فيلادلفيا نيوز
أهمية الاستشارة القانونية للحكومات والهيئات الرسمية وكذلك الشركات بأنواعها :
الحكومات والهيئات الرسمية وكذلك الشركات من كل نوع وفي كل مجال تمارس أنشطة من شأنها التطرق للمسائل القانونية بل إنها جميعها تنشأ أولا بموجب القانون وتمارس أنشطتها وفق التشريعات من قوانين وأنظمة ويعتبر المستشار القانوني للجهة الحكومية وحتى غير الحكومية هو صمام الأمان القانوني الأول لها من حيث تقديم الرأي القانوني وتمثيل الجهة الحكومية في المحاكم وبالأخص المحاكم الإدارية والتوصية بمراجعة القوانين وتقديم النصح بشأن المسائل القانونية وتقديم المساعدة القانونية للمواطنين والسعي للتعبير عن قيم العدالة والحق والشرعية وصيانة حقوق الإنسان وحماية الحقوق العامة والخاصة وهنا يجب التفريق بين الرأي القانوني والنصيحة القانونية و الفتوى القانونية حيث عرف المعجم القانوني:
1-الرأي القانوني بأنه : مستند مكتوب من قبل المحامي يبين حكم القانون في وقائع في حدثت في الماضي أو في الحاضر.
2- أما النصح القانوني: يصدر من محامي استشاري في شكل موجه لموكله في وقائع مستقبلية.
3- الفتوى القانونية : يقصد بها الرأي القانوني المسبب الذي يصدره المستشار القانوني يبين فيه حكم القانون في أي مسألة أو نزاع يعرض عليه في نطاق اختصاصاته وتكون أي من الجهة الحكومية أو الشركة طرفاً فيه.
وتحتاج الإدارة العامة بكل مستوياتها وانواعها للأستشارات القانونية وكذلك الشركات بأنواعها والأفراد أيضا لأن الوقاية خير من العلاج فرأي المستشار القانوني في المراحل الأولى لإعداد القرارات الإدارية النهائية الداخلية والخارجية في القطاعين العام والخاص ما هو إلا رقابة سابقة على تطبيق القانون وصحة الإجراءات مما يجنب الإدارات العامة والخاصة الوقوع في منازعات قانونية و/أو قضائية لاحقا وإذا نشأت المنازعات والخصومات -وهذه طبيعة الأشياء -فإن مرور أي من القرارات الإدارية قبل صدورها نهائية على المستشار القانوني والذي يكون قد أبدى الرأي القانوني في جوانب القرار وسلامة الإجراءات الموصلة لإتخاذه بشكل نهائي هو ما يسهل أولا عملية فض النزاع والبت في الخصومات قبل وصولها لطرق مسدودة تستدعي اللجوء للقضاء وبطبيعة الحال يعزز ويقوي الموقف القانوني للجهة مصدرة القرار حيث تكون قراراتها خالية من العيوب الشكلية والموضوعية التي قد تؤدي إلى وجود الطعون في مواجهتها وبالنتيجة تقلل من نسبة خسارة الإدارات بأنواعها لهذه الطعون وفسخ قراراتها لا سيما أن القرارات الإدارية النهائية لإدارات القطاع العام ووفقا لقواعد القانون الإداري تستحق الفسخ في حال وجدت بها عيوب شكلية ومن باب أولى فالعيوب الموضوعية إن لم تجعل تلك القرارات منعدمة أو باطلة فإنها تعرضها للنقض او الفسخ مما يرتب آثارا سلبية إدارية ومالية قد تصبح آثارا كارثية أحيانا من حيث أولا الإرباك الإداري من جهة ومن جهة تكبد الطرف الخاسر -عندما تكون الإدارة جهة إصدار القرار -لدفع الرسوم والمصاريف وهو ما تحكم به المحاكم بأنواعها على الطرف الخاسر للدعوى ناهيك عن وجود الحق القانوني لكل من يكسب دعوى وخصومة أمام القضاء ويتم فسخ القرار الطعين الذي تضرر منه بإقامة دعوى المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والضرر المعنوي الناجمان عن القرار المفسوخ مما يعني في الطعون الموجهة لقرارات الإدارات في القطاع العام تكبد الخزينة العامة والمال العام للخسائر المالية وبأحكام القضاء نتيجة ضعف قراراتها ووجود العيوب الشكلية والموضوعية الجسيمة بسبب عدم وجود الإستشارة القانونية المهنية والسليمة قبل صدور القرارات .
