فيلادلفيا نيوز
منذ بداية القضيّة الفلسطينيّة، وقف الأردنيّون موقفاً داعماً للفلسطينيّين؛ عسكريّاً وسياسيّاً وماليّاً واجتماعيّاً وإنسانيّاً، حيث بدأت أولى الحِراكات الأردنيّة المقاومة للاحتلال البريطانيّ أوّلاً، وللهجرة اليهوديّة إلى فلسطين ثانياً، منذ معركة تلّ الثعالب الّتي قادها الشهيد كايد المفلح العبيدات عام 1920.
وبعد ذلك عُقدت مؤتمرات سياسيّة أردنيّة رافضة للهجرة اليهودية إلى فلسطين، وإلى الأردن، ومن بينها مؤتمر أمّ قيس الّذي وضع اللبِنات الأولى لقيام إمارة شرق الأردنّ، مروراً بالدعم الماليّ والسلاح للفلسطينيّين في عشرينيّات القرن الماضي، وفي ثورة العام 1936 حيث نشطت العشائر الأردنيّة في دعم المقاومة الفلسطينيّة.
وكان للجيش الأردنيّ الدور الكبير في الحفاظ على الضفة الغربية والقدس الشرقيّة من الوقوع تحت الاحتلال عام 1948، رغم ضعف الإمكانيّات العسكريّة والماليّة وضعف الدعم العربيّ وأخطاء القيادة البريطانيّة للجيش آنذاك، إلّا أنّ إصرار القيادة الأردنيّة على الصمود وهمّة وشجاعة العسكر وقادة الكتائب العسكريّة، ومن بينهم حابس المجالي وعبداللّه التلّ ومحمود العبيدات شكّلت نقطة رئيسيّة في الحفاظ على الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة.
ومن المهم الإشارة إلى أن الملك المؤسّس الشهيد عبداللّه بن الحسين، طيّب اللّه ثراه، قدّم روحه من أجل القضيّة الفلسطينيّة، إذ اغتيل وهو يصعد درجات المسجد الأقصى في 20 تمّوز 1951
كما قدّم الأردن آلاف الشهداء من الجيش العربي، ومن المتطوعين المدنيين دفاعا عن عروبة فلسطين وعدالة قضيتها في كل الحروب التي خاضها، كما استشهد كل من رئيس الوزراء الشهيد هزاع المجالي عام 1960 ورئيس الوزراء الشهيد وصفي التل عام 1971 نتيجة مواقفهما الداعمة للقضية الفلسطينية حيث كان الشهيد وصفي التل يؤمن إيمانا قاطعا بضرورة العمل العسكري والسياسي من خلال انتفاضة شعبية طويلة الأمد داخل الأراضي المحتلة.
وفي عهده، شكّل الملك الحسين بن طلال حالة مهمّة في دعم القضيّة الفلسطينيّة والمقاومة بالدعم العسكريّ والدبلوماسيّ والسياسيّ وصولاً لاحتضان منظّمة التحرير الفلسطينيّة، في الأردن، منذ انطلاقتها العام 1964 ثمّ الانتصار الكبير في معركة الكرامة الخالدة في 21 آذار 1968 دفاعاً عن الأردنّ وعن المقاومة الفلسطينيّة.
ويذكرُ كثير من العسكريّين الأردنيّين الّذين خدموا في ستّينات القرن المنصرم كيف كانت مدفعيّة الجيش العربيّ الأردنيّ تقصف المواقع العسكريّة الإسرائيليّة لتغطّي العمليّات الفدائيّة الّتي تنفّذها المنظّمات عبر الحدود الأردنيّة، وتساهم في تأمين انسحابهم بعد تنفيذ العمليّات.
وكان الهمّ الكبير والأوّل للمرحوم الملك الحسين بن طلال هو عودة الأراضي المحتلّة وتأسيس الدولة الفلسطينيّة المستقلّة وعاصمتها القدس وبذل كلّ جهد في سبيل ذلك والأحداث الكثيرة شاهد عيان على مرحلة الملك الحسين.
ومنذ تسلّمه سلطاته الدستوريّة العام 1999 سعى الملك عبداللّه الثاني، وما زال، من أجل إحقاق الحقوق الوطنيّة المشروعة للشعب الفلسطينيّ، وفي مقدّمتها بناء الدولة الوطنيّة المستقلّة وعاصمتها القدس وحقّ تقرير المصير للشعب الفلسطينيّ وإقرار حقّ العودة للّاجئين الفلسطينيّين. وفي كلّ جولاته العالميّة ولقاءاته بقادة العالم، وآخرها كلمة الملك، قبل أيّام، في الأمم المتّحدة في نيويورك كان الأهمّ الطاغي والأكبر هو الوصول إلى صيغ وتفاهمات تفضي إلى قيام الدولة الفلسطينيّة المنشودة.
