فيلادلفيا نيوز
ترفع الحكومات شعار محاربة الفقر طوال الوقت ولكنها تعمل على ذلك على قاعدة (الصبة الخضرا ) فالتفكير نمطي لا زال والحكومات تقصد بذلك العمل على مشاريع التشغيل لتوفير الدخل الدائم للفقراء و/أو الأسر الفقيرة …؟؟؟!!!
والثابت والمعروف والواقع الأردني أن معضلة الفقر -وإزدياد هذه الشريحة لتصبح هي الأغلبية في المجتمع الأردني – مرتبطة بأوضاع عامة كارثية ومزمنة مثل (الفساد بأنواعه المالي والإداري , الركود الإقتصادي الواصل لحد الجمود أو الإنهيار , الضغوط السياسية,المؤامرات والأجندات الإقليمية والدولية التي تمنع إستخدام وإستثمار الموارد الموجودة ) وإلى آخر ذلك من أسباب تفشي الفقر في المجتمع الأردني , والمعروف أيضا أن مفهوم محاربة الفقر لا يعني قدرة الدولة أو الحكومات على القضاء على الظاهرة تماما وللأبد بل أقصى ما يعتبر إنجازا لأي دولة أن تنجز تحجيم هذه الظاهرة وإرجاعها إلى حدود طبيعية فلا يوجد دولة أو مجتمع في العالم والبشرية وتاريخيا منذ أول الخليقة إلا وفيه الفقراء ولكن المجتمعات السليمة والدول العادلة والحكومات المنتجة تستطيع الحد من توسع وتمدد هذه الشريحة من جهة ومن جهة أخرى تخلق برامجا دائمة لمساعدة الفقراء مثل صناديق المعونة بأشكالها وطرقها المختلفة وكذلك إيجاد مؤسسات تحفيز المجتمع على التكافل الإجتماعي (كالجمعيات الخيرية ) وغير ذلك من برامج المعونات والمساعدات لذوي الدخل المحدود او المعدوم .
ونحن في الأردن وإن كان لدينا- مثلا – صندوق المعونة الوطنية ووزارة التنمية الإجتماعية كمؤسسات حكومية تقدم المساعدات النقدية للفقراء لكنها وكما يعرف الجميع وللأسباب والظروف التي تمر بها الدولة من ضائقة إقتصادية فمساعداتها لا تغني ولا تسمن من جوع فهي عبارة عن صرف مبالغ مقطوعة لفئات محددة تنطبق عليها شروط معينة ,فصرف راتب 70 أو 90 أو 100 دينار لأسرة مكونة من فردين ولا نقول 3 أو 5 لن يكفي زوج وزوجة لا عقب لهما مؤنتهما لإسبوع وفقط من الطعام , فماذا يبقى لإحتياجات أساسية أخرى على فرض أن المنزل أو الخيمة مملوكة لهما ,فهل يوفر هذا المبلغ لهما تدفئة في أيام البرد القارص وليالي الأمطار والثلوج ..؟؟؟, وإذا حصرنا وأفترضنا أن البرد يزورنا فقط لخمسين يوم في السنة هي (المربعانية ويليها عشرة السم ) فهل أمنا في صرف المبلغ المقطوع (100) دينار تدفئة أسرة من شخصين أو ثلاثة أو خمسة من الكبار ومن الأطفال ..؟؟؟!!!!
قطعا فالإجابة معروفة أن ال(100) وال(300) وأكثر بقليل قد لا تكفي إذا ما وزعت على إحتياجات أي أسرة وهنا ننتقد نهج الحكومات في محاربة الفقر من خلال مجرد صرف المبالغ المقطوعة الزعيدة لفئة محددة وفق شروط معينة وإدارة الظهر بإرتياح بأن الحكومة أو (الدولة ) كما يقال في العامية قد أدت ما عليها فمسؤولية محاربة الفقر لا تؤدى وبأمانة وإخلاص فقط لنقول أننا أدينا ما علينا ونستريح ..؟؟؟!!!!
وقد يسألني سائل :” كيف إذا برأيك تقوم الحكومات أو الدولة بواجباتها ومسؤولياتها تجاه الفقراء على أكمل وجه ..؟؟؟” , وأجيب : أن هناك إحتياجات موسمية للفقراء لفترات محدودة في العام وأحيانا لفترات محدودة كل بضع أعوام وهو ما نسميه (ظروف طارئة أو ظروف إستثنائية ) على الحكومات أو الدولة أن توفرها للفقراء بالقدر الذي يمكنهم من عبور أو مجابهة أو تجنب قسوة تلك الظروف مثل فترات الشتاء البارد وهي كما قلنا أيام معروفة ومعدودة في السنة (المربعانية أو الخمسينية ) , وليتم صرف معونات عينية مباشرة -إستنادا لمسوحات حقيقية – مكونة من وسائل التدفئة ووقودها بحيث مثلا : تصرف وسائل التدفئة حسب إحتياج الأسرة (صوبة واحدة أو إثنتين ) مع صرف (كوبونات) محروقات أو غاز بما يغطي تلك الفترة وحساب ذلك ليس بالعسير فكلنا يعرف إستهلاك “الصوبة ” كمية وزمنا للوقود .
كما يمكن أيضا من خلال المسوحات أن يتم حصر المنازل وأماكن السكن الغير صالحة لإستقبال البرد القارص والأيام الماطرة والمثلجة والعمل على صيانتها ورفع كفائتها كملاذ آمن لتلك الأسر من برد الشتاء .
وهذه الخطة أو هذا البرنامج الحكومي -إذا – عمل به وبشكل مستدام يمكن إيجاد التمويل الكافي من الداخل ومن الخارج له ولن يكلف خزينة الدولة فلسا واحدا ونحن نعرف أن جهات داخلية وكذلك منظمات إقليمية وعالمية تتسابق لدعم مثل هذه البرامج في الدول التي تعاني من مشكلة الفقر ويعاني سكانها من قسوة الحياة وقسوة الظروف الطبيعية والكوارث التي تحل ببعض الشعوب .
وخلاصة القول : هناك وسائل وبرامج وخطط كثيرة قابلة للتنفيذ دون كلفة زائدة على خزينة الدولة ستساهم قطعا في محاربة الفقر من خلال إسناد الفقير في ظروف معينة ليتجنب بعض أسباب المعاناة , أما أن ندفع مبلغا زهيدا -لسد الذرائع – ثم ننتظر أن تتحول ظروف العالم والمنطقة والدولة إلى ظروف وردية وأن ينتعش الإقتصاد العالمي والوطني وتفيض خزينة الدولة لنستطيع إنهاء ظاهرة الفقر تماما فهذا ضرب من الغباء من جهة ومن جهة أخرى تدليس وكذب على النفس وعلى الغير وعلى الفقراء , فلا نحن أفدنا أسرة بمبلغنا الزهيد (معونة دائمة ) ولا نحن وفرنا ذلك المبلغ على خزينة الدولة والدائرة تتسع والمعاناة تزداد والفقراء مع الأيام وقسوتها يتحولون إلى قنابل موقوتة لا نعلم متى ستنفجر …؟؟؟!!!
وبالمرة أصحاب الدولة والمعالي عندنا ” ما بلومهم ربهم وبعرفوا يناموا ليلهم الطويل ” على الأقل في أيام البرد ” حسب ما بعبروا دايما عن أرقهم وقلقهم على الفقراء ..!!
ابو عناد .