الجمعة , نوفمبر 15 2024 | 9:27 م
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب: ما لم تتطرق له خطة التحديث

رايق المجالي يكتب: ما لم تتطرق له خطة التحديث

فيلادلفيا نيوز

((بمناسبة الاعلان عن خطة تحديث القطاع العام ))

ورقة عمل قانونية في عنوان الإصلاح الإداري
(الإصلاح التشريعي هو الأساس و هو الأرضية )

في البداية يجب القول بأنه ليس عيبا أو مخجلا أن تعترف مؤسسة أو دولة بضعف تشريعاتها أو إدارتها بل يجب تقرير وتعزيز هذه الحقيقة باطمئنان إلى أن الإقرار بهذا الضعف هو فهم صحيح لما قد يعترض جميع المؤسسات أو الدول من هكذا عوارض وهذا الإقرار و/أو الإعتراف بوجود المشكلة هو أول خطوة في إتجاه الإصلاح فإن لم تكن-هذه الخطوة – فلا يمكن أن يبدأ أي إصلاح وحتى لا يمكن أن يكون هناك أي تطوير أو تجويد وهنا يكمن المرض والخطر الذي قد يهدد المؤسسة و/أو الدولة بالشلل التام .
ومما يجب التعريج عليه والبدء به أولا هو التأكيد على لزوم وجود أمرين لا يستغنى عنهما متلازمان معا :
أ-خطة متكاملة وشاملة ومدروسة للإصلاح الإداري.
ب-وجود الجهاز الإداري المؤهل والمناسب الذي يعمل للناس والدولة وللخطة ,فلا يمكن أن يأتي إصلاح بذات الأيادي التي أخطأت و/أو فشلت .
*-فالخطط لا تتحقق بذاتها وبمجرد وضعها على الورق أو إقرارها مهما كانت مدروسة وشاملة وحصيفة فتحقق نتائج وأهداف الخطط رهن بالتنفيذ السليم .
*-وحيث أن الإدارة العامة وأجهزتها هي في الأساس الترجمة المادية للتشريع حيث أن التشريع يبقى نصوصا تكتب بالحبر على الورق وتقر وتنشر بالطرق الرسمية ولا يترجم وجودها لتحقيق أغراضها وأهدافها المخصصة إلا وجود مؤسسة –وهي الجهاز الإداري – لتطبق التشريعات وهو ما يعرف (بالمؤسسية ) و/أو (العمل المؤسسي ) فإن نجاح الخطط إبتداء يكون بوضع التشريعات بطريقة سليمة وإعتمادا على الفرق والجهات المؤهلة للعمل على وضع التشريعات التي تحقق الأهداف المخصصة لكل تشريع ثم قيام جهاز إداري (المؤسسة ) بتطبيق التشريعات إستنادا لأعلى درجات الفهم لأساليب التطبيق والحرص الشديد على إقتران التطبيق بتحقيق أهداف التشريع .
وللتأكيد على أن المدخل الرئيس (للإصلاح الإداري ) هو في (الإصلاح التشريعي ) فلا يفوتني هنا أن أحيل القاريء –دون تفصيل – إلى ما جاء في الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين –حفظه الله – والتي عنوانها (سيادة القانون ) كما أحيل أيضا إلى جميع كتب التكليف السامية للحكومات المتعاقبة وكذلك إلى تركيز جلالته على ترسيخ هذا المبدأ في العمل في كل خطاب أو توجيه يصدر عن جلالته –حفظه الله – في كل مناسبة ولكل الجهات المكلفة بأي عمل في الدولة الأردنية , مما يعني ويؤكد أن فهم جلالة قائد البلاد – حفظه الله – للإصلاح وللتطوير يبنى على إيمانه المطلق بأن (سيادة القانون ) (تشريعا سليما من البداية ) و ( تطبيقا سليما ) هو مفتاح النجاح وتحقيق الإنجاز في إدارة الدولة وبالضرورة هو مفتاح نجاح كل مؤسسة و/أو إدارة من مؤسسات وإدارات الدولة , وإنني هنا –يشرفني – أن أقر بأن جميع محاور النقاش في هذه الورقة تستند إلى قرائتي المتأنية للورقة النقاشية السادسة لجلالته –حفظه الله – عند طرحها وكذلك لجميع كتب التكليف وجميع الخطابات والتوجيهات الملكية التي تناولت (عنوان الإصلاح الإداري إستنادا لمبدأ سيادة القانون ) .
