السبت , نوفمبر 16 2024 | 7:05 ص
الرئيسية / كتاب فيلادلفيا / سعود السويهري: عقدة الذنب

سعود السويهري: عقدة الذنب

فيلادلفيا نيوز

العينان اللتان تراقبان عقارب الساعة، وتتمنيان دائمًا إرجاعها للوراء.. والإبصار الذي يصل متأخرًا.. والشعور الدائم بأنك قمت بشيء خاطئ، أو ستقوم به!

والشعور بالذنب والخزي والعار والخجل من الذات.. كلها إشارات لما يسمى بـ”عقدة الذنب”.

ولقد واجه علماء النفس أزمة خلال محاولة تعريفهم لهذا المفهوم نظرًا لتقاربه وتداخله مع مفاهيم سكيولوجية أخرى، مثل: الخزي، والندم، والحرج. فتعددت تعريفات “عقدة الذنب”، فبحسب الباحثة “دانيا الشبؤون”: “الشعور بالذنب هو عبارة عن ألم نفسي داخلي يشعر به الفرد، ويكون على هيئة حوار بينه وبين ذاته، أو حوار بين (الأنا) و(الأنا الأعلى) بلغة التحليل النفسي، يناقش ارتكاب المرء للذنوب والآثام، وقد تكون هذه المشاعر وهمية مبالغًا فيها، فلا هي ترتبط بخطأ واضح ولا واقعي. ويتسبب في تحويل نظرة المرء إلى ذاته سلبًا، فيميل إلى تحقيرها والاشمئزاز منها، وربما يقل لدرجة اللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية”.

ومع أن الشعور بالذنب يُعد جزءًا رئيسيًا من التكوين النفسي للإنسان، ذلك أن وجود “النفس اللوامة” يعني بأن الضمير الإنساني ما زال حيًّا؛ إلا أن المبالغة والإفراط في لوم النفس وتأنيبها بشكل مستمر يؤدي لتبعات غير محمودة، فالشعور المبالغ فيه بالذنب قد يؤدي إلى عدد من الاضطرابات النفسية مثل: الاكتئاب، اضطراب الوساوس، الأفعال القهرية، وكرب ما بعد الصدمة. كما يترتب على عقدة الذنب مشاعر القلق، وصعوبة النوم، وفقدان الاهتمام، وصعوبة التركيز، والانسحاب الاجتماعي. كما تجعل هذه العقدة صاحبها يشعر بانعدام قيمته، بل وقد تتفاقهم آثارها لتجعل صاحبها يقوم بمعاقبة نفسه نتيجة أفعاله.

ولهذه العقدة العديد من المسببات التي تسهم في تكوينها، ومن أهم هذه المسببات: القلق، وخبرات الطفولة والتنشئة التي تتهم الطفل دائمًا وتخطّؤه، والمعايير الثقافية الصارمة، والتقاليد الدينية، والضغوط الاجتماعية.

ويتخذ الشعور العميق بالذنب العديد من الأنماط والأشكال، أبرزها: الذنب الطبيعي وهو استجابة طبيعية لقيام الشخص بفعل خاطئ،  ويمكن أن يتجاوزه من خلال تقديم اعتذار، أو تغيير سلوكه.

أما الذنب غير التكيفي فهو شعور الشخص بالذنب تجاه أمور خارج نطاق سيطرته، وهناك الأفكار المفعمة بالذنب وتعني شعور الشخص بالذنب تجاه أفكار خاطئة تراوده فيلوم نفسه عليها حتى وإن لم يقم بها، والذنب الوجودي والذي يعني الظلم المعقد الذي ينشأ بسبب انتشار الظلم في الحياة، وعدم قدرة الشخص على تغييرها.

ومن المهم جدًا أن تتم السيطرة على حالات الشعور “بعقدة الذنب” والسعي لعلاجها؛ ليتخلص الشخص من هذه المشاعر المرهقة التي قد تؤرق حياته، وتفقده القدرة على السعي وراء أحلامه وطموحاته.

وهناك العديد من السبل والطرق لعلاج هذه العقدة، ولا ضير أبدًا من طلب المساعدة للتخلص منها، ومن أبرز سبل علاج “عقدة الذنب”: العلاج النفسي المعرفي والسلوكي، ويتضمن مساعدة الشخص على إدراك أفكاره السلبية ومحاولة استبدالها بأخرى إيجابية، ويمكن الاستعانة بالأدوية المضادة للاكتئاب والقلق بجانب العلاج النفسي.

ومن الضروري أن يقوم الشخص الذي يشعر بالذنب دائمًا بمحاولة التسامح مع ذاته والتعلم من أخطائه وقبولها، وأن يتقبل ضعفه وعجزه عن التغيير أحيانًا..

وختامًا؛ تذكّر دائمًا بأن ضميرك الحي نعمة الله، فلا ترهقه بتحميله فوق طاقته.. وأنه لا بأس بهامش بسيط من الخطأ البشري فالكمال لله وحده! فلا تسمح لعقدة الذنب أن تسحبك نحو جلد الذات والابتعاد عن باب التوبة المفتوح دائمًا.

بقلم / سعود ساطي السويهري

أخصائي نفسي ومستشار أسري بمركز تعارفوا للإرشاد الأسري

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com