فيلادلفيا نيوز
هاتفته ذات صباح وطلبت منه تزويدي بدراسة عن النهضه الزراعية والمائيه ومشاريع الحصاد المائي في وطننا العزيز أيام الزمن الجميل في الستينيات من القرن الماضي … فقال معاليه على الفور :ابشر !! وقلت : يبشر نوّك !! اما عن الغرض من وراء تلك الدراسة فهو من شقين اولهما : ان يتأسى القيمون على شؤون الزراعة والمياه في بلدنا بالرواد الاوائل ويستفيدوا من تجاربهم وطريقتهم في التفكير والعمل .. لعّل وعسى !! اما الشق الثاني فهو تضمين تلك الدراسة في كتاب عن بهاء ورموز الزمن الجميل اياه وعلى وجه الخصوص تلك الحقبه التي عمل خلالها الشهيد وصفي التل رئيسا للوزراء .. وسوف يرصد ريع هذا الكتاب في حال صدوره لأحباب ( وصفي ) من فئة الفقراء والغارمين والغارمات !
ولم أكن أدري بأن أخي في الله والوطن والعروبه معالي الدكتور منذر حدادين مشغول بحصاد آخر طوله ثمانين حولا .. هو الحصاد الفكري والذي أسفر عن ميلاد ( أثر في الطريق ) .. هذا الكتاب القيمّ الذي قدمّ له دولة الدكتور عون الخصاونة والذي لم يترك من زيادة لمستزيد من حيث الاشادة بالكتاب وصاحب الكتاب حين قال : ( أن الكتاب الجيد لا يحتاج الى تقديم وليس لدي شك في ان الكتاب وكاتبه لا يحتاجان الى تقديم او تعريف.. فالدكتور منذر حدادين هو واحد من كوكبة من الرواد الذين كانوا نتاج نظام تعليمي حكومي يتصف بالجودة والنوعيه ولا ينجح فيه الا النجيب المجدّ.. و هؤلاء الرواد يتصفون بالذكاء والألمعية ولم يهبطوا بمظلات بل تدرجوا في المناصب نتيجة لجهد طويل في ما ينفع الناس ويمكث في الارض .
وللأمانة فقد أغناني الرمز الوطني الغالي دولة ( أبو علي ) عن الخوض في أبعاد وتفاصيل مسيرة طولها ثمانية عقود .. ووجدتني انصرف الى الحديث عن صانع الأثر بدلا من ( الأثر في الطريق ) الذي يتحدث عن نفسه ببلاغة وصدق ولسان عربي غير ذي عوج !!
ووجدتني استند في شهادتي المجروحة الى مفاصل ثلاثة اولها : برقية من خمس كلمات ..وثانيهما شكوى شفوية من كبير المفاوضين الصهاينة .. اما الثالث فيحكي عن عملية تسفير قسرية وموجعة قام بها رواد الفجر في قطر عربي شقيق !! نعم .. عملية ابعاد قسري لوحدوى قومي .. في زمن “المد القومي”!!
حاصله البرقية التي حملها البريد من عمان الى الولايات المتحدة في السبعينيات تقول (احضر حالا الى ارض الوطن .. التوقيع وصفي التل ) واستلم الدكتور منذر حدادين البرقية في وقت كان يرزح فيه تحت وطأة هزيمة عام 67 وتأثره الشديد بأحداث ايلول عام 1970 .. فهرع على الفور لتلبية نداء الرئيس التل .. وعاد الى ارض الوطن في اول طائرة تاركا وراءه عمله الناجح في مركز بحوث هندسية شهير .. وتاركا ايضا الدلال الذي كان يحظى به هناك … وتاركا خطيبته وزوجة المستقبل لأن الوطن أهم .. وفوق الجميع !!
