فيلادلفيا نيوز
فازت المرشحة الفرنسية، اودري ازولاي، مساء اليوم الجمعة، في انتخابات المدير الحادي عشر لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، في العاصمة الفرنسية باريس، على حساب منافسها القطري، حمد بن عبد العزيز الكواري.
وحصلت أزولاي على 30 صوتا مقابل 28 للكواري.
وقبل ذلك بساعات، هزمت المرشحة الفرنسية، منافستها المصرية، مشيرة خطاب، لتتأهل إلى الجولة النهائية وتنافس الكواري.
وحصلت أزولاي على 31 صوتاً مقابل 25 صوتاً لخطاب من أصوات المجلس التنفيذي الـ58، فيما كانت هناك ورقتان فارغتان.
وضاعت فرصة العرب مرة أخرى، وضاع الموقع الثقافي الأرفع دولياً، رغم أن مرشح قطر كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق اختراق لا سابق له، بالفوز بمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (يونسكو)، ليكون أول عربي يشغل هذا الموقع الرفيع، وهو ما حققه في الجولات الأربع الأولى بتصدره نتائج الاقتراع، قبل أن تنقلب الصورة في الجولة الأخيرة، ويثبت العرب مرة أخرى إخفاقهم وانقساماتهم، فالعربي سيظل “يحمل في داخله ضدا”.
الإخفاق العربي ظل متواصلاً طيلة العقود الماضية، لنيل هذا المنصب، فظل الانقسام العربي حاضراً في كل معارك اليونسكو التي خسرها العرب دائماً، وظهر جلياً في خضم الأزمة الخليجية المتواصلة منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي، والحصار المفروض على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومعها مصر.
الكواري الذي كان حتى شهر يونيو/ حزيران الماضي مرشح مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل أن تجري مياه كثيرة، باندلاع الأزمة الخليجية وفرض الحصار على قطر، حيث حاربت دول الحصار مرشح قطر، الذي أعلنت الدوحة ترشيحه لمنصب المدير العام لليونسكو في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2015، وكان يشغل آنذاك منصب وزير الثقافة والتراث والفنون.
وفي الثلاثين من مارس/ آذار 2016، أعلن الكواري ترشحه باسم دولة قطر لمنصب الأمانة العامة لليونسكو، خلال احتفال رسمي في باريس بحضور شخصيات دبلوماسية وسياسية وثقافية عربية وفرنسية وعالمية، وتبعه في أواخر أغسطس/ آب 2016، إعلان دول مجلس التعاون الخليجي الست دعمها لترشيح الكواري لإدارة الـ”يونسكو”.
وكاد الكواري أن يكسر القاعدة، ويصبح مرشح العرب الوحيد في أهم منظمة دولية تعنى بالتربية والثقافة والتراث، لولا أن أكدت القاهرة قاعدة “الانقسام”، فأعلنت في شهر يوليو/ تموز 2016، ترشيحها للسفيرة مشيرة خطاب لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، وهو المنصب الذي حاولت مصر الحصول عليه عام 2009 وفشلت، وخسر مرشحها آنذاك وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني.
وإلى جانب المرشح القطري الكواري، والمرشحة المصرية خطاب، ترشح الوزير اللبناني السابق وأستاذ العلوم السياسية، غسّان سلامة، من دون تسميةٍ من بلده، قبل أن ينسحب، فيما رشّح لبنان مواطنته فيرا خوري، كما انسحب المرشح اليمني أحمد الصياد، وهو سفير بلاده في اليونسكو، من الترشيح، فظل المرشحون الثلاثة وظل الانقسام العربي حاضرا. كما انسحب صالح الحسناوي (العراق) لصالح المرشحة المصرية.
المرشح الكواري لم يخف خلال جولاته الانتخابية، التي أخذته إلى معظم الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي في اليونسكو ممن يحق لها التصويت في الانتخابات، أنه مرشح العرب لهذا الموقع الرفيع، وأن ترشحه يمنح فرصة تاريخية للعرب والمسلمين، ويعد اختباراً، أيضاً، للدول المتقدمة، حتى تعبّر عن صدقية مضامين إيمانها بالتنوع وقبول الآخر، لأجل تحقيق تكافؤ الفرص في قيادة المنظمة.
كما اعتبر أن “إدارة عربي لهذه المنظمة العتيدة يمنح الإنسانية أملاً جديداً في التقارب والتقدم، ويعطي الشعارات البراقة وهجاً حقيقياً”.
ومما طرحه الكواري في برنامجه الانتخابي، سعيه إلى بناء “جيل اليونسكو” الذي يعتبر الثقافة بوصلته في سياق فشل السياسات وشيوع اليأس والإحباط في مناطق عدة من العالم، موضحاً أن “الأمل يُغرس كبذرة في العقول الحية والمتطلعة بحماستها إلى تغيير صورة العالم نحو الأفضل. وليس أفضل من الشباب ليحمل هذه البذرة، وهي مشعل يسلمه جيل إلى الأجيال القادمة. وهذا لن يرى النور، من دون تجسيم انطلاقة جديدة لليونسكو”.
