فيلادلفيا نيوز
لقد نص الدستور الأردني على وجود غرفتين لمجلس الأمة هما (النواب) و(الأعيان) ولم يخرج دستور المملكة الأردنية الهاشمية عن السائد في كل دساتير دول العالم من حيث وجود ( غرفة النواب) وهم الذين يتم انتخابهم انتخابا مباشرا وفق قانون انتخاب ليمثلوا (الأمة) أو (الشعب) و(غرفة الأعيان) وهم الذين يتم تعيينهم من قبل الملك كصلاحية حصرية لذلك يسمون أعضاء هذه الغرفة (بمجلس الملك) .
وكما قلنا فإن هذا التقسيم أو هذا التشكيل لمجلس الأمة ليس (بدعة) أردنية أو تشكيلا تنفرد به دساتير في دول دون غيرها في هذا العالم وفقط قد تختلف التسميات في مختلف الدساتير وأشكال أنظمة الحكم من أنظمة ملكية أو انظمة رئاسية ،فالتسمية الأخرى السائدة هي (مجلس الشيوخ) وقد جاءت تسمية ( مجلس الشيوخ) من الرومان قبل تشكل الإمبراطورية الرومانية ومن أول مجلس يحكم أسس في الأرض حيث كان هذا المجلس في المدن الرومانية هو الذي يحكم ويدير المجتمع في كل الشؤون وكان يتشكل فقط من طبقة النبلاء وهم الطبقة الثرية الأرستقراطية في المجتمع فلم يكن يتشكل عن طريق الإنتخاب. ومع مرور الزمان وتغير وتطور مجتمعات الدول وقيام الامبراطوريات والممالك بقي لمثل هذا المجلس وجود في تلك الامبراطوريات والممالك ويتشكل دائما من طبقة محددة وهي الطبقة التي كانت تقود المجتمعات في تلك العصور القديمة وطبعا هي طبقة الأرستقراطين والأثرياء وقادة العسكر فقد كانت طبيعة المجتمعات القديمة تفرض نوعا واحدا من الانتخاب الطبيعي الذي يشكل ويفرز الطبقة الأولى والعليا التي لديها أهلية الحكم أو المشاركة في الحكم فقد تحول (مجلس الشيوخ) في فترات لاحقة لقيام الإمبراطورية الرومانية إلى مجلس مستشارين أول للحاكم المطلق وكانت تتباين صلاحيات هذا المجلس وفقا لأشكال الممالك والأمبراطوريات وظروفها التاريخية وأيضا تتباين في ذات الدولة (مملكة أو إمبراطورية) بحسب طبيعة وشخصية الحاكم في فترة معينة من حيث قوة الحاكم أو ضعفه ،فعندما يجلس على كرسي الحكم حاكما قويا تتقلص صلاحيات هذا المجلس لتصل إلى حد التهميش ليتحول لمجرد حاشية وشكل فقط أما إذا كان الحاكم ضعيفا فيأخذ المجلس دورا أوسع في المشاركة في الحكم.
وقد بقي هذا المجلس موجودا في كل انظمة الحكم في العالم على اختلافها وبرغم تطور وتغير مفاهيم الحكم وانواعه وصولا إلى أشكال الدول الحديثة التي تقوم على أسس ديمقراطية ومشاركة الشعوب في الحكم من خلال التمثيل النيابي بالانتخاب الشعبي والمباشر ،فبقيت جميع البرلمانات في كل الدول فيها غرفة أو مجلس هو مجلس الشيوخ كتسمية ولكن الاختلاف الذي طرأ في بعض الأنظمة هو طرق تشكيل هذا المجلس إلى جانب مجلس النواب المنتخب ، فكانت طرق التشكيل تأتي وفقا لما يعتمده نظام الحكم في دولة من الدول فأخذت بعض الأنظمة بأنظمة انتخابية خاصة بها فيما يتعلق بتشكيل مجلس الشيوخ وبقيت انظمة أخرى تعتمد نظام الإختيار والتعيين من قبل جهة السلطة أو الحاكم.
والسبب الموجب لبقاء هذه الغرفة أو هذا المجلس في كل الأنظمة الدستورية قد يقال عنه أنه مستمد من تاريخ تكون هذا المجلس الذي كان (تكوين المجلس من طبقة لديها الأهلية في الحكم أو المشاركة في الحكم) وهو سبب منطقي حيث أن الطبقة العليا في المجتمع اجتماعيا وماديا يكون أفرادها اكثر اطلاعا وممارسة لجميع نواحي ومجالات الحياة وبالتالي هم الأكثر اكتسابا للخبرات لأنهم الأقدر على الحركة وعلى التنقل بسهولة والاحتكاك بعوالم ومجتمعات أخرى وهم من يمتلكون ما يسمى القوة الصلبة بكل انواعها وجوانبها.
