الجمعة , نوفمبر 15 2024 | 9:18 م
الرئيسية / stop / رايق المجالي يكتب : كيف نغير عادة لم تعد مستحبة

رايق المجالي يكتب : كيف نغير عادة لم تعد مستحبة

فيلادلفيا نيوز

لاحظت في الأيام القليلة أنتشار دعوات لإلغاء العادات في موضوع العزاء عند الأردنيين وهذه الدعوة بالضبط تطل علينا بين الحين والحين تدعو للإلغاء الفوري والمباشر لعادات رسخت في المجتمع الأردني وتكرار إطلاق هذه الدعوات هو دليل فشل ذات الطريقة والدعوة لأنها تذكر السلبيات ومبررات الإلغاء ولا تطرح آلية فعالة ومجدية للتغيير ودائما ما يعتقد مطلقوا هذه الدعوات أن إصدار (فرمان ) بالإلغاء ينهي المشكلة وهذا بحد ذاته ينم عن ذهنية قديمة هي أيضا لم تتغير فزمن الفرمانات السلطانية قد ولى من مئات السنين لهذا ومع الإحترام والتقدير لمن يطلقون تلك الدعوات دائما أود أن أوجه لهم وللكافة بعض الملاحظات مع المقترح الآتي :

أولا : هذه دعوة ليست جديدة وتكررت ووقعت وثائق جماعية في عدة مناطق في المملكة.
وثانيا هذه عادات نشأت على مر الزمن والجميع يعلم أنها ليست من السنة ولكن العادة محمة فقها .
وثالثا لتغيير العادات لابد من مرور الزمن مع العمل على ذلك فلا تتغير عادىة بمجرد اطلاق مبادرة او بيان سلبيات العادة للناس .
ورابعا العادات تتغير تدريجيا وفقا لتغير ثقافة الناس والمجتمع .
وخامسا حتى نغير عادة يجب ايجاد البدائل التي تتوافق مع ثقافة الناس والمجتمع بحيث تراعي أهواء الناس وثقافاتهم حتى يتقبلوا الجديد فمجتمعاتنا محافظة بطبيعتها وايقاع التغيير وتقبل اي أمر مستحدث فيها بطيء .
وسادسا العادة عند معظم العشائر والقبائل والعائلات الأردنية الممتدة هي ان يتشارك افراد العشيرة أو العائلة التكاليف أو ان المقتدرين من نفس العشيرة يتولون مسألة الطعام احيانا ومنهم من يتولى القهوة والماء والتمر من باب التكافل والمعروف بين الناس عندما يكون صاحب العزاء فقيرا او معدما وعليه : المقترح الذي نطرحه هو :
1- أن لا يصنع طعام للرجال والنساء إلا في يوم الدفن لأنه اليوم الذي يجبر البعض من الضيوف البعيدين وحتى اقرباء الميت على التوافد في فترات النهار في الظهر أو العصر وهي اوقات الدفن كما جرت العادة مما تكبدهم القدوم والسفر احيانا من مطلع النهار او يأتون مباشرة من اعمالهم للتشييع مما يجعلهم دون طعام طوال اليوم الذي وفدوا خلاله وكذلك أهل الميت في يوم الدفن ينشغلون عن تناول الطعام بمراسم الدفن والتحضير للعزاء اضافة الى احزانهم وإكتضاض بيت العزاء وتوافد الاقارب والجيران للمشاركة في التشييع .
2- أن يحرص من يصنعون الطعام في اليوم الأول على أمرين أولهما مراقبة من يأتي من الضيوف لحضور الدفن ومن اماكن بعيدة والحرص على تناولهم الطعام وإكرامهم لستر وجه أصحاب العزاء الذين قدموا من أجلهم لأن أهل الميت ينشغلون بالدفن والسلام(تقبل التعزية بعد الدفن ) على الناس والأمر الثاني الحرص أن يتناول أهل الميت رجالا ونساء الطعام مع الضيوف لأنهم أحوج حتى يتمكنوا من مواصلة القيام بالواجب والوقوف لساعات وايام يتقبلون العزاء .
3- يعلن في أن تقبل العزاء في اليوم الثاني والثالث يكون بعد العصر وفي ساعات المساء حتى العاشرة ليلا وهذا توقيت لا يأتي الناس فيه مجبرين على ساعة محددة مما يعني أنهم يتناولون طعامهم حيث شاؤوا فوقتهم مفتوح اثناء النهار ولا حاجة لتقديم الطعام لهم عند قدومهم للتعزية في الاوقات المسائية المحددة من بعد العصر إلى العاشرة ليلا .
4- في اليوم الثاني والثالث يصنع الطعام فقط لأهل الميت ويقدم لهم مخصصا حسب عددهم في غير مكان العزاء أو بعيدا عن اعين المعزين.
5- الجمعيات أو ما يجمع من الأقربين كما جرت العادة يبقى كما هو حتى إذا تمت تغطية تكاليف العزاء يدفع ما يفيض من المبلغ المجموع لأهل الميت في حال كانت أوضاعهم المادية سيئة أو يعطى للزوجة او الزوج أو الأبناء وبشكل يحفظ كرامتهم كهبة حتى لو لم يكونوا بحاجة فهذا يقوي الروابط ويعطي شعورا جميلا بعزاء من فقدوا عزيزا بأن الأهل والأقارب نفسيا معهم وهذا جوهر معنى التعزية على أهل الميت.
6- كل ما مر سابقا إختياريا وليس اجباريا بموجب الوثيقة فللناس التقييد بما جاء فيها كل حسب مقدرته أو عدم التقيد بمعنى ان المقتدرين لهم حرية اختيار ما يريدون لأنهم لا يكلفون غيرهم ولا يشق عليهم لكن التوقيع والإجماع على ماسبق يرفع الحرج عن غير المقتدرين فلا يعايرهم الناس بأنهم لم يقيموا العادة كما كانت لأن إعفائهم من ذلك جاء بميثاق واتفاق جماعي . على أن تعلن هذه الوثيقة ويوقع عليها من كل افراد ومؤسسات المجتمع المدني في حواضرنا وبوادينا وتعلق في أماكن التعزية كالقاعات الرئيسية والجمعيات حتى يرفع بها الحرج عن غير المقتدر وعن غير القادر وعن غير الراغب في السير حسب العادات في العزاء سواء أكان ذلك إتباعا للسنة أو لأن أهل الميت يشق عليهم السير وفق العادة .