ومن جانب آخر فكل الجهات الحكومية والرسمية من دوائر وهيئات وكذلك الشركات بكل أنواعها تمارس انشطتها المتعلقة بمعظم جوانب العمل من خلال العلاقات التي تنشأ وتقوم مع جهات اخرى خارج المؤسسة و/أو الشركة بموجب الاتفاقيات والعقود التي تبرمها وهذه الإتفاقيات التي تكون “شريعة المتعاقدين ” يناط تفسيرها وتطبيقها على الوجه الصحيح بالقضاء عند نشوء الخصومات بين اطراف الإتفاقية أو العقد وهي التي يفترض بها حفظ حقوق الأطراف ابتداء وتحديد إلتزامات كل طرف لتحقيق مصلحة عامة وهذه الإتفاقيات تحكمها قواعد عامة من حيث السريان ومن حيث الإنتهاء والتجديد ومن حيث مواعيد تنفيذ الإلتزامات من الطرفين أو الفريقين وفق ما تنص عليه , والإخلال بهذه المواعيد قطعا يرتب آثارا قانونية ,كما تحكم هذه الإتفاقيات والعقود التي تكون الإدارات العامة طرفا فيها تشريعات خاصة مثل (نظام المشتريات الحكومية والتعليمات الصادرة بمقتضاه ) مما أنشأ في بعض مدارس القانون وفي انظمة قضائية ما يسمى ويعرف (بالعقد الإداري ) وهي جميع الإتفاقيات والعقود التي تكون الإدارات العامة طرفا فيها وتنصب على نشاطها لإدارة مرفقا عاما وتحقيق المصلحة العامة , وطبعا فدائما هذه الإتفاقيات والعقود لها آثارها المالية على خزينة الدولة وكذلك على ميزانية اي شركة .
وعليه فإن عدم وجود المستشار القانوني المتخصص والملم والخبير بالقانون في كل جوانبه وكذلك المحترف ايضا بطريقة دراسة وكتابة الإستشارة القانونية وكذلك دراسة وتدقيق الإتفاقيات والعقود يضع الإدارات العامة في مهب الريح ويتركها لتعصف بها المنازعات والخصومات في ساحات القضاء ويكبدها الآثار القانونية الإدارية والمالية وقبل ذلك وحتى قبل قيام نزاعات وخصومات فإن الإدارة العامة بدون وجود الجهة القانونية الكفوءة ستعاني من التخبط في قراراتها وبالتالي ستفشل في إدارة القطاع و/أو المهام التي وجدت الإدارة من اجلها وستنحرف عن تحقيق الخطط والأهداف الإستراتيجية وستتحول بالضرورة لمجرد هيكل تنظيمي يحتوي على مسميات وظائف وعلى كوادر تسند لها وظائف دون تحقيق أية نتائج إيجابية ودون تحقق المصلحة العامة وفقط تصبح الإدارات العامة مجرد تكايا لموظفيها تهدر عليهم الأموال والكلف التشغيلية وتدفع لهم الرواتب والمخصصات -وللأسف -أحيانا كثيرة المكافآت دون وجود أي إنجاز يذكر للأفراد من الكوادر وللدائرة أو المؤسسة .
وحتى نقول أن هناك إدارة -أي نوع من الإدارات -رشيدة تعمل وفق القانون وتحقق اغراضه ووظيفته وحتى تكون الأمور تسير في الإتجاه الصائب والصحيح فكما بينت أعلاه فوجود المستشار القانوني المؤهل ضرورة وعامل أساسي في نجاح الإدارات وخصوصا العامة وحتى يتحقق هذا النجاح فيجب أن يكون المستشار القانوني (فردا أو كادرا ) مؤهلا فعلا لهذه المهام فلا يكفي أن يكون المستشار القانوني مجرد شخص أو موظف يحمل مؤهلا علميا (كالبكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة ) فهذه شهادات أكاديمية يدرس الطالب او الدارس من خلالها النظريات القانونية وقواعد العلوم القانونية التي هي بحر عميق لكن المستشار القانوني المؤهل كما اشرت هو الذي فوق المؤهل العلمي يمتلك الخبرة الكافية والعملية في مجالات القانون وتطبيقاته في دولته التي ينتسب لها ويعمل بها وكذلك التطبيقات القانونية في انظمة قانونية وقضائية اخرى والأهم أن يعرف المستشار القانونية قواعد أداء مهمة (المستشار القانوني ) فللإستشارة القانونية منهجية يجب اتباعها لتأدية المهمة على أكمل وجه فيجب أن يمتلك المستشار القانوني قدرات وملكات وخبرة تمكنه من معرفة رأي القانون بشأن موقف أو موضوع أو واقعة أو نزاع قائم أو محتمل ليقدم الحل المناسب مستندا ومؤيدا للرأي القانوني بالأدلة والأسانيد القانونية ,كما يجب أن يكون ملما بالآراء الفقهية والأحكام القضائية المتصلة بالملف أو الموضوع الذي يعرض عليه وأن يكون قادرا على كتابة الفتوى القانونية أو الرأي القانوني وقد توافرت الخصائص أو العناصر التالية :
أ-التحليل الجيد لجوانب الموضوع المعروض وتحديد التشريعات المتصلة به وواجبة التطبيق على جوانب الموضوع .