وللدخول في محاور هذه الورقة وعنوانها (الإصلاح التشريعي ) لابد من تناول مفردات الإصلاح التشريعي للوقوف على مواطن الخلل لنخلص لتوصيات أو مقترحات و/أو نتائج سليمة فيما يتعلق بأساس الإصلاح الإداري الذي هو (الإصلاح التشريعي ) فإن لم نقدر على أن ننجح في التشخيص ووضع اليد على مواطن الخلل فلن نقترب إطلاقا من إيجاد العلاج الشافي .
مفردات الإصلاح التشريعي الواجب مرعاتها أو تصحيح ما شابها من خلل :
1-توافق التشريعات مع الدستور .
2-صياغة النص التشريعي –الصعوبة والتعقيد في صياغة النص – .
3-تجزئة وتداخل النصوص –الصعوبة والتعقيد-.
4-أغراض التشريع .
5-طرق الرقابة على حسن التطبيق (أدوات الإصلاح التشريعي ).
*- (توافق التشريع مع الدستور ) :
في جميع الدول الحديثة تنبثق التشريعات وأهدافها في كل المجالات من مباديء أساسية مستوحاة من الحقوق الطبيعية وحقوق الإنسان ومن القواعد الأساسية التي تعبر عن المباديء والنظريات القانونية التي جاءت كنتاج إنساني لحركة الشعوب وتطورها الحضاري بحيث تتبنى كل دولة ما يلائمها ويلائم أهدافها وأوضاعها وتقاليدها من المباديء والنظريات وتصاغ بناء على ذلك وثيقة أساسية تكون مرتكز ومحور التشريعات وهي ما يسمى القانون الأساسي (الدستور ) فهذا القانون الأساسي يتضمن الخطوط الأساسية العامة لتكوين الدولة وشكل الحكم فيها وكذلك الخطوط العامة لتطلعات الدولة ونظرتها الاقتصادية وكذلك توزيع السلطات والمسؤوليات وأيضا ما ينص عليه ليكفل حقوق الشعب وواجباته وحرياته وكذلك ما ينص عليه ويتعلق بوظيفة الدولة كراعية لمصالح الشعب وخادمة لأهدافه ولهذا فإن هذه الوثيقة من القانون الأساسي (الدستور ) لها صفة القداسة والإحترام ويجب أن لا تخترق ولهذا فكل من يتولى سلطة عليه أن يقسم قبل مباشرتها على إحترام الدستور والعمل به وحمايته والسير في حدوده دون أدنى خرق لأن ولاية متولي السلطة قائمة على هذه الوثيقة وفي ظل الدستور ومستمدة منه كأعلى القواعد القانونية مرتبة وأسماها فيترتب على من يتولون

السلطات العامة من أعضاء تلك السلطات ما يلي من الضوابط في معرض تولي مواقع العمل العام :
أ-التقيد التام في تصرفاتهم وأعمال الوظيفة بنصوص الدستور .
ب-توافق كل ما يصدر عنهم من قرارات مع نصوص التشريعات الصادرة إستنادا للدستور من قوانين وأنظمة وقطعا ومن باب أولى التوافق مع نصوص الدستور.
ج-يقع كل ما ذكر سابقا من تصرفات وأعمال الوظيفة والقرارات التي تصدر عن متولي السلطة تحت طائلة المسؤولية السياسية والدستورية في حال الخروج عن نصوص الدستور والقوانين والأنظمة أو خرقها بغض النظر عن حسن النية أو سوء النية .
د-يجب أن توجد رقابة فاعلة على جميع مستويات التشريع كالرقابة على الدستورية (ويحقق ذلك وجود محكمة دستورية ) يسهل توليها لمهام البت بعدم الدستورية في حال صدور ما يشكل خروجا أو خرقا للدستور .
حيث يترتب على تخلف هذه الضوابط السابقة جميعها أو بعضها (صدور تشريعات بدرجاتها ومنها قرارات لمجلس الوزراء و/أو الوزراء ومن هم في حكمهم ) مخالفة لنصوص الدستور صراحة أو تشكل خرقا في مستويات متباينة للدستور مما يسبب الأذى للمواطنين من جهة وبذات الوقت ومن جهة أخرى يصيب السلطات بنصيب من الأذى والإرهاق لمجرد إنهماك الإدارات في حل المشاكل الناجمة عن سوء التشريع أو القرارات وإنكبابها على محاولات إمتصاص الغضب الشعبي وحالة عدم الرضى التي –بالضرورة – ستتنامى يوما بعد يوم لوجود تشريع سيء فالتشريع السيء نتيجته الطبيعية وجود حالات من الظلم والتجني او حالات من عدم تكافؤ الفرص وهذا طبعا خرق لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة , ومن نتائج ذلك الطبيعية أيضا أن يؤثر ذلك على سير العمل الحكومي والعمل العام وإنعكاسه السلبي على ثقة المواطن بالسلطات العامة وبالتالي بالدولة نتيجة هذا (الإضطراب التشريعي ) وقطعا فكل تشريع أو قرار لا يبنى على أساس سليم سيكون تطبيقه شاقا كذلك .
