فيلادلفيا نيوز
حرية الرأي والتعبير في ظل المعايير الدولية لحقوق الإنسان موضوع هام جدا بالنظر لارتباطه أولا بإحدى أهم الحريات التي يمنحها أي نظام ديمقراطي للأفراد والمتمثلة في حرية الرأي والتعبير ,وتعني هذه الحرية أن يكون للفرد الحق في ابداء رأيه دون تدخل من الآخرين ودون وصاية من أي جهة وتتوسع حرية الرأي والتعبير لتشمل جميع وسائل الإعلام اوالنشر المختلفة من مكتوبة ومسموعة ومرئية وغيرها ونظرا للأهمية التي تحظى بها حرية الرأي والتعبير فقد نظمتها مختلف( المواثيق الدولية مثل مواثيق الشرعة الدولية وكذلك مواثيق إقليمية مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان).
ويعتبر الحق في حرية التعبير دعامة أساسية من دعائم الدول التي تنتهج النظام الديمقراطي فالإنسان بطبيعته يسعى للتعبير عن ذاته وعن رأيه في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ((الأمر الذي يساهم في تكوين رأي عام قادر على مراقبة القائمين على الحكم بطريقة تحول دون انحرافهم ويقود أيضا إلى تحقيق مصلحة المجتمع ككل)) ، لذا فأن حرية الرأي والتعبير هي مبادئ فعالة وضرورية لتقويم المجتمع وكشف كافة الممارسات التي تنتهك الحقوق والحريات وذلك ما جعل الأمم المتحدة تقر ((أن هذه الحرية من الحقوق الإنسانية التي كرست ولازالت تكرس المنظمات الدولية والإقليمية جهودها من أجل حمايتها وتعزيزها)) .
وبالرغم من الأهمية التي تحظى بها حرية الرأي والتعبير إلا أننا نجد مختلف المواثيق والعهود الدولية لم تترك هذه الحرية مطلقة بل قيدتها بمجموعة من الضوابط وذلك بغية حماية النظام العام والمصلحة العامة ومن ثم فان ((الإشكالية)) تتحدد ((ببيان الإطار القانوني لحرية الرأي والتعبير وضوابطهما)).
لقد أدت حرية الرأي و التعبير في ضوء التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام المختلفة إلى المساس بحقوق الأفراد في حياتهم الخاصة، فكثيرون هم الأفراد الذين وجدوا أن أسرارهم و أدق الأمور المتعلقة بسمعتهم و شرفهم و كرامتهم منشورة فجأة في إحدى الصحف أو في أي وسيلة من وسائل الإعلام الأخرى أو وسائل التواصل وكل ما جد من وسائل إلكترونية , فالإنسان لا يستطيع أن يعيش دون أن يشعر بالأمن و الأمان و الهدوء و السكينة و الحرية داخل المجتمع لذا فقد أقرت المواثيق العالمية و الإقليمية حرمة الحياة الخاصة كضابط من ضوابط حرية الرأي و التعبير ليضفي عليها القانون الجنائي و/أو الجزائب حمايته بنصوصه العقابية وهذا ما لا يجادل فيه عاقل وإنسان سوي مهما كان مستواه التعليمي والثقافي ومهما كان موقعه ودوره في المجتمع.