ب-معرفة النقاط القانونية المفصلية للموضوع ومعرفة رأي القضاء والفقه القانوني وما استقرا عليه في كل نقطة والإلمام بما صدر من أحكام قضائية في ذات الموضوع و/أو النقاط القانونية .
ج-كتابة الرأي القانونية بالإيجاز والتلخيص والوضوح مع تضمين الرأي النصوص القانونية ذات الصلة وكذلك الإشارة إلى أية أحكام قضائية عالجت ذات النقطة و/أو الموضوع .
د-توضيح آثار تطبيق نصوص القانون على كافة الحقوق والإلتزامات ذات الصلة بالموضوع .
ه-كتابة التوصيات التي تفصل الرأي القانوني وهذه التوصيات هي ما يمثل (الرأي القانوني ) وهي بالنتيجة ما تعني أن مخالفتها يعد مخالفة للقانون أو إنحراف في فهم القانون .
و-وأهم عنصر يجب أن يتحلى به المستشار القانوني وتتضمنه استشارته المكتوبة او الشفهية هو الموضوعية والتجرد والحيادية والفصل بين رأيه أو مشاعره أو مصالحه الشخصية لأن رأي القانون موضوعي ومجرد لا يجب أن تختلط معه المشاعر والميول الشخصية للأفراد وهذا ما يعرف (بالنزاهة ) في تطبيق القانون وقواعد العدالة .
هذا ما إستطعت تلخيصه واختصاره رغم إتساع وعمق الموضوع ورغم أن البحث فيه لا يمكن أن يتوقف على عدد من الأبحاث والدراسات لعمقه ولتشعب جوانبه ولكنني أردت توجيه رسالة لصاحب الولاية العامة من باب الإشتباك الإيجابي مع الشأن العام وذلك لأننا في الدولة الأردنية قد دشنا مرحلة الإصلاح الإداري بعد أن إعترفنا بأن الإدارة العامة قد نالها الضعف لا بل التخبط وتراجع أداء معظم الدوائر والمؤسسات إلى حد الشلل عند بعضها مما أدى للحالة التي نعيش من إنتشار لأنواع الفساد والتي أخطرها هو الفساد الإداري وهدر المال العام وللأسف الشديد ما زلنا نراوح مكاننا في تحديد الخلل الأساس وغير قادرين على وضع الإصبع على جانب مهم جدا هو من أول وأهم أسياب ما نراه من ظواهر التخبط وتغلغل الفساد الإداري في معظم الدوائر والمؤسسات الرسمية وقد ركزنا فقط على المطالبة بتفعيل الرقابة اللاحقة والأجهزة المناط بها المحاسبة لاحقا ابتداء من مجلس الأمة ومرورا بالأجهزة الرقابية (هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وديوان المحاسبة ) وإنتهاء بالسلطة القضائية وهذا الأسلوب في الإصلاح إنما يزيد الأعباء على اجهزة الرقابة اللاحقة ويربكها إلى الحد الذي لن تتمكن معه من التصحيح والتصويب إلا بنسب قليلة فالإصلاح لا يكون فقط بالمحاسبة (بعد أن تقع الفأس في الرأس ) بل هو إزالة الخلل من بدايته وإصلاح الإختلالات التي تنتج الإنحرافات فالإصلاح الحقيقي والمنجز والمجدي هو ما يتمثل بتفعيل (الرقابة السابقة ) والتي تضمن تطبيق صحيح القانون ابتداء وتطبيق التشريعات بما يضمن تحقيق أغراض وأهداف سن هذه التشريعات .
اللهم هل بلغت ..اللهم فأشهد ..!
المستشار القانوني : رايق عياد المجالي .