*-(صياغة النص التشريعي –الصعوبة والتعقيد-) :
وحيث أوضحت مسبقا أن القرارات بمستوياتها في الإدارة العامة هي جزء من التشريع مثل (قرارات مجلس الوزراء والوزراء ومن هم في حكمهم ) هذا بالإضافة إلى أن (الأنظمة يقرها مجلس الوزراء بأنواعها –المستقلة والتنفيذية وكذلك تصدر إستنادا للأنظمة تعليمات تقرها إدارات في المؤسسات ) فإن ركاكة ورداءة الصياغة التشريعية ستعطي بالضرورة وبالنتيجة أوجه مشوهة للفكرة و/أو الهدف وستعكس هذه الرداءة والركاكة أشكالا أو صورا مختلفة وغير متناسقة وفهما مختلا عند كل من يتصدى للتطبيق وبالنتيجة سيكون هناك إنحراف صارخ في التطبيق مما يعني ضياع الفكرة وضياع الأهداف المخصصة للتشريع وبالتالي فإما يصبح التشريع لغوا -وهذا أهون الأمرين -وإما يحدث التشريع مساسا خطيرا بحقوق طبيعية و/أو مصالح خاصة وعامة فيهدرها ويستبيح ما نص الدستور على حمايته وأضفى عليه قدسية في إحترامه وإتباعه .

والحري بنا تذكر أن العمل العام وتشريعاته الناظمة له تخضع لرقابة قضاء مخصص لهذه الغاية وهو (القضاء الإداري ) والذي أقر وأستقر على قواعد القانون الإداري والتي توجب أن يتحصن القرار الإداري للإدارة العامة –وقبل ذلك النظام والتعليمات -من وجود عيوب الشكل وأول عيوب الشكل يتمثل أحيانا في (الصياغة ) بحيث لا توجد الصياغة الرديئة السند الصحيح مما يترتب عليه ثبوت توهان مصدر القرار عن صحيح السند أو ثبوت مخالفة السند بسبب إختلال الفهم وإنعدامه وبالنتيجة إنحراف القرار عن الهدف ووقوع الضرر وبالتأكيد توافر العيب الذي يجعل عناصر إستحقاقه الطعن لغايات الفسخ موجودة الأمر الذي يرتب للمتضررين حقوقا في مواجهة الإدارة العامة وبالتالي فإن النتيجة الطبيعية بالإضافة للإرباك الذي يحصل هي تكبد الإدارة العامة وخزينة الدولة لخسائر تعويض المتضررين –عند كسب الطعون – وهو الأمر الذي كان بالإمكان تفاديه بمجرد التدقيق إبتداء وقبل إتخاذ القرار بصحة سند القرار من التشريعات وصحة فهم التشريع وتوافقه مع التشريعات الأعلى وكذلك صحة صياغة القرار ومدى توافقه أيضا مع التشريعات الأعلى .
ومما يترتب من آثار على ردائة الصياغة وركاكتها ووجود الإبهام الشديد في صياغة تشريع أو قرار :
1-الإنفراد والسرية في وضع نصوص تشريعية بمستوياتها وصولا للقرار الإداري الفردي دون إتاحة الفرصة لمناقشتها أو تنقيحها من قبل المختصين والمعنيين بها .
2-عدم الإحاطة بالأغراض والأهداف وعدم توقع النتائج على العموم والكافة لأن التركيز يكون على حالة أو غرض بعينه .
3-غموض الفكرة وغموض الأهداف والأغراض .
4-تجلي الدوافع الذاتية للكسب أو الإضرار بالغير
5-التمييع والتعميم وفتح المجال للتأويل الغير منضبط بحيث يحتمل تفسير التشريع أو القرار عدو وجوه .
وينبني على الآثار السابقة عند وجودها مجتمعة أو وجود بعضها أننا سنحصل على أكثر من تفسير وعلى تناقض في التفسيرات إذا ما لجأنا إلى جهات لها صلاحية التفسير بحيث ستتنافض التفسيرات من زمن إلى آخر وكذلك من أشخاص إلى غيرهم .
