فيلادلفيا نيوز
يُحلّل رئيس الوزراء الأردني المرحوم سعد جمعة ، المولود في الطفيلة لأُسرة من اصول كردية (1916-1979) في كتابه ” مجتمع الكراهية” طبعة الدار الاهلية للنشر 2001 ، (300 صفحة ) الأسباب التي تؤدي بالمجتمعات العربية الى نكوص القيم وتحولها الى ” مجتمعات كراهية” ، وما يستتبعه ذلك من هزيمة امام المشاريع الخارجية التي تستهدف الدول العربية ومن اهمها اشارته الى هزيمة حزيران 1967 .
الكتاب الذي صدر لاول مرة عام 1971 يتناول ظروف ونشأة الصراع العربي -العربي والتنافس الحاد بين القيادات والأنظمة العربية والأحزاب والمنظمات المتصارعة في سوريا والعراق ومصر .
في بداية حديث يقول المرحوم سعد جمعة ” مجتمع الكراهية ، هو المجتمع العربي ، بقّضه وقضيضه..بأنظمته، ومنظماته وافراده ..كل رئيس يكره كل رئيس ، كل قائد يكره كل قائد ، كل حزب يكره كل حزب ، كل منظمة تكره كل منظمة، تنسحب الكراهية على كل شيء ، وتغطّي كل شيء..”
ويواصل سعد جمعه سرديته لواقع المجتمع العربي ، بما فيه الأردني بقوله ان من اسباب اللعنة والنكبات والمآسي سيادة “.. الخِواء الفكري والجَدب الروحي وضباب الرؤية وتعدد الولاءات والانتماءات ” وهو الامر الذي يدفع كثيرا من ” كرماء القوم ” للإختفاء حتى ” يسلم شرفهم فلا يبقى في الدفة غير الصبية والصعاليك ..”.
الواقع العربي المرير قبل هزيمة حزيران كان مشبعا بالكراهية فالأحزاب التي حكمت العراق صفّت معارضيها ، وكذلك الأمر في سوريا ومصر، والمناداة بالحرية والوحدة والاشتراكية كانت شعارات جوفاء” فلا حرية ولا وحدة ولا اشتراكية ” ، والتنازع كان كبيرا، وظهور الانعزالية والطائفية وحب الزعامة الفردية كلها عوامل ساهمت في الهزيمة.
وافضل ما ينطبق على واقعنا المرير اليوم اشارته القوية الى تغير مواقف السياسيين خارج السلطة وعندما يستلمونها بقوله ” نكون خارج السلطة وطنيين احرارا وابطالا بسيوف ورماح، ونكون داخل السلطة قطّاع طرق وعصابات لصوص ، والوطن والمواطنون عندنا مطيّة متعة ووسيلة ارتزاق وانتفاع !!! “.
اما الحوار الفكري والإشتباك الإيجابي بين المؤيدين والمعارضين فهو غير موجود في ” مجتمع الكراهية” حيث ” يصبح الحوار انكارا مطلقا لا مقارعة رأيٍ برأي ومعارضة حجة بحجة ”
ويعرِضُ سعد جمعه عددا من قصص الصراع بين رؤساء الوزارات في الاردن قبل 1970 واتهاماتهم لبعضهم بعضا ” ..بالفساد والرشوة والمحسوبية والسرقات والصفقات والتفريط في اموال الدولة ” .
الكتاب ، بمجملة ، صرخة ، من رئيس وزراء و مفكرٍ كبيرٍ له العديد من المؤلفات ، على الواقع العربي والأردني وما كان يستشعره من اسباب الإبتلاء والإستلاب والفجيعة الوطنية وتراجع القيم وانخفاض منسوب الثقة بالمؤسسات وتسخيف كل شيء حتى لا يعود المواطن يُميّز بين الغثِّ والسمين، بين الوطنيّ والمدعي، بين المنتمي والإنتهازي المتلون حسب مصالحه ، وبين المعارضة الوطنية الجادة وبين ” تمثيل ” المعارضة من الطامحين بالمناصب والاثراء ، بين الخائف على وطنه وبين الخائف على ارصدته المالية في البنوك .
هل تغير الحال من مجتمع الستينيات الى اليوم ، بعد ستين عاما من كتابة الكتاب؟ !!!