فيلادلفيا نيوز
المقولة والفكرة التقليدية لكل من ينتقد نهج حكم ” أن من يحكمون يعيشون في أبراج عاجية ” والمعنى أن الحاكم أو من يحكمون بإسمه منفصلون عن واقع الناس وعن تفاصيل همومهم وحاجاتهم وهذا في عالمنا العربي -قطعا صحيح – ولكن الغريب والعجيب أن النضال بإسم الشعب وبإسم الطبقات المسحوقة أيضا أصبح له أبراج يعيش فيها “المناضلون ” ..؟؟!!! في عالمنا العربي وفي وطني الحبيب تحديدا -وأبوح بصفتي مواطن وبصفتي مراقب ومتابع – يمارس النضال من خلال أبراج إن لم تكن عاجية فهي وثيرة بعض الشيء أو على الأقل عالية ومؤثثة ودافئة أو مكيفة -حسب الطقس – وتتيح للمناضل أن يرتب أفكاره وأن يحسن صياغة عباراته الرنانة التي يقصف بها الأبراج العاجية “للمتحكمين ” وأن يعد قائمة المطالبات بحقوق الضعفاء وواجبات المسؤولين تجاههم , والمناضل لدينا أولا يؤكد على إطلاعه أكثر من غيره لعلو عنده فنجدهم دائما ما يخاطبوننا -نحن في القاع – بلهجة الواثق من معلوماته والمتمكن من الإطلاع دائما على ما لا نقدر نحن ” المهمشين والمسحوقين ” عليه . وقد أصبح ” المناضل ” من أجل حقوق الناس يعرف ” بالحر ” وهذا التعبير يعني أنه حر في تفكيره وفي تعبيره وفي قراراته فلا يخضع لأي إملاء ولا يخشى لومة لائم ولا يخاف على شيء عنده , وهذا أيضا صحيح فهم -والله – أحرار لأنهم -ولا نحسدهم – لديهم ما يغنيهم عن توسل نائب أو إستجداء مسؤول لضمان وظيفة أو عمل لأنفسهم أو لأبنائهم , وهم “أحرار ” لأنهم في وضع يجعلهم متفرغين للنضال فلديهم كل الوقت لحضور الفعاليات النضالية من “وقفات ” أو ” إعتصامات ” أو “إجتماعات ” أو ” مآدب سياسية ” وأحيانا لديهم الوقت والمال ليخاطبوننا من منتج صيفي أو شتوي فيصدقونا القول وهم يخبروننا عن سوء أوضاعنا وعن الأبراج العاجية التي تقرر عنا ما ليس في مصلحتنا , ولا أقول أنهم يكذبون ولكن “يظلموننا ” نحن الذين لا قدرة لنا على التوقف عن اللهاث وراء لقمة العيش حين يبدأون بجلدنا وأحيانا “بذبحنا ” بتلك الأوصاف التي يطلقونها علينا مثل ” قطيع ” ” سحيجة ” ” جهلة ” وذلك لأن خطاباتهم عبر “البث المباشر ” من كندا أو سويسرا أو تركيا لا تؤتي ذلك الأثر المطلوب ولا تجعلنا نجوب الشوارع ونغلقها ونحن نطالب برحيل من هم في الأبراج العاجية ليحل محلهم من هم في الأبراج النضالية ..؟؟؟!!! عفوا ..إخوة النضال والتراب : لا تظنوا أنني أجلدكم أو أنتقدكم بغضا أو حسدا ولكنني أعترف و أتعذر لكم وأعاتبكم فنحن يا سادة ” معشر المسحوقين ” ليس لدينا الوقت لنخصصه للإشتراك في” وقفة إحتجاج ” ولا ” المكوث في إعتصام مفتوح ” أو ” حضور إجتماع لتنظيم وقفة أو صياغة بيان أو تأسيس حزب لأننا إن توقفنا لدقائق عن اللهاث وراء لقمة العيش وإذا قررنا الذهاب لإعتصام أو إجتماع ربما لا نجد “بنزين السيارة ” وإن وجد فهو مخصص لأمور معاشنا اليومية , والأهم يا سادتي الكرام أننا لسنا أحرارا , فحاجات البيوت والأبناء تملي علينا خط سيرنا اليومي ومخاوفنا من أن يحسم من الراتب أو الأجر تقض مضاجعنا لأن في الأصل ” ملحوقين ” ونقص ما هو ناقص أصلا يعني أن قطع التيار وشيك -وشركة الكهرباء لا تستثني المناضلين من فصل التيار – وأن صوبة الكاز أو الغاز ” ستتحول إلى مجرد منظر وقطعة أثاث فقط ولكم أن تقيسوا على ذلك وهذا طبعا يجعل حتى عقولنا غير كفوءة لتنظيم الأفكار وسبك الصياغات ونسج الخطب الحماسية البليغة , لهذا ولأكثر لا تجلدونا ولا تنحرونا بأوصافكم في محراب معارضتكم المأمنة والمأمونة ..؟؟؟!!!! يا سادتي الكرام ,,, إطلعنا بحكم ثورة الإتصال وإنفتاح الفضاء الإلكتروني على تجارب الشعوب وعلى حراكها وتحركها وعلى سلوك المناضلين والمطالبين بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة وبالخدمات وتوزيع الثروات فوجدنا في عوالم أخرى لا يعاني الناس فيها ما نعانيه نحن أن قادة الفكر وقادة الرأي وأصحاب البرامج الإصلاحية الذين يفرغون أنفسهم للشأن العام والمطالبة بتحسين ظروف المجتمع حين يريد أحدهم أن ينافس في أي إنتخابات محلية (كمجالس البلديات ) أو لمنصب (عمدة ) أو (أي مجلس أو منصب يعبأ عن طريق الإنتخاب ) نراه يجوب الشوارع والميادين يحمل في يده برنامجه الإنتخابي يوزعه ويحاول مخاطبة الناس في الشارع بكل أدب وهو يرتدي أجمل ثيابه وقد يكون -وهذا على الأغلب – من الأثرياء ويجتهد بأن يصدقه الناس أو “الناخبين ” وأن يقنعهم بمدى فهمه الكامل والحقيقي للمشاكل والهموم وبالبرنامج الذي يكون -بالقطع – عمليا وقابلا للتطبيق وليس مجرد شعارات وخطاب رومنسي وتراجيدي …!!! يا نخبنا الكريمة ,,, لم نشهد لدى تلك الشعوب وتلك النخب أو النشطاء لديها من كتب على آرمة ” إن خير من إستأجرت القوي الأمين ” أو ” لن ندفع فواتير عهركم ” أو ” إرحل إرحل يا فلان ” وحتى عندما يقف شخص واحد بمفرده بسبب مظلمة أو تعدي على حق شخصي له نراه يقف وحيدا وقد كتب عبارة واحدة يطالب فيها بمطلب عام ” الحرية مثلا ” أو ” لا للحرب ” بالرغم من أن السبب يكون شخصيا بأن تقيد حريته هو في لحظة أو يفتقد عزيزا ذهب للحرب في جيش بلاده و بينما نحن فالفرد يطالب فقط لنفسه حتى لو كان على حساب بقية الشعب والجماعة حين تطالب ترفع شعارات رنانة لكنها تحتاج حتى تتحقق ربما لمئة عام أو أكثر ولوجود مثالية لدى الحاكم والمحكومين أفرادا وجماعات فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يرفع شعار ” الإسلام هو الحل” لم يفكر من رفعوه بأن هذه حقيقة وصلت البشرية إليها عبر التاريخ بعد (200 عام ) من البعثة النبوية وبعد أن قامت دولة إسلامية أقامت حضارة أجبرت العالم على التعلم منها . وحتى لا أكون محبطا لكم-وأنا أدعوكم للإستمرار لا التوقف – دعوني أسألكم بما أنكم متفرغون من إجل الشعب والمجتمع : *-هل سار أحدكم في الشوارع ذات إنتخابات بلدية أو برلمانية يدردش مع الناس ويعرف على نفسه وعلى أفكاره وبرنامجه أم هذا يشق عليكم ..؟؟؟ *-هل وقف احدكم على باب رئاسة الوزراء أو البرلمان أو الديوان الملكي رافعا “يافطة” بشعار عام وثبت وحيده أياما وليالي ليوصل صوته وليجتذب كل وسيلة إعلام غير مبالي بأن ينضم له أحد أم لا كما شاهدنا وعرفنا عن مجرد أشخاص وحدهم وقفوا هكذا وقفة أمام بيوت الحكم في بلادهم…؟؟؟ *-هل جاب أحدكم أو مجموعة منكم الأرياف والبوادي وعسكرتم بها أياما تحاورون وتعرفون بأنفسكم وبأفكاركم وبرامجكم وتتبادلون مع كل أنواع البشر ومستوياتهم التعليمية والثقافية أطراف الحديث لتصلوا أولا إلى قلوبهم ثم إلى عقولهم فتبنون جسور الثقة بينكم وبين عامة الشعب ..؟؟؟ *- هل جربتم أن تبتعدوا عن إستخدام العبارات الرنانة والشعارات الرومنسية وركزتم على نشر وإعلان وإعلام الناس في كل مكان في قاع المجتمع بدراساتكم الدقيقة وبرامجكم العملية المبنية عليها …؟؟؟!!! *- هل حاولتم مرات ومرات ومرات الإنخراط في مناقشات أي مشروع قانون يرسل إلى مجلس النواب أو بعد أن ينشر مع دعوة للمناقشة قبل إرساله للبرلمان ووقفتم وقفة إحتجاجية أمام رئاسة الوزراء أو البرلمان تطالبون بإشراككم بمناقشة المشروع وفرضتم أنفسكم كمجاميع كل منها فيما يختص به وما لديه من معارف وخبرات لا أن تتكروا تلبية الدعوة لمن تريد الحكومات أو النواب تسمع منهم ما يرضيهم …؟؟؟؟ *- هل جربتم أن تعلنوا مصالحة مع الآخر أو هدنة توقف التجاذبات أو القصف المتبادل أو تبادل الإتهامات والتمترس في خنادق متقابلة لتكون هذه المصالحة مع النفس أولا من الطرفين ومع الآخر كأرضية لوضع صيغة ميثاق وطني جديد وخلق مناخ صحي للإنطلاق نحو مرحلة جديدة من الديمقراطية والعمل معا بالنسب والطرق والأساليب التي تناسب وتوافق أطراف المعادلة السياسية وتتماشى مع خصوصيات الوطن الأردني دون التمترس وراء الإسقاطات الرومنسية أو التاريخية أو العالمية على الأوضاع في الدولة الأردنية . يا سادتي الكرام ,, لا أدعوكم لإلقاء ما تدافعون به عن الوطن ولا للتخلي عن مبادئكم التي تعلنون تمسككم بها وفقط أدعوكم أن تنظروا بواقعية لهذا الشعب وخصوصيته في كل شأن ثم أن تنزلوا من أبراجكم النصف عاجية وأن تمارسوا أيضا الواقعية السياسية وأن تنبذوا ” سياسة لوي الأذرع ” أو “عض الأصابع ” فنحن -هذا الشعب المسكين – قضمت كل أصابعنا وشلت أيادينا وعقلت أرجلنا فأنجدونا بأن تحملونا لا أن تطالبونا بأن نحملكم فقد قيل لنا ذات خطاب حماسي لأحدهم ” إحملوني إلى عمان لأحاسب اللص ” ونحن شعب قد كسر ظهره من حملهم وهو أحوج ما يكون لمن يحمله ولا يحمل الشيء بالنداء عليه من الأبراج بل بالنزول تحته ثم رفعه . كل الإحترام والتبجيل لكم . والله والوطن من وراء القصد . رايق عياد المجالي /ابو عناد