وقد لعب الملك عبداللّه الثاني دوراً دبلوماسيّاً وسياسيّاً كبير مع زعماء العالم من أجل القضية الفلسطينية، وهو ما ساهم بشكل كبير في الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينيّة الّتي أعلنت مؤخّراً، وفي مقدّمتها بريطانيا وأستراليا وكندا والبرتغال وغيرها.
ومنذ العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023 سخّر الملك والأردنيّون كلّ إمكانيّاتهم من أجل تقديم العون والدعم السياسيّ والدبلوماسي والمساعدات الإنسانيّة والطبّيّة والتبرعات المادية للتخفيف على الفلسطينيّين في غزّة من تبعات العدوان الإسرائيليّ عليهم. والحديث هنا طويل والشواهد تحتاج إلى مقالة خاصّة.
وأنا مؤمن بأن العلاقة الأردنيّة -الفلسطينيّة من أكثر العلاقات العربيّة تميّزاً بين شعبين شقيقين حيث احتضن الأردنّ كلّ الهجرات نتيجة الاحتلال الإسرائيليّ عام 1948 و1967، وما بعدها، وتقاسم الأردنيّون والفلسطينيّون الهمّ والوجع الوطنيّ ولقمة العيش، ولا يمكن، أبدا، فصل هذه العلاقة بطريقة ميكانيكيّة، وإنّ مستقبل العلاقة بين الشعبين الشقيقين سيحدّده الشعبان بعد إقرار الحقوق الفلسطينيّة وبناء الدولة.
ومن المهم الإشارة إلى أنّ الدولة الأردنيّة قدّمت -دون مِنّه-، وما زالت، عشرات مليارات الدولارات من البنية التحتيّة والخدمات الشاملة لمخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين واستيعاب الكتلة السكّانيّة الفلسطينية الكبيرة الّتي هاجرت نتيجة الحروب طوال أكثر من 76 سنة.
أما عن السؤال المركزي وهو: لماذا يهتمّ الأردنّ، إضافة إلى ما ذكرته سابقا، ويدعم قيام الدولة الفلسطينيّة وإحلال السلام في منطقة أهلكتها الحروب وأتعبت شعوبها؟:
أوّلاً: إنّ قيام الدولة الفلسطينيّة المستقلّة وذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة يمثّل مصلحة عليا للأمن القوميّ للدولة الأردنيّة.
ثانياً: إنّ كلّ القضايا الجوهريّة وهي قضايا اللاجئين والقدس والأمن والحدود والمستوطنات والمياه هي قضايا لها مساس مباشر بمصالح حيويّة تؤثّر في المصالح العليا الوطنية والأمنية للدولة الأردنيّة، وإنّ حلّها يجب أن يراعي بالكامل هذه المصالح العليا الأردنيّة، وأن يلبّيها ويتّفق معها ويحقّقها.
ثالثا: إنّ الأردنّ لن يقبل أيّة ترتيبات أو أطر لا تصون وتلبّي بشكل تام مصالحه العليا المتعلّقة بالقضايا الجوهريّة كلّها، وخصوصاً قضايا القدس واللاجئين والأمن وحقّ العودة، أو أيّة ترتيبات تمسّ أمنه أو أمن أبنائه وبناته أو سلامة أراضيه، أو تؤثّر فيها بأيّ شكل من الأشكال من قريب أو بعيد أو أيّ تصوّر ينتقص من خلال إقامة دولته المستقلّة ذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة.
رابعا: إنّ الأردنّ لن يقبل المساس بحقوقه مواطنيه من اللاجئين الفلسطينيّين بأيّ صورة كانت وخاصّة “حقّ العودة والتعويض” وفق قرارات الأمم المتّحدة، مثلما أنّ الأردنّ، كدولة، لها حقوق واستحقاقات لكونها الدولة المضيفة الأكبر للّاجئين الفلسطينيّين يجب أن تؤدي إليها.
ويبقى الجزء المهم الملقى على عاتق القيادة الهاشمية والأردن هو دوره الكبير في الرعاية والولاية الهاشميّة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، لأن الأردنّ يرى واجبه بالرعاية والحماية والصيانة لها، والتصدّي لكلّ الانتهاكات الّتي تستهدف القدس الشرقيّة ومقدّساتها وأهلها.
• المقال مختصر لمحاضرة طويلة
