فيلادلفيا نيوز
كنا في زمن غابر نصحوا صباحا – وعند توجهنا لمدارسنا أو جامعاتنا أو لأعمالنا ومن الساعة السادسة وحتى العاشرة على الإذاعة الأردنية الوحيدة – نستمع في المذياع لأغاني فيروز وصوتها الذي يتناسب مع صفاء انبلاج النهار ويشعرنا صوتها بنوع من الراحة والأجواء الملائكية التي تجعلنا نستنشق الصبح وأنواره سلاما وتكون النفوس هادئة يتسلل إليها التفاؤل بالنهار الجديد.
ويعقب صوت فيروز أحيانا طقطوقات لفريد الأطرش وأغلب الأحيان أغانينا الأردنية، توفيق النمري “محلى الدار والديره ونبع الدوار… والزينات عالنبعة يملين جرار” أو سميرة توفيق ” بدك تيجي حارتنا…تتلفت حوالينا” حتى يبدأ البث المباشر الذي يستقبل اتصالات المواطنين ويعرض مشاكلهم العامة، وكان الجميع يستمع حتى جلالة – المغفور له بإذن الله- الحسين بن طلال وإينما تواجد ووصل أثير إذاعتنا إذا كان في سفر للخارج، ولا نسمع عبر الإذاعة تلك الأغاني الحماسية الا اذا إتصل جلالته- رحمه الله – أو في مناسبات وطنية ويوميا كانت فقرة الأغنية الوطنية تسبق نشرة الاخبار بخمس دقائق أو تعقب خطابا للملك وبقية البرامج من كل صنف ولون.
نعم أغانينا الوطنية كلها جميلة لكن أن نبدأ بها يوميا من السادسة صباحا ويبدأ معها مذيعون في محطات عديدة لم نعد نحفظ أسمائها مع (فجة الضو) بعرض المشاكل وبث الأوجاع والشكوى مع فواصل من أغاني عن” طقطقة العظام” وعن “الروفر والخمسمية” و ” وويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل” لنفتح عيوننا على دق طبول الحرب ولا نعرف من سنحارب، فنشتم مع طلوع كل نهار رائحة البارود وغبار المعارك وكأن تلك المحطات تجهزنا من الصباح الباكر لحرب تنتظرنا في الشارع ومكان العمل وفي السوبر ماركت وفي المسجد والكنيسة… ¿! ¿!
إين ذهبوا بصباحاتنا وأين دفنوا خيوط الشمس وكيف سمحوا أن يعلو صوت جنازير الدبابات فوق صوت فيروز وتوفيق النمري وسميرة توفيق ولماذا سكبوا البؤس والشقاء في فنجان قهوتنا وطردوا رائحة الياسمين أو رائحة التراب عند نهوضه نديا حتى في الصيف وعلقت من أفواههم روائح الكاز والبنزين والديزل والقمامة أحيانا بنسمات صبحنا وكلما مرت الدقائق الدقائق الثقيلة خرج علينا الصوت الذي يخبرنا ” الساعة الآن تمام الثامنة بتوقيت دجاج الطاحونة” .. ¿! ¿!
نظفوا صباحاتنا وأعيدوها وأعيدوا توفيق النمري ليخبرنا عن المزيونة وحواره مع الزيزفونة ” دخلك يا زيزفونة.. ما عينتي المزيونة… كم مره تغفى وتنام… اقعدها ترد السلام… هالمزيونة.. هالمزيونة”… وأجلوا قليلا أحاديثكم عن “البلد المديونة”… ¿! ¿!
إرحمونا… فرب العزة أقسم “بالصبح إذا تنفس” فلا تخنقوه وتخنقونا…!