يجب مراعة حقيقة ثابتة وهي أن الأعراف والعادات تعرف عند أهل الفقه الشرعي والقانوني بأنها “قانون الأموات ” لأن هذه القواعد في العرف أو العادة وضعت ورسخت بعد تكرارها كسلوكيات لزمن من أناس رحلوا فالتزمت أجيال بعدهم بما درجوا عليه وحتى نغير العرف أو العادة لابد من أن تتغير السلوكيات عبر زمن كافي بإضطراد حتى نشكل قواعد جديدة لأجيال بعيدة ما بعد الأجيال التي ستغير سلوكها .

في النهاية فإن ما مر بيانه وتوضيحه وإقتراحه ليس تنظيرا وإستعراضا للإنشاء اللغوي بل هو مبني على جقائق علمية رصدتها علوم الإنسان والإجتماع لهذا فحتى نغير فعليا علينا أن نسلك طريقا في الإتجاه الصحيح متعاملين مع الحقائق والواقع ومدركين لمفاهيم ومعاني ما نريد تغييره أو تهذيبه أو تطويره وكذلك فالقاعدة الفقهية تقول ” ما لا يؤخذ كله لا يترك جله ” وعلينا أن لا نتوقف عن محاولات التغيير فنحبط ونترك الأمر كله في كل مرة نقترح الإلغاء بالشكل الذي تكرر فإذا أعرض الناس عن التوقيع على وثيقة أو لم يلتزموا بما وقعت عليه فئة فالأمر كما وضح أعلاه لا يأتي بين ليلة وضحاها عندما يتعلق الأمر بسلوك المجاميع أو بتغيير ثقافة مجتمع وإقناع العقل الجمعي بضرورة التغيير .

والله والوطن من وراء القصد .

رايق عياد المجالي /ابو عناد

 

طباعة الصفحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تنويه
• تتم مراجعة جميع التعليقات، وتنشر عند الموافقة عليها فقط.
• تحتفظ " فيلادلفيا نيوز" بحق حذف أي تعليق، ساعة تشاء، دون ذكر الأسباب.
• لن ينشر أي تعليق يتضمن إساءة، أو خروجا عن الموضوع محل التعليق، او يشير ـ تصريحا أو تلويحا ـ إلى أسماء بعينها، او يتعرض لإثارة النعرات الطائفية أوالمذهبية او العرقية.
• التعليقات سفيرة مرسليها، وتعبر ـ ضرورة ـ عنهم وحدهم ليس غير، فكن خير مرسل، نكن خير ناشر.
HTML Snippets Powered By : XYZScripts.com