الأحد , ديسمبر 22 2024 | 10:46 م
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : لماذا نعاند في الغيبوبة..؟؟؟

رايق المجالي يكتب : لماذا نعاند في الغيبوبة..؟؟؟

فيلادلفيا نيوز

من الخاطيء جدا أن يبقى أبناء العشائر الأردنية وخصوصا التي تصدرت المشهد في مرحلة التأسيس للدولة الأردنية من حيث كونها المورد البشري للمهام والوظائف العامة وتولى المناصب والمواقع يعقدون المقارنات بين حال العشائر وأبنائها الآن وبين ما كانت عليه الأوضاع في ماضي الايام والسنين.

ووجه الخطأ الفادح في عقد هكذا مقارنات هو عدم انتباه الأغلبية الساحقة إلى مسائل ومتغيرات طبيعية هي :

١-الدولة في بداياتها وإلى منتصف المئوية قامت علي المكون االاجتماعي الأساس وربما الوحيد وهو العشيرة الأردنية وكانت تلك المرحلة هي مرحلة تحويل العقل الجمعي للقبائل والعشائر الأردنية من عقلية وذهنية وطبيعة حالة البداوة كبدو رحل يتنقلون في سكناهم في طلب الكلأ والماء لإعتماد حياة الناس في تلك الأوقات على تربية الثروة الحيوانية والزراعة بشكل أساسي فكانت مرحلة أو مراحل إنشاء المجتمعات الثابتة والمستقرة من خلال توطين القبائل والعشائر في مناطقهم الأصلية من حيث السكن والعمل وهي مرحلة بناء مؤسسات الدولة الدولة بكافة المجالات والمستويات فكانت أولا الوظائف والشواغر متوفرة بشكل هائل والطبيعي أن يجند كل أبناء العشائر لتولي الوظائف بكل انواعها فهم المخزون البشري أو المورد البشري لقيام القطاع العام وكذلك قيام وبناء مؤسسات الجيش والأجهزة الأمنية.
٢-كانت طبيعة الأمور أن العشائر البارزة وخصوصا قليلة العدد والمتصلة بشكل مباشر بالديوان الأميري في مرحلة الإمارة ثم بالديوان الملكي لاحقا هي الأقرب وأبناء تلك العشائر هم المخزون الأول الذي تعتمد عليه الدولة في ملء كافة الشواغر حيث أن شيوخ العشائر ووجهائها هم حلقة الوصل وهم من يطلب منهم ويطلعون على أي معلومة وأي احتياجات تطلبها الدولة من المورد البشري وبالتالي فشيوخ ووجهاء العشائر والمخاتير كانوا ذراعا من اذرعة الحكومات وهم بمثابة حكام إداريين بصفة شعبية لا رسمية وهم من يزودون الحكومات بإحتياجاتها من المورد البشري.
٣-ومن الطبيعي أيضا أن أبناء العشائر التي تصدرت المشهد في مرحلة التأسيس للدولة قد اقتصرت المنافسة بينهم فقط بالعشرات وهم من أبناء الشيوخ والوجهاء والمقتدرين حيث أن هؤولاء هم الذين تمكنوا من الالتحاق بالمدارس والمعاهد ثم بالجامعات لان تكاليف وظروف التعليم في تلك الحقبة عالية وصعبة ولا تتوفر المدارس والمعاهد كما هو الآن في كل منطقة في المملكة لذلك فدائرة المنافسة كانت صغيرة جدا مثلا اذا أخذنا منطقة جنوب الأردن كاملة فالطبيعي لقلة عدد السكان في كل المملكة وكذلك قلة عدد المتنافسين أو المؤهلين وكذلك حتى الراغبين في ترك الأرض والفلاحة وتربية الثروة الحيوانية والذهاب إلى غير مناطقهم للعمل في قطاعات الدولة المختلفة أن تمر الدولة في مرحلة تبرز فيها وفي مواقعها المتقدمة اسماء عدد معين من القبائل والعشائر وأن يتكرر ذات الأسماء وتتواجد في كافة المناصب العليا في فترات أو مراحل من بدايات ومنتصف وحتى أواخر المؤية التي مضت وتمت من عمر الدولة الأردنية.
٤-مع مرور الزمن وتغير طبيعة الحياة وطبيعة مجتمع الدولة وتقدم مجالات الحياة أولها انشاء وانتشار المدارس والمعاهد والجامعات في كل منطقة من المملكة وحيث أصبح مجال التعليم متاح للكافة بكل سهولة واقل التكاليف ومع ازدياد عدد السكان صارت الموارد البشرية للدولة سنة بعد سنة تزداد في كل مجال وتخصص ومن كل منبت وكل منطقة وكذلك ومع مرور الوقت والمراحل من عمر الدولة اشبع القطاع العام بأجيال تلو الأجيال من المؤهلين للعمل في كل أنواع الوظائف حتى وصلنا إلى الحد الذي صار لدى الدولة فائض زائد عن الحاجة بمراحل واعداد هائلة وهو ما وصلنا إليه اليوم.
٥-وحيث صار واقع الحال ان المنافسة صارت مفتوحة ولا تقتصر على منطقة أو قبيلة أو عشيرة أو بعض مناطق أو عشائر دون غيرها وحيث لم يعد يوجد أي منطقة أو مجموعة من السكان نائيان عن مراكز المدن والقرى والبادية وأولها العاصمة وحيث انفتحت أيضا كافة مجالات الحياة وصار في الدولة كل أنواع القطاعات للعمل إضافة إلى القطاع الحكومي العام وحيث أيضا تحولت الدولة من مفهوم الدولة المتدخلة في كل قطاع وشأن إلى مفهوم الدولة الحارسة فقط أي الدولة التي تدير المصالح الرئيسية التي تحافظ على الدولة أمنيا واقتصاديا فقد صارت كافة المجالات والقطاعات تخضع لمبدأ المنافسة بين جميع فئات وشرائج المجتمع وفي كل مجال سواء تجاري أو صناعي أو خدماتي وأصبح القطاع الخاص هو القطاع الأغنى والقطاع الرئيس في هيكل الدولة الاقتصادي المؤثر في أحوال الناس أي الشعب بكافة شرائحه واطيافه وفئاته.
٥-حيث أن دستور الدولة والمباديء التي قامت عليها الدولة يجعلان من الدولة الأردنية دولة قانون ومؤسسات والمؤسسات هي هياكل قانونية وادوات إدارة الدولة وهي ترجمة القانون إلى إدارة لكل شيء فإن المفهوم الأساس الذي يحكم كافة أنواع العلاقات هو مفهوم المواطنة أي وجود كافة أنواع الحقوق السياسة والمدنية لكل من ينتسب للدولة ويحمل جنسيتها كمواطن وكذلك وجود الواجبات التي يفرضها الدستور والقانون مقابل التمتع بحقوق المواطنة وهذا يعني ان الدولة الأردنية كأي دولة متحضرة لا يوجد بها أي نوع من انواع التمييز بين مواطنيها وهذا ما نص عليه دستور الدولة “الأردنيون أمام القانون متساوون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الطائفة”.
٦-يترتب على كل ما مر سابقا حقيقة واحدة لا نقاش فيها وهي أن بقاء نهج الانتقاء لفئة محددة من فئات وشرائح الشعب لتكون هي المورد البشري للدولة في كل مستويات الوظيفة وخصوصا المواقع المتقدمة يجعل من الدولة دولة تمييز بين مواطنيها ويجعلها دولة تصنف فئات الشعب وشرائحه إلى طبقات أو إلى نبلاء وعامة أو اسياد وعبيد وهذا قطعا يتنافى مع اساس الحكم الذي هو دائما العدل مما يجعل الدولة آيلة للسقوط من الداخل دون وجود أي أعداء خارجين أو تحديات أو جبهات خارجية.