**- ملاحظة : إن تكلفة (الإضطراب التشريعي ) وجوانب الضعف من الأساس ترتب تكاليف باهضة وأعباء جسيمة على الإدارة العامة وخزينة الدولة ويمكن قياس ذلك فقط بالرجوع إلى إحصائية أعداد الطعون القضائية في مواجهة الإدارة العامة وما يترتب عليها من تكاليف مالية على الخزينة وكذلك كلفة إدارية (كلفة بقاء الحال على ما هو عليه كارثية بالنسبة لكلفة الإصلاح ).
*-(تجزئة وتداخل النصوص أو القرارات –الصعوبة والتعقيد -) :
مما لا يخفى على أحد أن غياب المؤسسية في العمل وإرتهان العمل المؤسسي بشخوص الإدارة -عند تداول الإدارة ومواقع القرار وتغير شخوصهم – سيؤدي بطبيعة الحال إلى حالة من الفوضى في التشريع في مستوى (إقرار الأنظمة والتعليمات والقرارات ) بسبب (النظرة الضيقة ) والعمل على تلك التشريعات بشكل مجتزأ فنصبح أمام تفكك وتناقض في السياق الواحد لمجال واحد حيث تعرض فكرة لمن تولى صلاحية عامة في موقع عام فيصدر بها تشريعا (نظاما أو تعليمات أو قرار ) وبعد فترة تعرض له نفسه فكرة أو نقطة أخرى فيصدر أو يستصدر نصا أخر أو يعدل بشكل مجتزأ أيضا ما أقره سابقا ثم يأتي من يحل محله أو في موقع آخر في نفس المجال فكرة فيضع أو يستصدر تشريعا أو قرارا أو يعدل على تشريع أو قرار حسب ما عرض له وإذا بالموضوع الواحد وفي مجال واحد عبارة عن (مجموعة مشوشة ومتناقضة من النصوص أو القرارات ) وبالتالي فإن من يقع على عاتقهم التنفيذ يقفون عاجزين عن متبعة التغيرات على النصوص أو يرهقون في محاولاتهم لجمع قطع متناثرة وتجميعها – هذا إذا كانوا من المخلصين المجتهدين – وإلا فمن سيحتار في وسط هذا التشويش من المنفذين سيمتنع عن إتخاذ أي قرار وسيحاول أن يلقي بالكرة في ملعب غيره حتى لا يتحمل المسؤولية لاحقا إذا ثبت بشكل معين وزمن معين وجود خطأ وهذا يعني توهان الإدارة بالمطلق ودخولها في نفق من البيروقراطية المقيتة التي لا تحقق شيئا إلا بقاء الإدارة وموظفيها ومتلقي الخدمات يدورون في دوائر إلى ما لا نهاية دون تحقيق أي هدف أو إنجاز .
والمؤسف في الأمر أن التشريعات والنصوص التي تتعرض لهذا التعقيد والإبهام ويترتب عليها نتائج كارثية هي تلك التشريعات المتعلقة بالمواطنين وعلاقتهم بالدولة وسلطاتها وما ترتبه لهم من حقوق مكتسبة أو أنواع أخرى من الحقوق والمواطنون هؤولاء هم مادة وكوادر ذات السلطات العامة وليس يخفى على أحد أن تعطل المصالح وضياع الحقوق وتعثر الأعمال سيفضي بالضرورة إلى تراجع الثقة والإطمئنان بين طرفي العلاقة وهما من جهة المواطنون ومن الأخرى الدولة وكافة أجهزتها وسلطاتها العامة فيختل التوازن في هذه العلاقة وتضرب في مقتل من حيث لا يدري الجاهل ولا يأبه الفاسد .
*-(أغراض التشريع ) :
حيث أننا أوضحنا سابقا بأن التشريعات هي التي تبني الدولة وتبني سلطاتها ومؤسساتها فلا يجب أن يصدر تشريع لأمر بخس أو لغرض غير واضح أو لغرض غير عام فذلك بالقطع ضياع للوقت وللجهد وللمال دون أي مقابل من النتائج وتحقيق الأهداف العامة وهو أيضا تفريط وهدر لإمكانيات الدولة ومن خبراتنا جميعا فالعادة جرت على أن يكثر إصدار التشريعات حد الشعور بأن بعض الحكومات مصابة (بإسهال تشريعي ) في ظل الحكومات الجديدة التي تأتي خلفا لحكومات طال عمرها وأنهكت مواطنيها ردحا من الزمن والغاية هنا تكون في بداية العهد هي حصد الشعبية في الشارع بدعوى أن القادم يعدل ويصحح ما سنه الراحل .
