فيلادلفيا نيوز
هيثم جابر
(النّصّ الشهيد والقارئ الرّقيب)
سليم النجار
توطئة
الأسير جمال علي جابر
ولد في قرية حارس قضاء سلفت بتاريخ ١٠/ ١٢/ ١٩٧٤
درس في مدرسة حارس الثانوية، اعتقل اول مرة بتاريخ ١٧/ ٣/ ١٩٩٣
وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين أمضاها كاملة، اعتقل مرة اخرى بتاريخ ٢٠/ ٢/ ١٩٩٥ بتهمة تنفيذ عمليات ضد المحتل الإسرائيلي
وحكم عليه بأربع سنوات وخمس سنوات مع وقف التنفيذ.
أكمل دراسته وحصل على الثانوية العامة والتحق في الجامعة قسم الإعلام واعتقل قبل تخرجه للمرة الثالثة بتاريخ ٢٣/ ٧/ ٢٠٠٢ وحكم عليه ٣٣ عام وامضى لغاية الآن ١٤ عام
وتابع تعليمه الجامعي للمرة الثانية لكن هذه المرة في السجن والتحق في جامعة الأقصى في قطاع غزة التعليم عن بعد ودرس في قسم التاريخ.
أهم مؤلفاته رواية الشهيدة
وديوان شعر زفرات في الحرب والحب.
يُعتبر العنوان على قدر عال من الأهمية وتنْبعُ هذه الأهميَّةُ من كونه أوَّل ما يُصافحُ ناظريْ المُتلقَّي وأوَّل ما يجبُ الترَّكيز عليْه وتحليلهِ باعتباره عتبة نصيَّة ذات حمولة دلاليَّة كثيفة تختزل معاني النصّ، إذ يُجسَّدُ العِنوان أعْل اقْتصاد لُغوي مُمكن وهذه الصِّفة على قدْر كبير من الأَهَميَّة، وعلى الرغم من بنْيته اللُّغويَّة شديدة الاخْتِزال فهو يُؤسِّس ضرْبًا من العلاقة التَّفاعُليَّة التبادُليَّةِ في آن بيْن المرْسل “المؤلف” والمرْسل إليْه “المُتلقِّي” فالأوَّل يُعلنُ ويُثيرُ فُضول القارئ والثَّاني يُفسِّرُ ويُبيِّنُ ويُزيلُُ هذا الغموض.
في صميم هذه الثنائية تتنزل قراءتنا في مقدمة رواية” الشهيدة” للأسير هيثم جابر مترسّمين ملامح النّصّ الرّوائّي الّذي يُولَد – كما يشي بذلك خطاب المقدمة – كاشفا طبيعة المحتل الإسرائيلي الذي هو خصما موتورا، (إلا مرد هذا الخوف والقلق على سلمى ليس فقط الإحتلال وأعوانه، لكن السبب الحقيقي لهذا الخوف هو ذلك الحلم الذي كانت تراه أم سلمى كل ليلة منذ أن رأى وجه سلمى النور، حيث كانت ترى سلمى يمامة بيضاء تحلق بجناحيها في السماء ص١٤).
فكانت مقدمة “الشهيدة” بمثابة إنارة حقيقية لنصّ الرّواية لولاها لما وقفنا على حقيقة موقعه من التّحوّلات الطّارئة على الرُواية العربية الفلسطينية وما تُحيل عليه مرجعيّا من تحوّلات إجتماعية وسياسيّة هزّت المنطقة العربيّة وساهمت في صياغة رُؤى فكرية مواكبة لتلك التّحولات وما حف بها من أشكال صراع بين ما أعتُبر من قبيل الثّوابت وبين قُوى التّغير وفي مقدمتها الدفاع عن فلسطين كقضية عربية وإنسانية، (أريد القتال معكم ٠٠٠ والموت معكم والله إنه لشرف كبير أن نموت من اجل فلسطين قال مشيل العطار، وأضاف ٠٠٠ ورب المسيح والعذراء سوف نريهم ما رأوه يوم الكرامة.
استعدوا يا رجال ٠٠٠ الله أكبر٠٠٠ الله أكبر ص٣٧- ٣٨).