وإذا كانت الأجواء لدينا في الأردن اليوم هي أجواء يفترض أنها تمهد لخلق مناخ سياسي جديد والدخول إلى مرحلة تطور الحياة السياسية والحزبية فإن الإشكالية -كما يظهر – تتركز وتتحدد في حالة من الإنفصام الفكري والذهني لدى بعض القائمين على إدارة الدولة كل حسب الدور المناط به وصدق فيهم قول معروف ” كل يغني على ليلاه ” حتى وصل التناقض بين المسارات والتضاد بين التوحهات والإتجاهات حدا يثير العجب ويثير السخرية وبالمجمل يثير أعمق مشاعر الحزن على هذا الوطن فلدى الحكومة اهدافها ومنهجيتها ولدى السلطة التشريعية أيضا أهدافها ومنهجيتها ولدى الشارع بكل اطيافه والوانه وفئاته أيضا اتجاهات وخلفيات لا نكاد نميز ماهو الإختلاف بينها وما هو المتفق عليه ويتضح ذلك كله من طرق واساليب الحوارات والنقاشات التي تثور على كل مسألة فنجد في تقابل متحاورين إثنين فقط على اي منبر (برنامج تلفزيوني أو اذاعي ) دوامة من المفاهيم الغير واضحة وكذلك خلط شديد وتداخل بين كل المفاهيم والأبعاد في المسألة الواحدة والطامة الكبرى في كثير من الأحيان تصدي غير أهل الإختصاص وغير المعنيين احيانا لخوض حوار ونقاش في مسائل لا يفقهون من قواعدها شيء ولا يفهمون ابعادها وكل مفتي من هؤولاء يتمترس وراء فكرته او افكاره ينافح عنها ويدافع دفاع المستميت بكل ما نعرف من مظاهر التعصب للرأي والتطرف فيه وللأسف يمارس هذا التعصب وهذا التطرف في الرأي من أفراد أو شخوص مؤسسات دستورية (تنفيذية ,تشريعية ) يفترض أنها مفاتيح التحول الديمقراطي وروافع ترسيخ النظام الديمقراطي ولكن على قاعدة ناسفة لأي ديمقراطية وهي قاعدة (من هو ليس معي فهو ضدي ) وللأسف وفي الواقع التعبير عن الضدية او الندية اقسى وابشع (فمن هو ليس معي فهو عدوي ) .
الخلاصة : عن نفسي ومعي شريحة عريضة من هذا الشعب -حتى يتضح للكافة – لا نطالب بسحب قانون الجرائم الإلكترونية اعتراضا على ما تتضمنه عديد بنوده ونصوصه من تجريم الأفعال التي تناقض وتتنافى مع النظام العام في المجتمع وهي تلك الأفعال التي تشكل اعتداء على خصوصيات الأفراد وأمنهم الشخصي والمجتمعي بل نحن في هذه نطلب التشديد وتغليظ العقوبات ولكننا نعيب على هذا القانون ما يعتبر جريمة بحق الديمقراطية والحريات العامة اولا من حيث ورود نصوص محددة تغتال الديمقراطية والحريات العامة وتخالف مباديء وأصول التشريع الجنائي و/أو الجزائي وهذه النصوص قد عطبت مجمل القانون لأنها بينت أن البناء التشريعي والقانوني الذي جاء عليه هذا القانون قد تولد من ذهنية وعقلية يبدو انها لم تطلع على الدستور الأردني اولا او لم تفهمه كما انها لم تطلع او لم تفهم يوما مضامين المواثيق الدولية وتلك العهود التي وقع عليها الأردن وانخرط فيها كدولة عضو في الأمم المتحدة تؤمن بالشرعية الدولية واحكامها وابعادها ,ولهذا لا يصلح هنا إعمال المبدأ التفسيري القائل ” ما لا يؤخذ كله لا يترك جله ” لأن التشريع يقرأ ويقبل أو يرد كوحدة واحدة فإما هو صالح من كل جوانبه وجيد وإما هو ركيك ورديء فيصبح واجب الرد بالمجمل ليصار الى إعادة وضعه تأسيسا على الذهنية السليمة متوافقا مع السياسات العامة والنهج المتفق عليه بالإجماع وإستنادا للمباديء والقواعد العلمية القانونية السليمة .
لهذا وعليه ومن أجله فلا لمشروع تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية قيد النقاش تحت القبة وعلى المشرع الأردني (مجلس النواب ) أن يقف أمام مسؤولياته تجاه( الأمة ) وأن يستمع للرأي العام الرافض لهذا القانون كما أرسل وتم رميه في ملعب السلطة التشريعية ليصار الى مراجعة القانون النافذ ومناقشة ما شابه من عدم الدستورية في بعض نصوصه ومن مخالفة ايضا لمباديء وأصول التشريع الجنائي و/أو الجزائي ليتم سن قانون يتفق مع النظام الديمقراطي الذي تنتهجه الدولة الأردنية كفالة للدستور وحماية للوطن وقيادته وصونا لمجتمع الدولة من الإنزلاق إلى دوامة صراعات النفوذ ومراكز القوى والتي تفضي الى تفتيت النسيج الوطني لما تحمله هذه المراكز والقوى النافذه في ركابها من فتن ستصبح مطحنة لمكونات هذا الشعب .
عاش الأردن وعاش الشعب وعاشت قيادته الهاشمية أعزاء كرماء “في حجم بعض الورد إلا انه له شوكة ردت الى الشرق الصبا ”
رايق عياد المجالي /ابو عناد