فيلادلفيا نيوز
أنا أولا إبن هذا المجتمع وإبن عشيرة مولود في مجتمعي الأردني الذي تأسس على قواعد العرف والقانون العشائري ووجدت في وطن كانت ركيزته الأساسية مؤسسة العشيرة التي تترسخ قيمها وأخلاقها العامة في شخصية الفرد وهي التي تبنى عليها شخصية الأردني وقواعد العرف والقانون العشائري ليست مجرد قواعد قانونية تنظم مجتمعا بل هي القواعد التي تبني مجتمعا وتشكل هويته وتصقل شخصية الفرد فيه.
ولكنني ثانيا تعلمت والتحقت في مرحلة التعليم العالي بعد المدرسة بكلية الحقوق فدرست تخصص القانون ثم تخرجت أحمل شهادة البكالوريوس ثم اتجهت إلى مهنة المحاماة فتمرست بمجال القانون محاميا ثم مستشارا قانونيا ولكنني لإرتباط تخصصي ومجال عملي بالحياة والمجتمع فالقانون هو اليوم الذي ينظم كل المجتمعات على وجه الأرض وفي كل مجال فالقانون يسمى (علم الحياة) ،فهذا الارتباط قطعا يجعلني كلما تعلمت عن القانون المدني بمفهومه العام زاد مع هذا انجذابي للإطلاع وفهم القانون العشائري أو ما نسميه العرف والعادات في المجتمع الأردني.
ومع مرور الوقت ومرور التجارب الخاصة والتعايش والاحتكاك مع تجارب الغير سرت في مسألة الدراسة والاستزادة والإستفادة بخطين متوازيين في دراسة القانون المدني إلى جانبه الاطلاع ودراسة القانون العشائري وكل خط له مراجعه ومصادر التعلم منه وعنه.
لن استفيض في الشرح عن أي من القانونين فكلاهما بحر لجي وعميق ولكنني سأعرض فقط ما خلصت إليه من فوارق رئيسية بينهما ،أما التشابه والتطابق فهو بحث يطول وقد يحتاج لمؤلف قد يصل عدد صفحاته المئات ، ولكني وجدت فارقان رئيسيان وهامان جدا بينهما غير فوارق التسميات والمفردات بين القانونين (المدني والعشائري) وهما :
الأول: العرف والقانون العشائري يحمي حرمات وقيم وأخلاقيات مجتمع ،بينما القانون المدني يحمي وينظم الحقوق العامة للمجتمع والخاصة للأفراد.
الثاني: والفرق الثاني مبني على الأول فالقانون العشائري ينظم المجاميع ويعاقب المجاميع مع الأفراد عندما تخالف قواعده ( الغرم على خمسة الفرد مع الفرد والغنم لهم معه ) ،بينما القانون المدني ينظم المراكز القانونية لشخوص القانون العام والخاص (الشخص االمعنوي أو الإعتباري والشخص الطبيعي) والعقوبات بكل أنواعها والأحكام شخصية موجهة للشخوص حسب مفهوم الشخص في القانون المدني.
للتوضيح فعقوبات القانون العشائري عند خرق قواعده تطال المجموعة التي ينتمي إليها الفرد برابط الدم وتسمى (الخمسة أي الرابط للجد الخامس) وكذلك فما يفرضه القانون العشائري من حقوق وفروضات وتغريم هي حق لخمسة الفرد ، بينما العقوبة في القانون الجنائي أو الجزائي المدني فهي شخصية في الغرم وفي الغنم.
وعلى ذلك فأنني واستناداً لخبرات السنين وما نعيشه من واقع إجتماعي غريب ومحزن لأن القيم والأخلاق فيه قد همشت وتضائل تأثيرها وأعتبارها وتقديرها وأصبحت القيم والأخلاق لا تنظم شيئا في المجتمع ولا تبني الأجيال عليها وأصبح حتى الحديث فيها وعنها يوصف بالمثالية والرومنسية الحالمة ،فإنني قد أصبحت مقتنعا تماما أننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة سن القواعد العرفية والعشائرية وإعادة القانون العشائري ليسري على المجتمع من أجل إعادة بناء مؤسسة العشيرة وترميم الدمار الذي لحق بها ،فلم تعد العشيرة هي المربية لأبنائها على صون الحرمات وعدم الاقتراب منها والمساس بها ولم تعد قيم العشيرة وقيم المجتمع هي القواعد التي تبني أجيالا وتحميها أيضا لأن القيم نفسها لم يعد هناك من يحميها من الخرق.
مقالي هذا أو خلاصتي فيه لا تحتاج إلى الإحالة لأية مراجع أو مصادر في القانونين ولا تحتاج للمختصين ولا احتاج لشرح أكثر وتفصيل وتمحيص وتقديم البراهين والحجج على ما وصلت إليه من رأي ،وكل ما يحتاج القاريء ليقرر الموافقة أو الرفض فقط أن ينظر ويتفكر قليلا في حال مجتمعنا وحال الحرمات والقيم والأخلاق وما بني على غيابها من ضياع الحقوق وانتشار العقوق للمجتمع وللمكونات الأجتماعية والغير إجتماعية حتى صار المجتمع بأسره واهنا ضعيفا تتآكل مكوناته ويتصارعون أفراده وجماعاته على فتات وعلى متاع الحياة ومتعها فقط ليعرف أننا أحوج ما نكون لقانون يحمي الحرمات والقيم قبل أن يحمي الحقوق المادية.
اللهم شفاء لا يغادر سقما لمجتمعنا ولأهالينا ولعشائرنا وللناس أجمعين.
أبو عناد.