اما الواقعة الثانية فقد وردت على لسان رئيس الوفد الصهيوني المفاوض الذي استشاط غضبا من اداء الدكتور منذر حدادين اثناء المفاوضات وجهر بشكواه أمام دولة الدكتور عبد السلام المجالي حيث قال: يا دولة الباشا ان الدكتور منذر يتصرف وكأنه المنتصر في حرب عام 67 .. فنحن الذين انتصرنا في المعركة مع ما يستتبع من وضع شروطنا نتيجة لذلك .. لكن السيد حدادين قلب المعادلة وتصرف وكأنه هو المنتصر !! وهذا لا يجوز !! وبعد أن أسمعه ( الباشا ) جوز كلام قاسي أومأ الى الدكتور منذر بالرد على المفاوض الصهيوني .. وكان جواب حدادين أكثر قسوة حين قال : يا روبنشتاين .. اذا كانت معركة السلاح قد خذلتنا عام 67 فان معركة الأدمغة التي نخوضها الان كفيلة بأن نأخذ ثأرنا منكم ودليلي في ذلك هذه الشكوى وتلك المماثلة التي باح بها اسحق رابين امام جلالة الحسين طيب الله ثراه ذات يوم في ختام المفاوضات !!
اما الثالثة والموجعة فقد وردت في كتاب ( أثر في الطريق ) وبالتحديد في الصفحة التي تحمل الرقم (139 ) وها انذا اقتبس ما خطّه الدكتور حدادين وبالحرف الواحد اذ يقول: ( كنت ادرس في جامعة الاسكندرية حين طلب الي عنصر المخابرات المصري ان احضر حقيبتي استعدادا لمغادرة البلاد .. وأعددت حقيبتي على عجل وحملتها خارجا برفقه رجال المخابرات الى الشارع لأجد سيارة تكسي يجلس في مقعدها الخلفي زميلنا فهد السلفيتي المبعد من العراق من قبل ” الزعيم الأوحد”عبد الكريم قاسم ما غيره !!وفي حضن (فهد) عود .. وكان جاهزا مع عوده للتسفير !!
أوصلتنا السيارة الى سجن الأجانب وتم ادخالنا الى السجن .. وكل ما حققوه معنا هو تدوين الاسم وأفراد العائلة دون أية أسئلة أخرى … وفي اليوم التالي جاء مدير المخابرات في الاسكندرية ( سي مرزوق ) وقال لي بالحرف الواحد : انت بس اديني بتوقيعك برقية تأييد للرئيس عبد الناصر وأنا سأخرجك من هذا السجن !!فقلت : لا يا سي مرزوق لن يكون لك ذلك .. فأنا غير مؤيد للرئيس جمال عبد الناصر في عزوفه عن الوحدة مع الشام والعراق !!
وبقيت رهن الاعتقال مع زملائي الخمسة في سجن الأجانب كي يتم تسفيرنا الى بيروت !! انتهى الاقتباس .
اه يا وجع القلب !!اه يا معصما وحدويا .. ذبحه السوار القومي !!
ايها المعصم المقهور .. ايها الوحدوي الموزون .. لا تقلق .. فالخلل يا رفيقي في الميزان وليس في الموزون ورفاقك البرره !!
نعم الخلل في الميزان وليس في الموزون ..!!
يا وجع القلب ثانية !! الان أدركت يا أخي في العروبه الدكتور منذر انه ليس مصادفة ولا عبثا حين اخترت لحن( الطلاسم ) لتعزفه وجعا قوميا من نياط القلب مع الشاعر العربي الكبير (ايليا ابو ماضي) .. وها انذا اشاطركما الوجع والعزف على ذات اللحن الموجع .. وترانا نهز رؤوسنا – نحن الثلاثه- حزنا ووجعا لاطربا وابتهاجا … ونردد:
وطريقي .. ما طريقي ؟ أطويل ام قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه و أغور
أأنا السائر في الدرب ام الدرب يسير
ام كلانا واقف والدهر يجرى ؟
لست ادري!
وفي الختام اقول : تعب المشوار .. وتعب الدرب يا رفيقي من خطانا المتعبه !! نحن ندري..!! ..نعم هذا بعض ما ندريه !! وما خفي أقسى وأعظم