الكآبة كأحد عواقب العنف الجنسي.
كما تشمل العواقب، وفق جهشان، عواقب نفسية، إذ يرافق جميع حالات العنف الجنسي ضد الأطفال حصول عواقب نفسية وسلوكية إلى جانب الإشكاليات المتعلقة بالصحة الانجابية وامكانية تعرض الفتيات اليافعات للحمل.
ويتابع “نتيجة لتلك العواقب فان التعامل مع العنف الجنسي يوجب الوقاية منه قبل حدوثه بتوعية عموم المجتمع بكافة المراحل العمرية، وتقديم برامج خاصة لفئات المجتمع المعرضين للخطر أكثر من غيرهم للحيلولة دون وقوعه”.
غياب برامج التوعية
يرى جهشان ان هناك غيابا لبرامج التوعية “فشيوع ثقافة الخجل والتكتم والوصمة السيئة من التوعية الجنسية للأطفال تنتشر وتؤدي لغياب التوعية للأطفال في المنزل وفي المدرسة”.
ويلفت الى غياب تطبيق برنامج وطني مستدام لمنهاج الثقافة الجنسية المناسبة لمرحلة نمو الطفل، والذي يتم تجاهل تنفيذه من قبل وزارة التربية والتعليم والحكومة بسبب الخجل وثقافة العيب الشائعة بين التربويين كما هي في عموم المجتمع.
ويبين أن مسؤولية الحكومة تنفيذ هذه البرنامج وفقا لمرجعيات علمية مسندة بالبحث المتفق مع ثقافة المجتمع المحلي، وعلى الحكومة أيضا توفير برامج توعية والدية للأهل حول كيفية التعامل مع أطفالهم بما يخص المعرفة الجنسية.
ويرى جهشان انه من واجب الحكومة التخطيط والتنفيذ والرصد والتقييم لبرنامج مستدام للحماية من كافة اشكال العنف ضد الطفل بما فيها العنف الجنسي، يشمل المؤسسات التربوية والصحية والنفسية والاجتماعية والقانونية ومؤسسات المجتمع المدني، تهدف لنشر ثقافة حقوق الطفل والتوعية من المخاطر المحتملة والتثقيف الحقوقي والقانوني.
الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ومسؤولية الدولة
رغم الدور المهم للأسرة بحماية الأطفال من العنف بما في ذلك العنف الجنسي، لكن تبقى المسؤولية الرئيسية في حماية الأطفال هي مسؤولية الدولة، وفق جهشان.
بحسب المادة 34 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل “تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي. ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع: حمل أو إكراه الطفل على تعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع، الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة، الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة”.
بحسب هذه المادة تقع المسؤولية المباشرة في الوقاية الشاملة من العنف على الحكومة، لكل طفل يتواجد على أرض الدولة العضو، حيث أوردت الفقرة الأولى من المادة الثانية من اتفاقية حقوق الطفل “تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر”.