وطبعا مما يسهل الأمر على الحكومات ويتسبب بإسهالها التشريعي والغير منضبط أن هناك أنواع من التشريع تصدر على شكل أنظمة مستقلة وعلى شكل بلاغات أو قرارات لصاحب الصلاحية في إصدارها وهو هنا (مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء ) لأن هناك الكثير من الأمور لو أريد إصدارها عبر قنوات التشريع العادية كقوانين لأحتاج الأمر الواحد لعدة شهور وربما سنين حتى يصدر كتشريع ينظم شأنا أو أمرا ومن هذا الباب أيضا يتم التوسع فيما يعتبر من الأمور والشؤون المستعجلة التي تقتضي سرعة إتخاذ القرار فنصبح أمام (تسونامي ) من هذه الأنواع من التشريع والتي يصعب أيضا تتبعها واللحاق بها وفك شيفرتها لمعرفة أهدافها المخصصة وتحديد أولويات الدولة والحكومة فيها ومنها , وسمة هذا النوع أنه يقع تحت باب (الإستثناءات ) في كل أمر مما يضطر أصحاب المصالح المعطلة والأعمال المتعثرة –من غير من تلتفت لهم الحكومات – أن يلجأوا إلى الواسطة والمحسوبية وكافة الطرق الملتوية سعيا وراء مصالحهم .

والأهم في هذا المحور –عند وجود التشريع السيء و/أو المبهم – أن هذه الحالة بالقطع ستفضي إلى أمرين أو نتيجتين تحرفان أغراض التشريع –كل تشريع – هما :
أ-خلق بيئة ضبابية لا يعرف فيها الغث من السمين والمخطيء من المصيب وينشط فيها الأغبياء وغير الأكفاء ويطمس المبدعون وأصحاب الكفاءة ويصعب جدا وجود مبدأ (المحاسبة ) استنادا إلى قاعدة أن الخطأ بحق الوطن يساوي الخيانة لأن النتيجة واحدة وهو ما يعرف (بالفساد الإداري ) .
ب-خلق بيئة حاضنة للفساد يرتع فيها الفاسدون ويترعرع الفساد بأنواعه ويتمدد لعدم وجود منظومة تشريعية سليمة قادرة على الرصد والمراقبة والمحاسبة فيستشري النهب للمال العام وللمال الخاص جهارا نهارا لأن منظومة التشريع تكون قد أصيبت بالعمى وهي بدون بصر وبصيرة فيتجذر (الفساد المالي ) .
**- (طرق الرقابة -أدوات الإصلاح التشريعي ) :
*-الرقابة السابقة :
بما أنني في بداية هذه الورقة عنونتها بوصف الإصلاح التشريعي (بالأرضية ) للإصلاح الإداري فإن كل أرض حتى تصبح صالحة لأن تزرع أو يبنى عليها بناء راسخا وثابتا تحتاج إلى أدوات لتمهيد الأرض وتهيئتها لتصلح لما يراد غرسه أو بناءه فيها وعليها وأدوات الإصلاح التشريعي هي :
بالدرجة الأولى (المطبخ التشريعي للحكومات ) والمرجعية القانونية الرسمية لأي حكومة وهي (ديوان التشريع والرأي ) والذي يضطلع بمهمة ” ضمان إتساق المنظومة التشريعية وإستقرارها وإنسجامها مع السياسات العامة للدولة في مختلف القطاعات والمجالات ” وهذه رؤية ديوان التشريع وأما رسالته فهي ” دراسة مشروعات التشريعات وإقتراحها تمهيدا لإقرارها وفق القنوات الدستورية وتطويرها لمواكبة المتغيرات الداخلية والخارجية وإبداء الرأي في الإستشارات القانونية وذلك ((بالتشارك مع الجهات ذات العلاقة )) للوصول إلى مستوى أداء يحقق الرؤية التي أسلفنا ذكرها .