وإذا اخذت الدساتير الحديثة والديمقراطية بهذا الجناح او هذه الغرفة للمشاركة في الحكم سواء بالتعيين أو بالانتخاب فذلك وبشكل وطريقة متطورة تستند إلى الحاجة دائما إلى وجود أفراد لديهم ميزات شخصية بحكم تاريخهم الاجتماعي والشخصي توفر لهم انواعا من الخبرات المتنوعة والناضجة يحتاجها الحاكم أو يحتاجها مجتمع الدولة ،فجاءت وبقيت هذه المجالس هي الجناح أو الغرفة التي تحقق التوازن بين شركاء الحكم في العالم الحديث وتحقق نوعا من الانضباط في ممارسة الحكم بين طبقات المجتمع الأساسية الرئيسية ولتنظيم تشكل السلطة التي تحكم دولة سواء أكانت بنظام ملكي أو رئاسي جمهوري.
ومما مر أيضا استمد الدستور الأردني السبب الموجب لوجود مجلس شيوخ تحت تسمية مختلفة هي (مجلس الأعيان) والذي اعتمد إلى جانب نظامه النيابي ـ الذي يعتمد التمثيل الشعبي من خلال الانتخابات على قاعدة ومبدأ دستوري هو (الأمة مصدر السلطات)ـ وجود هذا النوع أو هذه الغرفة آلتي تتشكل من فئات محددة في مجتمع الدولة تم تعداد انواعها على سبيل المثال وهي الفئات التي تفرز أفرادا لديهم ميزات النضج في الخبرات وفي المؤهلات ليشاركوا ويساهموا في تطبيق منهجية الحكم في الدولة ، وحيث أن النيابة أو مجلس النواب يتشكل بالانتخاب المباشر والحر من قبل الشعب فمن الطبيعي أن يكون الشعب حرا في اختياراته فلا تضع قوانين الانتخابات شروطا على من يحق لهم التصويت تتعلق بكفاءات الذين يتم اختيارهم في مهمة التمثيل الشعبي فالانتخاب جوهره حرية الناخب في التعبير عن رأيه الفردي الشخصي فيمن يريد أن يكون ممثلا له وهذا يعني أن الانتخاب يفرز ما يريده المزاج العام الذي قد تتداخل في تكوينه عوامل غير منضبطة وربما غير حقيقية لكون الانتخابات حق سياسي لصيق بالافراد بغض النظر عن الأهلية الشخصية من حيث التعليم والخبرة والثقافة أو مستوى التعليم ، مما قد يفرز ممثلين لم تنضج أو تكتمل خبراتهم وعادة ما تفرز عملية الانتخاب أفرادا يدخلون عالم السياسة وإدارة الشؤون العامة لأول مرة.
وحيث تحتاج الدول في إدارة نفسها إلى عملية توازن بين الطموحات والأحلام وحماس الشعوب لتطوير نفسها وبين الواقعية والبراغماتية وتوفر الأدوات والمعطيات اللازمة لتحقيق الخطط الفعالة لمنفعة المجتمع ومصالحه العامة ،فقد كان لابد من وجود مجلس (الشيوخ أو الأعيان) من الفئات المشار إليها في الدستور حتى تشكل هذه الغرفة أو هذا الجناح البرلماني (بيت الخبرة) الذي يضبط الحماس المفرط او الرومانسية الشعبية في تصور طرق تطور المجتمع. هذا الأصل وجوهر وجود (مجلس الأعيان) في النظام البرلماني الأردني وفقاً للدستور وهذا هو السبب الموجب الذي يشترك فيه الدستور الأردني مع كل دساتير العالم على اختلافها ،أما مسألة الالتزام في تطبيق هذا المبدأ أو أساس وجود هكذا مجلس من عدمه ووجود انحرافات في عملية الاختيار والتشكيل فهذه مسألة لست معنيا بمناقشتها في هذا المقال لكونها تخضع لتباين المواقف والاراء في تشكيل مجالس الأعيان على مر تاريخ الدولة الأردنية والعملية أيضا بحد ذاتها تخضع لإختلاف الظروف التاريخية والسياسية وإن كان لدي أنا شخصيا تحفظي على أسباب إختيار نوعية الأشخاص فذلك لما له من أثر واضح في الابتعاد عن الهدف من وجود مثل هذا المجلس ولكن تحفظي هذا لا ينفي أهمية وضرورة وجود هذا المجلس وتشكيله بطريق التعيين من قبل صاحب الصلاحية الدستورية جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه وسدد خطاه.
أبو عناد/رايق المجالي