وخلاصة القول : أن بقاء أبناء العشائر أو القبائل الأردنية يعقدون المقارنات بين الماضي والحاضر دون النظر أو إعتبار وفهم كل المتغيرات الطبيعية ما هو إلا تقوقع في الفكر والثقافة وتخلف لن يزيد أحوال كافة فئات وشرائح الشعب الأردني إلا سوء وتراجعا بل إن هذا قد يسهم في الإخلال بالاستقرار السياسي وكذلك الاستقرار الاجتماعي لأنه طريقة التفكير هذه هي باب جهنم الذي يفتح على المجتمع الأردني بكل ما فيه من فتن وتشرذم وفتحا للمجال لكل عابث ومندس ولكل عدو خارجي يسعى لإسقاط هذه الدولة من داخلها.

وعليه فيقتضي أن نغير طريقة تفكيرنا نحن أبناء الدولة الأردنية من كافة القبائل والعشائر والذين يطلق علينا (الشرق أردنيين) إشارة إلى مواطني الدولة قبل اللجوء والنزوح اللذان نتجا عن احتلال فلسطين في حربي ٤٨ و٦٧ وكذلك قبل موجات الهجرات المختلفة لشعوب عربية بسبب الظروف التي مرت بها عدة بلدان عربية، ولنقتنع أن (الديمغرافيا) تغيرت وكذلك الجغرافيا والتاريخ والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية واصبحت ساحة المنافسة مفتوحة على كل شيء ولكل الأفراد والمواطنين ليثبت كل فرد أو مواطن استحقاقه لأن يتولى وظيفة أو موقع أو منصب في اي من قطاعات الدولة سواء العام أو الخاص ولنترك عقلية وذهنية التغني بأمجاد الماضي التي صنعت بأيادي من رحلوا منذ عشرات السنين ورحلت معهم ازمنتهم والظروف التي مروا بها.