*-وبالرجوع إلى رسالة ديوان التشريع سنجد أن دراسة مشروعات التشريعات بمستوياتها وبأنواعها وإقتراحها وكذلك إبداء الرأي في الإستشارات القانونية قد أنيطت بديوان التشريع والرأي إبتداء بالشراكة مع (الجهات المعنية ) لتكون هذه الشراكة وهذه المهام (تمهيدا ) لإقرارها وفق القنوات الدستورية وهذا يعني أن ولادة أي تشريع تكون على يد (الديوان ) وكذلك فإبداء الرأي والتصدي للفتوى القانونية –فيما يشوبه بعض الغموض أو التداخل في النصوص أو يحتاج لتفسير سليم – ليستند إليه في إتخاذ القرارات بالإتجاه الصحيح خالية من العيوب وكذلك لتحقيق أغراض التشريع بمستوياته ومنها القرارات وتحقيق أهدافها –كل ما سبق – يكون قبل ممارسة السلطة التشريعية لدورها التشريعي وكذلك الرقابي فالديوان حقا هو المطبخ الأول والمستشار الأول لكونه المتولي لمهمة دراسة التشريع وإقتراحه ووضع الدراسة أو المقترح في صورة مشروع (تشريع –قانون –نظام – تعليمات ) أو مشروع (قرار ) وفي القرارات فرأي ديوان التشريع هو المعتبر وهو الذي يسند أي قرار وكل ذلك كما جاء في الرسالة (بالتشارك مع الجهات المعنية ) وهي هنا جميع الوزارات والمؤسسات والدوائر التي يتألف منها الجهاز الإداري للدولة والتي يوجد على هياكلها التنظيمية (الدوائر القانونية ) التابعة لإدارات تلك والتي تضطلع أيضا ضمن المؤسسات والدوائر بما يضطلع به ديوان الخدمة المدنية كمرجعية ومطبخ للتشريعات والفتاوى القانونية لمجلس الوزراء التابع له , فهذه الدوائر القانونية تتبع لإدارات الوزارات والمؤسسات والدوائر العيا ولغايات تحقيق اتساق التشريعات الناظمة لعمل المؤسسة أو الدائرة وإنسجامها مع سياسة الوزارة أو المؤسسة أو الدائرة .
2- الدوائر القانونية لدى مؤسسات ودوائر الجهاز الحكومي :
تضطلع الدوائر القانونية في الوزارات والمؤسسات التابعة لها –كما أسلفت – بما يضطلع به ديوان التشريع والرأي ولكن واقع الحال والمطبق في المملكة الأردنية الهاشمية أن هذه الدوائر لا ترتبط بديوان التشريع هيكليا وفق التشريعات ولا يوجد في التشريعات الإدارية ما يعطي للديوان أي صفة إشرافية أو رقابية على أداء تلك الدوائر القانونية وحيث أن هذه الدوائر القانونية هي المرجعيات القانونية في كل وزارة ودائرة ومؤسسة فإنها تشكل –وفق وصفها الوظيفي – الرقابة السابقة على التشريعات والقرارات الناظمة للعمل فهي التي يفترض أن يبدأ إقتراح سن التشريع و/أو تعديل التشريعات الناظمة لعمل المؤسسة في قطاع من القطاعات وكذلك فوصفها الوظيفي ينيط بها مسؤولية تنظيم الإتفاقيات التي تبرمها المؤسسة وكذلك تدقيق القرارات وتصويبها في مرحلة ما قبل صدورها لتجنب العيوب القانونية من جهة وضمان موافقتها للقانون ومن جهة أخرى لضمان تجويد التشريعات والقرارات لضمان تحقيق الأغراض والأهداف المخصصة لها .
*-(المعضلة والحل ) …
-المعضلة :
بالرغم من أن ديوان التشريع هو المرجعية القانونية والمطبخ الأول لكل ما يتعلق بإدارة الدولة والقطاع العام فيها وهو موجود كذراع لمجلس الوزراء ورئيس الوزراء (الحكومة ) صاحبة الولاية العامة وبالرغم من وجود الوحدات التنظيمية القانونية كمرجعيات قانونية في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية وجميعها تضطلع بذات المهام الحساسة والمهمة وهي أول وأهم (رقابة سابقة ) على أدوات إدارة الدولة إلا أنها بدأ من الديوان وإنتهاء بهذه المرجعيات من الوحدات التنظيمية تعمل وفق الآلية التالية :
1-تعمل بشكل منفصل تماما وكأن المؤسسات والدوائر جزرا منفصلة ومستقلة حيث تتبع جميع تلك الوحدات التنظيمية لدوائرها من الألف إلى الياء وتمارس إدارات تلك المؤسسات الإشراف الكامل والتام على تلك الوحدات وكوادرها إبتداء بصلاحيات الإدارة في إيجاد هذه الوحدات أو إلغائها –فهاك بعض المؤسسات والدوائر كانت تخلو من وجود وحدة تنظيمية قانونية على هيكلها التنظيمي وتعتمد على مستشار قانوني غير متفرغ من القطاع الخاص – وكذلك بتحديد المستوى الإداري للوحدة –كمديرية أو قسم أو شعبة – وتحديد اعداد الكوادر التي تعمل بها – أحيانا لا يوجد العدد الكافي لتغطية أعمال المؤسسة – والأهم فمسؤولية الإشراف على تحديد كفاءة العاملين فيها فإدارة المؤسسة هي المسؤولة عن رفع كفاءة العاملين تدريبا وتطويرا من عدمه –وواقع الحال أن غالبية تلك الوحدات التنظيمية تعاني كوادرها من الإهمال في الجانب التدريبي وتأهيل تلك الكوادر في الجوانب الفنية القانونية – مما ينعكس على الأداء على مستوى الوحدات وعلى مستوى افرادها من الكوادر المعينين إستنادا لحملهم مؤهل (بكالوريوس قانون ) حيث يكتفى بوجود المؤهل العلمي بالرغم من أن المؤهل العلمي لا يوفر الخبرة القانونية في أهم وأخطر الأعمال القانونية من (سن ودراسة التشريعات ) و(كتابة الإستشارات والفتاوى القانونية ) (إعداد وتدقيق العقود والإتفاقيات ) وكل ما مر يكون مرتبطا أيضا بجوانب فنية أخرى حسب القطاعات والمجالات يجب أن تتوافر لدى رجل القانون الذي يخوض بها الدراية والخبرة الكافية –على الأقل بالأساسيات والمفرادات لكل علم ومجال – حتى يتمكن من وضع الإطار القانوني السليم .