إنَّ الإشكال الذي تطرحه العتبات النصيّة في رواية “الشهيدة” لهيثم جابر (سيرة الشهيدة سلمى) لا يقف عند حدود الغلاف الخارجي فهي- العتبات – تُثير احتمالات دلاليَّة تفْتحُ للقارئ أفق انِتِظار، إمَّا للمُساءلة أو لإعادة فهْم منْطق الحكاية وهو ما يدفع القارئ إلى الغوص في متن الرواية والنبش في جزئياتها عله يجد جوابا لما يؤرقه من أسئلة لن يجد لها جوابا إلا بانفصال النص عن كاتبه والبحث عن قارئ متأوِّل يُعيد خلقهُ من جديد (أريد فقط أن أعرف لماذا يخون هؤلاء شعبهم وبلدهم ؟ لماذا يقبلون أن يكونوا عملاء للمحتل أخي أحمد؟ أتمنى لو افهم هؤلاءص٢٥٣).
لقد وزع الكاتب الملفوظ السردي في روايته على ٣٢٥ نصا جعل لكل نص منها عنوانا، وجعل من هذه النصوص بمثابة وحدات منغلقة قائمة بذاتها، (لا تزال أمواج شعرها الذهبية تداعب عينيه لحظة استيقاظ صباح طلتها، وهي ذاهبة إلى المدرسة، كلها حيوية وعنفوان، تعانق وجه الأفق بجمالها الأخاذ، وورودها الفتية التي تشبه الصباح ذاته لحظة انبلاجه، واثناء ابتسامة الشمس ص٢٤٢).
إنَّ غِياب الميثاق السيرذاتي عن هذا الأثير للشهيدة سلمى ينمُّ عن غياب وعي السَّارد بخصوصيات الكتابة الذاتَية واتجاه نيته منذ البداية نحو تدوين ذكرياته عن الشهيدة وسرد قصة حياتها دون تصور ائتلافي متأصِّل في المشروع السيرذاتي فالاهمُّ في تصوَّر الكاتب الكشْف عن تفاصيل حياتها وتخليد ذكرها (أنا أعمل معكم يا قتلة؟!! يا حثالة البشر!! وانت أيها اللقيط سوف تدفع ثمن فعلتك أنت والعاهرة التي ساعدتك ٠٠ أقسم على ذلك ٠٠ والله أفضل الموت ألف مرة على أن اعمل معكم يا كلاب ص٣١٢).
إن استعمال القوى النفسية الكامنة (الأتوماتزمات النفسية، اللاوعي، الحلم) خارج رقابة العقل وفي مواجهة القيم المكتسبة،
فكان على الكاتب أن يستعمل مختلف الأدوات البلاغية المساعدة على إبتكار الصور التي تتيحها تلك التوجهات، وأن يلجأ إلى التورية والإستعارة وسائر سبل التشبيه حتى ينتزع السلطة من اللغة (كانت الساعة العاشرة والنصف صباحاً بتوقيت السجن، حيث يغلق الزمن آمال القاطنين هناك في سجن عسقلان ص١٠٦).
فالرواية تحاول بالكلمات أن تعوَّض غياب الكلمات فيضطر إلى اللجوء إلى الفاظ لإطلاقها على معان غير معانيها الأصيلة أو الإصطلاحية او إلى صور يماثل أفكار الكاتب (ومن خيوط الشمس إن رست فوق مرافئ خدها، كانت هذه الرحلة عادة يومية لا تلاحظها سلمى أبداً، لأن عقلها وقلبها مرهون لهدف واحد وفكرة واحدة، وعقيدة واحدة٠٠٠ وهي فلسطين ص٨٢).
يا لأصائل الخريف كم هن قارسات! إي نعم٠ كم هن قارسات حتى الألم! وأنت تقرأ رواية “الشهيدة” للروائي الأسير هيثم جابر، إذ ثمة أحاسيس عدا بغموضها لا يلغي البتة حدتها، كما ليس ثمة من شيء أحدّ من اللانهاية.
تركت سلمى الشهيدة سؤالاً من تحب أكثر؟ أأمك أم أباك؟ أم أخاك؟ أم التي جمعتهم كلهم فلسطين؟ نترك الإجابة للقارئ.