ومن أهم المتغيرات الطبيعية أيضا أن تتجه الدولة إلى مرحلة جديدة في الحياة السياسية وأن تتطور في تبنيها الشكل الديمقراطي الذي يترجم مبدأ “الأمة مصدر السلطات” وذلك بالاتجاه نحو تطوير حياة حزبية تكون الأحزاب فيها كمكونات سياسية هي اللاعب الرئيس وتناط بها مهمة ودور كانا للمكونات الاجتماعية وهما القبائل والعشائر ليصبح التمثيل الشعبي السياسي أيضا مؤسسيا عندما تستبدل مؤسسة ومكون اجتماعي بمؤسسة ومكون سياسي وهو الأصل في ممارسة الديمقراطية وإدارة الدول الحديثة فالمسألة ليست صراعا ومكاسرة على دور بل هو تبادل الأدوار ليناط بكل مكون دوره الأساس وقطعا في هذا السياق لابد أن تمر الدولة والأحزاب بتجارب تحتمل الخطأ والصواب حتى نصل لحالة النضج الكامل لدى القوى والأطر الوطنية السياسة التي يعاد تكوينها ويعاد تموضعها وهذه الأطر الدستورية السياسة ليست جديدة ولكن يتم إنعاشها وأستكمال مراحل وطرق نموها حيث وجدت وولدت سابقا في الأردن ولكنها توقفت وغابت نتيجة ظروف سياسية مختلفة وقد كانت قد بدأت تحبوا في خمسينيات القرن الماضي.

لذلك لا أقول بأن دور العشيرة والقبيلة سيختفي تماما في المنظور والقريب من بداية مرحلة جديدة وبشكل سريع ولكن المسألة تأتي بطريقة الانزياح وإفساح المجال بالتدريج لكنها مرحلة في نهايتها تصبو الدولة الأردنية إلى أن تاخذ المؤسسات بأنواعها السياسية والاجتماعية ادوارها الصحيحة.

وفي النهاية لا أظنني بحاجة لإيراد أي أدلة أو براهين على ما مر من حقائق فهي تاريخ وواقع ولكن الرسالة أو النصيحة هي أن نعيد بالمجموع أو أن يعيد العقل الجمعي حساباته حتى تستمر الدولة ونستمر بها ومعها ونستطيع الخروج من المراحل التي نختنق بها والتي جعلت الأجواء آسنة ومسمومة بكل الأفكار السلبية الخاطئة وجعلت المناخ الداخلي في الوطن بيئة خصبة لكل الآفات من كل نوع ومستوى وأعتقد انا شخصيا أننا بالمجمل وفي العموم ما زلنا نعيش غيبوبة جماعية لا ندرك ما يدور حولنا في الداخل وفي الخارج وصرنا عمليا كأننا شعب يعيش على كوكب آخر وليس على هذا الكوكب الذي يسمى الأرض.

قد يتهمني البعض أنني اسوق لمفهوم الهوية الجامعة التي يشكك بها البعض أو يعتبرونها ” كلمة حق يراد بها باطل” ويؤلون هذه النظرية أو أو المفهوم فيشتقون كافة الهواجس عن فكرة الوطن البديل أو إلغاء الهوية الأردنية ولكنني أرد على هؤولاء بأن اقول : ان هذه هي فكرتي عن مفهوم المواطنة وخلاصة ما انتجته ظروف ١٠٠ عام منذ قيام الدولة الأردنية من واقع وجودنا في دولة أردنية في بداية المئوية الثانية وبداية الألفية الثالثة ورسالتي هي فقط أن نقرأ العالم بأسره وما حدث من تغييرات في كل صعيد وأن نستوعب موقع دولتنا على الخارطة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وفق معطيات الواقع وحركة التاريخ، وأن ننطلق من حقائق لا أوهام أو رومنسيات تستند إلى ماضي ما هو إلا ارث من كل نوع يجب أن نبني عليه لا ان نعيش فيه فقط.

لذلك فأنا اتبرأ من أي نظرية مشبوهة أو مشكوك بدوافعها والأهم أنني لا انكر أو اتبرأ من دور القبائل والعشائر الأردنية في تأسيس وبناء وحماية الدولة بل أنني اقدس هذا الدور واعتبره الإرث الذي لن نستطيع الانطلاق إلى مئوية ثانية بقوة وثبات إلا إذا تمسكنا به واستندنا إليه وأضفنا له وعلى ذات القاعدة التي تلخصها مقولة (الجنرال الفرنسي تشارل ديغول باني فرنسا الحديثة) عندما قال :” علينا أن ندخل المستقبل بخطوات للخلف” وهذا كان معناه التمسك بموروث حضاري والانطلاق منه نحو كل جديد مفيد.

ابو عناد.. رايق المجالي.

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com