2-لا يوجد في التشريعات الناظمة لعمل الوزارات والمؤسسات الحكومية ما يلزم إداراتها بالإستناد للرأي القانوني للمرجعية القانونية فيها كما لا يوجد ما يوجب على تلك الإدارات ربط المعاملات والقرارات وفق تسلسل إجراءاتها بمصادقة المرجعية القانونية (الأنشنة ) – وهذه المفردة الإدارية السائدة في القطاع العام – كما لا يوجد ما يلزم الإدارة وكل من له صلاحية اتخاذ القرار النهائي بالأخذ بالتوصيات القانونية وبالرأي القانوني في حال طلب من القانونيين وحولت المعاملات غليهم فيملك صاحب القرار اهمال الرأي القانوني والتوصية وإتخاذ القرار حسب ما يراه هو مناسبا .
3-تعمل الإدارات القانونية وكوادرها تحت السلطات الكاملة للإدارة التابعة لها حتى الرقابة الفنية على العمل القانوني فالإدارة وحدها من يقرر هل الموظف (القانوني ) كفؤا لمهامه أم لا بالرغم من أن شخوص الإدارة العامة وفي مواقعهم يعينون وفق ما يحملون من تخصصات وخبرات في مجالات مختلفة , مما يعني أن الإدارة وكل صاحب قرار وسلطة في المؤسسات يملك أن يفرض رأيه الخاص على (القانوني ) صاحب الإختصاص حسب ما يراه وحسب هواه مستخدما سلطاته وصلاحياته الإدارية – وهل يملك التابع إلا أن ينصاع للمتبوع ..؟؟؟- ويترتب على هذا أن حكم صاحب القرار هو المسيطر لا حكم القانون وهذا ما سيفضي حتما إلى :
أ-تغييب الرأي القانوني تماما .
ب-إستخدام الرأي القانوني للتغطية على الأخطاء .
ج-قوننة وشرعنة الفساد بإجبار (القانوني ) على تفسير القوانين والأنظمة على غير مقاصدها و/أو الإلتفاف عليها وإستثمار الثغرات أو الفراغ التشريعي هنا أو هناك لمجرد إرضاء من لهم ولاية وظيفيا عليه .

-الحل :(اللاحق مجرد أفكار مقترحة يمكن بلورتها أو إشتقاق ما ينفع للحل منها )
لا يحتاج الحل إلا لتجميع هذه القطع المتناثرة –من المرجعيات القانونية في كل مؤسسة -وربطها تشريعيا بالمرجعية القانونية (المطبخ القانوني ) في مجلس الوزراء (ديوان التشريع والرأي ) وإتباعها فنيا لديوان التشريع بحيث يتولى الديوان مسؤوليات الإشراف الفني القانوني على أداء المرجعيات القانونية في المؤسسات العامة :
أ – تدريب وتأهيل الكوادر القانونية على الأعمال القانونية وتطوير القدرات والملكات القانونية لتلك الكوادر .
الرقابة الفنية المباشرة على الدوائر القانونية وعلى أدائها الفني القانوني من خلال تقارير دورية .
ب-تزويد الديوان لتلك الدوائر بكل التشريعات الناظمة لعمل المؤسسة التي تتبع لها إداريا وكذلك بكل القرارات والبلاغات التي تصدر عن مجلس الوزراء و/أو رئيس الوزراء وتتعلق بالقطاع والمجال الذي تعمل فيه وله المؤسسة و/أو الوزارة .