فرصة العرب الضائعة، الكواري، هو مثقف ودبلوماسي قطري قدير، مثّل بلاده في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية، وشغل عدداً من الوظائف والمسؤوليات المهمة، آخرها منصب وزير للثقافة في بلاده.
بدأت مسيرته المهنية عام 1972، حيث شغل في الفترة ما بين عامي 1972 و1974 وظيفة قائم بأعمال قطر في لبنان، وبين عامي 1974 و1979 أصبح سفيراً لبلاده في سورية، قبل أن يعيّن في عام 1979 سفيراً لدولة قطر في فرنسا وسفيراً غير مقيم في كلّ من إيطاليا واليونان وسويسرا، ومندوباً لدى اليونسكو، ثم أصبح مندوباً لدولة قطر لدى الأمم المتحدة (نيويورك)، وسفيراً غير مقيم في الأرجنتين وكندا والبرازيل خلال الفترة ما بين عامي 1984 و1990.
وانتقل في عام 1992 من الحقل الدبلوماسي إلى الوزاري، حيث تولى حقيبة وزارة الإعلام والثقافة في قطر من 1992 حتى 1997، ثم عين مرة أخرى وزيراً للثقافة والفنون والتراث في قطر في يوليو/تموز 2008، كما أعيد تعيينه في الوظيفة نفسها في التشكيل الوزاري في 26 يونيو/حزيران 2013، قبل أن يغادر الموقع الوزاري عام 2015، ويترشح لليونسكو.
وبالإضافة إلى تلك الوظائف، تولى الكواري عدداً آخر من المهام، من بينها: نائب رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة (العضو المنتدب) وعضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول الخليج العربي، وعضو مجلس إدارة معهد قطر راند للسياسات، ومؤسّس مشارك لمركز الدوحة للإعلام، ورئيس مجلس الحكماء بالمركز، ورئيس اللجنة العليا لاحتفالية الدوحة عاصمة للثقافة العربية، ورئيس الدورة السابعة عشرة لمؤتمر وزراء الثقافة العرب 2010.
والكواري، الذي له العديد من المؤلفات، من بينها كتاب “جدل المعارك والتسويات”، و”كتاب المعرفة الناقصة”، يؤكد دائماً أن “التراث هو إحدى ركائز هوية الأمم، وضمير الإنسانية الحي”. ويرى أن التحديات التي تمر بها “اليونسكو” تجعلها في حاجة لانطلاقة جديدة تتّسم بالإبداع في الطرح لتحقيق أهدافها النبيلة، ولذا كان شعار حملته، “نحو انطلاقة جديدة”، وذلك لاستعادة المبادئ الرئيسيّة التي أرساها المؤسسون.
ولد حمد بن عبد العزيز الكواري في 1 يناير/كانون الثاني 1948 في الغارية بقطر، وتلقى تعليمه بالإضافة إلى بلده قطر، في عدد من الدول العربية والغربية، من بينها لبنان ومصر وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل عام 1970 على ليسانس في الدراسات العربية والإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
وحصل في عام 1980 على دبلوم الدراسات العليا من الجامعة اليسوعية في العاصمة اللبنانية بيروت، ثم حصل أيضاً في العام 1980 على ماجستير في الفلسفة السياسية من جامعة السوربون بباريس، ثم على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ولاية نيويورك (ستوني بروك) في العام 1990.
حاز الكواري على العديد من الأوسمة خلال مسيرته الدبلوماسية، منها: وسام الشرف من فرنسا عام 1984، وأوسمه الاستحقاق من كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسورية والأردن، بالإضافة إلى وسام من ملكة هولندا ووسام من جمهورية بولندا، وقد فاز بجائزة رجل التراث العربي العام الماضي 2016، وهي أهم جائزة يمنحها “المركز العربي للإعلام السياحي”.
وتعد قطر من أكبر الدول الداعمة لأنشطة المنظمة الدولية في العالم، حيث أطلقت برنامج “علم طفلاً”، الذي وصل إلى 10 ملايين طفل في أكثر الأماكن احتياجاً للتعليم، فضلاً عن مبادراتها العديدة لتوفير التعليم للفئات المحتاجة في العراق. وقدمت قطر أيضاً، دعماً مباشراً لليونسكو بقيمة 10 ملايين دولار، لدعم التراث العالمي، كما سبق لها أن دعمت اليونسكو في الثمانينيات من القرن الماضي، حينما تعرضت لأزمة مالية، ووقفت إلى جانبها في محنتها وأنقذتها من التعثر.