ج-(بالتناوب ) يمكن إنطواء ديوان التشريع تحت مظلة (وزارة الشؤون القانونية التي هي لدينا دائما حقيبة دون وزارة وكوادر ) كأحد أذرعها وبيت الخبرة القانونية فيها وإشراف الوزارة على كافة الشؤون القانونية فنيا من خلال الإشراف الفني المباشر على الوحدات والدوائر القانونية مع بقاء التبعية الإدارية فيما يتعلق بالتعيين والنقل وبقية شؤون الموظفين للجهات ذات الصلاحيات وفق نظام الخدمة المدنية .
د-بعد تحقيق الربط المقصود سابقا وبالشكل الذي يضمن (رفع كفاءة الكوادر القانونية ) ويضمن ( نوعا من الإستقلالية فنيا للعمل القانوني ) تعديل بعض التشريعات المرتبطة بالقطاع العام لإعطاء مزيدا من الصلاحيات للوحدات القانونية وإلزام الإدارات بالرجوع إلى المرجعيات القانونية لديها والإستناد لأعمالها ووفق أوصافها الوظيفية .
ه-إتباع وحدات الرقابة الداخلية والتدقيق الداخلي في الوزارات والمؤسسات والدوائر للوحدات التنظيمية القانونية وربط أعمال الرقابة الإدارية والمالية بمهام وأعمال الوحدات والدوائر القانونية وذلك للإرتباط العضوي والفني وتشابه وتطابق مهام هذين النوعين من الوحدات التنظيمية .
و-إضفاء صفة الضابطة العدلية على مدراء ورؤساء الدوائر القانونية في جميع المؤسسات وإعطائهم الصلاحيات تنظيم الضبوطات وجمع المعلومات في أي شبهة (فساد إداري أو مالي ) وإحالة الملفات إلى الجهات الرقابية المعنية والمنصوص عليها في التشريعات الأردنية .
3-السلطة التشريعية (مجلس النواب ) :
حيث أنها القناة الدستورية ولها صلاحية إقرار التشريعات وكذلك الرقابة على الأداء الحكومي يجب منح مجلس النواب صلاحيات مراقبة إستقلالية (الجهات المسؤولة عن الشؤون القانونية ) على سبيل المثال ( يمكن اتباع ديوان التشريع والرأي للسلطة التشريعية على غرار المعمول به في بعض الدول ) أو بأي آلية أخرى .
4-السلطة القضائية (الرقابة اللاحقة ) :
من المعروف أن القضاء هو الرقابة اللاحقة على تطبيق القوانين والأنظمة وجميع التشريعات على الوجه السليم وهو من له ولاية التفسير والفصل ولهذا فإن سوء التشريعات أو القرارات وكثرة العيوب بها نتيجة بقاء الحالة القائمة للشؤون القانونية في القطاع العام هو الأمر الذي يصعب ويشوش مهمة القضاء ويؤدي إلى ضياع الحقوق العامة والخاصة مهما كان القضاء والرقابة اللاحقة نزيها وقويا وهذا من جانب ومن جانب آخر فإن وجود قضاء نزيه وعادل وقوي كالقضاء الأردني –ولله الحمد – مع وجود الضعف وكثرة العيوب في التشريعات والقرارات و/أو تطبيقها بشكل مغاير ومخالف للأصول فإنه حتما سيرتب خسائر فادحة تتكبدها خزينة الدولة نتيجة تزايد الطعون الإدارية وما يترتب على كسبها من دفع تعويضات مالية للمتضررين وفق ما نصت عليه التشريعات الأردنية وأولها قانون القضاء الإداري الأردني هذا بالإضافة إلى ما تحدثه الاحكام بفسخ القرارات الإدارية –بالضرورة- من إرباك إداري للإدارات بسبب الزامية إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل صدور القرارات الإدارية النهائية التي يطعن بها وتفسخ .
هذا ما فتح الله علي به للخوض في موضوع الإصلاح التشريعي لإيجاد الأرضية للبدء بجدية وحقيقة بالإصلاح الإداري الذي يوجه له جلالة الملك المعظم –حفظه الله -وقد تناولت جزئية الإصلاح التشريعي فقط فيما يتعلق بأساس العمل القانوني في جانب السلطة التنفيذية ولدى جهة مطبخ أو مطابخ التشريعات والقرارات وقبل وصولها إلى القنوات الدستورية لإقرارها بقصد الإشارة إلى حيث يجب أن نبدأ لتطبيق (مبدأ سادة القانون ) .
(مجددا ) : كل ما مر بحثه أفكار يمكن مناقشتها والتعديل عليها وبلورتها و/أو الإشتقاق منها ما يوجد الحلول العملية لخلق الأرضية التشريعية للبدء بالإصلاح الإداري الشامل .

والله والوطن من وراء القصد .

مقدمه : المستشار القانوني /رايق عياد المجالي

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com